ينظم في مدينة طنجة الندوة الرابعة ، ما بين 16 ماي والتاسع عشر منه، وتقدم الدورة الرابعة والمعنونة ب«طنجة الدولية هذه المدينة فضاء للتبادل الثقافي» زخما كبيرا من الندوات واللقاءات والعروض والمعارضة والفرجات الفنية. وتأتي الدورة الرابعة امتدادا لسابقاتها في الاهتمام والانفتاح على مختلف الفنون والثقافات التي طبعت تاريخ المدينة وميزت حاضرها وماضيها وهي تستشرف مستقبلها. تقول الورقة الفكرية للندوة الرئيسية: إننا ندعوبصورة خاصة إلى العناية بتلك الإسهامات التي تضيء التفاعلات الحيوية لطنجة في المجالات الثقافية والمكانية والمشهدية، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، والتي تجعلها مدينة تطرح، بصورة قل نظيرها، أسئلة التحول والاختلاف. ومن هنا فإننا نقترح أيضا متابعة النقاش الذي أنجز منذ الندوة الأخيرة – بناء على طرائق وتقنيات التفكيك الخلاق التي طبقها كل من خوان غويتيسولووأندروهويسي على التشكل الحضري لباريس- للتفكير في الطريقة التي ينبغي أن يعاد بها اكتشاف طنجة، كي تصبح من عواصم العالم في القرن الحادي والعشرين. ففي ضوء رؤية تاريخية رحبة ندعوالمشاركين إلى رصد الأعمال المتميزة للكتاب والفنانين سواء الذين أقاموا في مدينة طنجة أوالذين جعلوها معبرا لهم، أمثال رشيدة المدني، الطاهر بن جلون ومحمد شكري ومحمد عز الدين التازي وأحمد بروحووسعاد باهشار ومومن السميحي وفريدة بليزيد وأنور ماجد وجيلالي فرحاتي وزبير بن بوشتى ومحمد مرابط وعبد اللطيف أقبيب. ودون أن ننسى الرواة وفناني التراث الشعبي (ومنهم من ترجم له بول بولز) والرسامين التشكيليين المعاصرين لماتيس ولا الكتاب الوجوديين على غرار بولز نفسه أوالكتاب المسرحيين مثل جان جنيه وصامويل بيكيت وجماعة «جيل البيتز» (جاك كيرواك وويليامز بورووز وألن غينسبرغ وآخرين) باختلاف مشاربهم. إليهم تنضاف الحركات الموسيقية التي استوحت الأثر الإفريقي والأندلسي والإسلامي في إبداعها، وبخاصة الجاز الأمريكي والبلوز، كما يشهد على ذلك التعاون المتميز بين المعلم عبد الله من دار غناوة بطنجة وموسيقي الجاز الشهير راندي ويسترن الذي يشرف الدورة الرابعة بحضوره. وشكلت الدورات الثلاث السابقة «كتابة طنجة»، «أصوات طنجة»، «طنجة المشهدية» حافزا لاقتراح موائد مستديرة مختلفة. منها ما اقترح بخاصة الدعوة إلى البحث في العلاقة التاريخية المثيرة بين شخصيات «جيل البيتز» وطنجة. (إن مصطلح بيتز يقصد به، حسب جاك كيرواك، «مجموعة أشخاص من طينة روحية خاصة، لا يشكلون حلفا، بل هم كالنعاج القصية، ينظرون بثبات من خلال الكوة الجدارية إلى حضارتنا الميتة».) إن اختيار بول بولز أولا طنجة لإقامته، بُعيد نهاية الحرب العالمية الثانية، جعلها تستهوي عددا من أفراد «جيل البيتز» رغم التعارض الشديد بين الرؤية الجمالية/الفلسفية. كما كانت ذات المدينة الفضاء الذي ألهم و. بورووز لجمع روايته الشهيرة «الوليمة العارية» بمساعدة ألن غينسبرغ.. والمكان الذي لجأ إليه مرات عديدة كل من بريان غيسن وغريغوري كورسووغيرهم من أعضاء «الجيل» للإقامة. هذا دون الحديث عن الذين لحقوا بهم متأخرين كإيرا كوهن ومارك شليفر وإرفينغ رسنثال وتشارلس ورايت وألفريد هاكسبرغر... فإذا كانت قيمة طنجة عند كثير من المنتسبين إلى تلك الحركة مدركة ومعترفا بها دائما، فإن الدور الذي لعبته هذه المدينة لم يستوعب ولم يفهم، لسبب بسيط، هوأنه لم يعبر عنه بوضوح كاف.