يتذكر جيري دافيد، أحد أعضاء الفوج الأول من هيئة السلام الأمريكية، التي عملت بالمغرب في بداية الستينات، بحنين جارف تلك المرحلة التي قضاها بين المغاربة في بعض المناطق الفقيرة بالشمال عامي 1963 و1964، ويبرز الصور التي التقطت له في تلك الفترة وهو يشارك في حفل ختان جماعي لأبناء عائلات فقيرة في إحدى البوادي ويقول: «إنني أتذكر هذه المرحلة من حياتي بكثير من التأثر لأنني كنت شابا ومتحمسا للعمل وقد أعطيت فيها الكثير». كان دافيد أحد 17 فردا من الفوج الأول لهيئة السلام الذين جاؤوا إلى المغرب بعد غياب دام نحو أربعين سنة، لتخليد تلك الذكرى بمقر الهيئة بالرباط، بحضور السفير الأمريكي طوماس رايلي وبعض أعضاء الهيئة الجدد. وقالت شارلوت تورب، التي تبلغ اليوم 64 عاما، مازجة بين الإنجليزية والدارجة المغربية في حديثها: «بعد عودتي اليوم إلى المغرب إثر غياب طويل اكتشفت أن أشياء كثيرة تغيرت، لكن طبيعة المغاربة لم تتغير، وخصوصا خاصية الكرم والضيافة والبشاشة»، وعما يثيرها أكثر في المغرب مقارنة بالبلدان الأخرى التي عملت بها قالت: «إنه الطابع الإكزوتيكي». وعما إن كان أي فرد من الفوج الأول لهيئة السلام قد كتب عن تلك التجربة، وما إن كانت أعمالهم قد شكلت أرضية لبحوث سوسيولوجية في أمريكا حول المغرب، خصوصا وأن منهم باحثين وجامعيين ومثقفين، عبرت شارلوت تورب عن أسفها لعدم حصول ذلك، وقالت: «فكرة جيدة، لكن للأسف هذا لم يحصل». ربما كان هذا هو الفرق بين الفرنسيين والأمريكيين. قليلون من المغاربة يعرفون شيئا كثيرا عن هذه الهيئة، وكثيرون لا يعرفونها أصلا، رغم أنها انطلقت عام 1961 بدعوة من الرئيس الأمريكي جون كينيدي في إطار مشروعه لتشجيع السلام في العالم، خلال المواجهة الثنائية مع الاتحاد السوفياتي. لكن السفير الأمريكي توماس رايلي يقول في تصريح ل«المساء» إن أكبر مجموعة عاملة في هيئة السلام في العالم توجد في المغرب بعد أوكرانيا. يتواجد في المغرب حوالي 90 عضوا من هيئة السلام، يعملون في العديد من القطاعات بتنسيق مع الجهات المسؤولة المعنية بتلك القطاعات، بعد تلقيهم تكوينا قصيرا في اللغة العربية واللهجات المحلية لتيسير التواصل مع الناس. ويقول أحد أعضاء الفوج الأول، الذين حضروا الاحتفال أول أمس، إن المجموعة التي عملت بالمغرب عام 1963 كانت تركز على تعليم اللغة الإنجليزية للمغاربة وفي رسم حدود الأراضي الزراعية بين الفلاحين في القرى، بعد سنوات قليلة من خروج الاستعمار الفرنسي الذي ترك وراءه العديد من المشكلات التي كانت تتطلب حلولا على الأرض في البادية المغربية. أما المجموعات التي عملت في المغرب، خلال السنوات الأخيرة، فإنها تركز على التنمية في المناطق الفقيرة والمهمشة. يتقاضى العضو المنخرط في الهيئة تعويضا هزيلا، لأن العمل مع الهيئة تطوعي فقط، والهدف -كما يقول مسؤولوها- هو تشجيع عضو الهيئة على العيش في مستوى الساكنة التي يقيم بينها لمدة قد تتجاوز العام. ويمكن لأي مواطن أمريكي أن يتطوع للخدمة مع الهيئة، التي تستمر عامين، يقتطعها من حياته ويغادر عائلته وبلده لكي يعمل وسط مواطنين آخرين، إنهم يشبهون في ذلك أعضاء جماعة «الدعوة والتبليغ» التي يشكل «الخروج» أهم مبادئها، لكن على الطريقة الأمريكية.