كتبنا سابقا أن الرشوة ستسبب مآسي بالمغرب.. كتبنا كذلك أن الرشوة تدمر اقتصادنا ومجتمعنا.. وخلصنا إلى أن مسؤولينا اختاروا دفن رؤوسهم في الرمال وتجاهل الوضع.. النتيجة هي ما عاشه ويعيشه المغرب، وتحديدا عاصمته الاقتصادية، من مآس خلال هذا الأسبوع الأسود! السبت الماضي التهمت نيران الجشع والرشوة 55 شابا وشابة في ظروف يجب أن تجعل كل مغربي يخجل من نفسه حتى لا نقول من مغربيته.. ليلة الأحد الاثنين، عاود الحريق التهامه للمغاربة فسقط ثلاثة شبان ضحية لذلك.. ويوم الثلاثاء، والدارالبيضاء لم تستفق بعد من هول صدماتها، جاء نبأ صدم حافلة نقل حضري لسور ثانوية وإيدائها بحياة 5 مغاربة من بينهم امرأة حامل! وبزززززززاف... تصوروا أنه بعد كارثة ليساسفة جاء مسؤول بالعمالة وقال إن التصاميم التي طبقت لا تحترم معايير السلامة، وردد مسؤول بارز بالجماعة وبرلماني المنطقة بأن المبنى رخص له فقط سنة 2000 بطابق واحد وأن المقاول قام سنة 2005 بإضافة طابقين دون رخصة! طيب، وأين كان القائد والمقدم والشيخ؟ هذا الثالوث الخطير الذي تستعين به وزارة الداخلية لعد أنفاس المغاربة. إن أي حركة غير عادية في أبعد قرية مغربية تجد طريقها إلى من يهمه الأمر في نفس اليوم، فكيف غابت عن أعين السلطات المحلية بمختلف رتبها حكاية هذه البناية؟ الجواب بسيط.. ولعلكم وجدتموه حتى قبل أن أتمم هذه الكلمات. الرشوة... الرشوة في أجمل بلد في العالم تشق الطريق وسط البحر.. الرشوة في المغرب صارت مرادفا لأي شيء.. الرشوة بهذا البلد السعيد أصبحت ب«العلالي».. فلماذا نستغرب، إذن، أمام هذا المصاب الجلل.. لماذا نستغرب، إذن، أن تتلاشى فرامل حافلة نقل حضري وتحصد في طريقها خمسة أرواح.. لا أكاد أتصور ولو للحظة واحدة الأم المكلومة التي فقدت فلذة كبدها وهو يهم بمغادرة الثانوية بعد صبيحة من الكد والعمل والإعداد للامتحانات القادمة وكل آمال المستقبل أمامه.. لا يمكن تصور معاناة ذلك الرجل الذي فقد زوجته وفي أحشائها جنين لم يكتب له أن يرى النور.. لكن هل بقي في هذا العالم.. نور؟ لقد أطفأت الرشوة كل الأنوار.. وأعلنتها علينا حربا مفتوحة.. وأرواحنا تزهق تحت وطأتها ك«البخوش».. ومسؤولو البلد يكتفون بتكوين لجن تحقيق، لم تستطع أبدا وضع حد لهذه الآفة.. قبل كارثة هذه الحافلة المجنونة المنتمية إلى شركة «مدينة بيس» التي تحظى بامتياز التدبير المفوض لقتل المغاربة.. كانت حافلة أخرى على وشك ارتكاب نفس المأساة لولا أن السيارات المركونة جانبا أوقفتها، فماذا فعل مجلس مدينة الدارالبيضاء في حق تلك الشركة؟ لا شيء طبعا! والواقع أن شركة «مدينة بيس» التي كانت قد أطلقت حملة إشهارية تضع من خلالها إحدى حافلاتها على مخدة بيضاء.. كانت تبعث رسائلها إلى من يريد أن يفهم.. أن الأمر يتعلق بأقصر طريق للكفن.. وعلى ذكر الكفن.. أليس هناك من فضيحة أكثر من أن تكتب على سبورة داخل المستشفى «الرجاء من عائلات الضحايا أن تحضر الكفن أولا...».. هكذا تعامل أجمل بلد في العالم مع ضحايا مصنع العار والرشوة.. لم يكلف المسؤولون عن هذا البلد أنفسهم حتى عناء توفير كفن للأموات.. وبعد ذلك يحدثوننا عن الاجتماعات واللجن والتعليمات..! ملحوظة: كُتب هذا العمود يوم الثلاثاء ودعواتنا ألا تحصل كارثة أخرى قبل صدور عدد الخميس الذي بين أيديكم.