الزاوية البودشيشية عندها منافس واحد اليوم، وهو الزاوية الديمقراطية. والذين يشاهدون كيف تمتلئ القاعات التي يحضرها أعضاء مكتب «الحركة من أجل كل الديمقراطيين»، يعرفون أن فؤاد عالي الهمة، شيخ الزاوية الديمقراطية، لا يختلف كثيرا في بركته عن سيدي حمزة.. شيخ الزاوية البودشيشية. في اجتماعات الزاوية البودشيشية يأتي أتباع من المغرب وأوروبا وتنقلهم الحافلات إلى نواحي بركان، وفي اجتماعات «الحركة من أجل كل الديمقراطيين» يأتي أيضا الناس من كل فج عميق تحملهم الحافلات لكي يتملوا بطلعة الزعيم عالي الهمة. في الزاوية البودشيشية يطمح الناس إلى نيل البركة الروحية، وفي زاوية حركة الديمقراطيين يطمح الأتباع إلى نيل البركة السياسية، وفي كل الأحوال فإن البركة واحدة. في الاجتماع الذي عقدته الحركة من أجل كل الديمقراطيين بنادي ملعب الكريكيت يوم السبت بطنجة، وهو ناد فاره لعلية القوم، لم تكف المقاعد الكثيرة المعدة للحاضرين الذين جاؤوا من تطوان والعرائش وشفشاون وأصيلة والحسيمة والقصر الكبير ومناطق أخرى، وبقي العشرات واقفين وهم يتطلعون إلى ابتسامة السي فؤاد، التي تعطي إحساسا غريبا بأن كل شيء على ما يرام، وأن المغرب هو بالفعل أجمل بلد في العالم. قبل بداية أشغال اللقاء، طلب إلياس العماري، وهو أحد مهندسي الحركة، قراءة الفاتحة على أرواح ضحايا مأساة الدارالبيضاء ووصف الحريق بأنه «حريق البورجوازية البشعة»، ولولا وجود عالي الهمة في المنصة، لاعتقد الكثيرون أن اللقاء تعقده منظمة يسارية راديكالية مازالت وفية لتلك العبارات المجيدة مثل «البورجوازية البشعة» و«الطبقة الحاكمة المتعفنة». أغلب الناس الذين يحضرون لقاءات «الحركة من أجل كل الديمقراطيين»، يعتقدون أنها مصعد كهربائي من أجل الوصول إلى مناصب، وبعض المتدخلين كانوا يبدون وكأنهم يقدمون فروض الطاعة والولاء لحركة صديق الملك، وآخر صرخ في الحاضرين قائلا: «أيها المهرولون مهلا، لو كان عالي الهمة غير موجود، هل كنتم ستأتون إلى هنا؟». الهمة يشبه حاليا رجلا صعد إلى رأس جبل جليدي ورمى كرة ثلج صغيرة أصبحت تتكور وتتكور حتى صارت ضخمة، لكن عندما ستنتهي عملية التكوير، سيكتشف الهمة وديمقراطيوه أن كرة الثلج التقطت الكثير من أصحاب السوابق والباحثين عن طريقة لتبييض ملفاتهم وحياتهم. أحد المتدخلين توجه نحو الجالسين في المنصة وسأل اخشيشن: «هل أنت ديمقراطي، وأنت وزير التعليم وتدرس أبناءك في مدارس البعثات الأجنبية وفي الخارج. لماذا لا تدرسهم مع أبناء الشعب لو كنت ديمقراطيا بالفعل؟»، ثم توجه نحو وزير الصحة السابق بيد الله وقال له: «وأنت، هل تعتقد نفسك ديمقراطيا بعد أن تركت الصحة غارقة وذهبت؟». لكن هذا المتدخل يبدو أنه يخلط بين الطبقية والديمقراطية. الديمقراطية هي حق الفقراء في التصويت فقط، ولا حق لهم في المطالبة بالمساواة، لذلك فإن كبار البورجوازيين في المغرب هم أيضا من كبار الديمقراطيين. الديمقراطية لا يجب أن تلغي الطبقية، بل يجب أن تكرسها لأنه لا بد من فقراء وعاطلين وبؤساء يبيعون أصواتهم بمائة درهم في الانتخابات لفائدة كبار الأغنياء. الناس عادة ينصتون إلى عالي الهمة وهو يتحدث كأنه ناطق رسمي باسم الملك. لا أحد يمكن أن يزيل من دماغهم أن هذا الرجل المبتسم باستمرار لم يعد صاحب النفوذ القوي، لأنه لا يزال يتجول مع الملك في سيارته الخاصة ويتحدثان في شؤون كثيرة رأسا لرأس. من الطبيعي أن ينافس عالي الهمة كل شيوخ الزوايا في المغرب مجتمعين. عندما تناول الكلمة عالي الهمة في اجتماع طنجة بدت القاعة الكبيرة أكثر هدوءا، وبدا صديقنا صديق الملك كأنه يقدم وصفة غامضة لصنع وجبة اسمها «حريرة الحل في المغرب». تحدث الهمة وقال إن الجميع مسؤول عما آلت إليه الأحوال، وظهر الناس وكأنهم يسمعون شيئا جديدا لم يسمعوا به من قبل. الهمة ومن معه، الذين ازدحموا في المنصة، قالوا إن حركتهم أكبر من مجرد حزب سياسي، وإنه لا توجد لديهم حلول جاهزة، وإنهم لا يملكون عصا موسى، وإن كل ما لديهم هو خارطة طريق، وإن على الناس أن يساعدوهم برسم المشاكل والحلول..