قال نور الدين الزاهي، الباحث المغربي في العلوم الاجتماعية، إن هناك تحولا كبيرا في الميولات الثقافية والفنية وحتى السياسية لدى الشباب المغربي اليوم، وأضاف أن الأمر اليوم يتعلق بنوع من الاحتجاج لفئة اجتماعية واسعة الحضور داخل المجتمع المغربي تجاه الفن والعلاقات الاجتماعية السابقة، وعلى قيم المحافظة والخضوع لسلطة الأب. وشدد على أنه في الوقت الذي تبرز فيه ظواهر جديدة داخل المجتمع المغربي، فهذه الظواهر لا تجد بنيات إدماج كي تدمجها وتعيد غربلتها، لأن الدولة لا تملك مشروعا ثقافيا مجتمعيا واضحا. < ما هي قراءتك للميولات الفنية والثقافية الجديدة للشباب المغربي اليوم؟ - ما يمكن تسجيله هو أن بنية حضور الشباب في المجتمع، خصوصا في العقد الأخير، قد عرفت تغيرات كبيرة جدا ومثيرة، وكأن الصمت الذي عاشته هذه الفئة الاجتماعية العريضة، خلال سنوات التسعينات، تحول إلى «إشارة للذات الشبابية» بنوع من العنف. لهذا أصبح من السهل جدا ملاحظة ظواهر شبابية لم يعرفها المغرب من قبل، سواء على مستوى نوع الحضور في الشارع العام، أو على مستوى بنية اللباس، على مستوى الذوق الفني، أو حتى على مستوى العلاقات بين الشباب أنفسهم داخل المجتمع، بحيث يمكن تشبيه العلاقات بين الشباب المغربي اليوم بالعلاقات بين الطوائف الدينية: عشرات الشباب يتحركون في الشارع العام بشكل جماعي بلباس متشابه، بشارات متماثلة، يتواصلون بلغة مغايرة، إذ لم يعد من الصعب ملاحظتهم في الشارع العام وتمييزهم عن بقية الناس في جميع المدن المغربية دون استثناء. < هل معنى هذا أنه حدث هناك تحول في الميولات التقافية والفنية وحتى السياسية لدى الشباب المغربي اليوم؟ - نعم بالتأكيد هناك تحول كبير جدا في ميولات الشباب المغربي اليوم، ويكفي أن نعقد مقارنة بسيطة بين الشباب الستيني والسبعيني وبين شباب اليوم، بحيث يمكن ملاحظة أن شباب العقد السبعيني وحتى بداية الثمانينات كان مؤطرا بميولات ثقافية كبرى كانت تطل على ماهو سياسي بل حتى على ما هو نقابي، والدليل على ذلك أن مؤسسات مثل «دور الشباب» كانت ممتلئة في تلك الفترة، كما كان الشباب حاضرا بقوة على مستوى الجامعة، وكانت له ميولات سياسية كبرى، لكن ما أصبحنا نلاحظه اليوم، وهو أمر سجلته الصحافة كما سجلته الأحزاب، هو حدوث جزر عام لدى هذه الفئة العمرية. < هل معنى ما قلته في السابق أن ميولات الشباب الحالية هي بالضرورة ميولات سلبية؟ - يصعب، خصوصا من زاوية نظر سوسيولوجية، أن نحكم على الظواهر هل هي إيجابية أم سلبية؟ لأن الأمر لا يتعلق بأحكام أخلاقية، أو أحكام قيمة، لكن ما يمكن أن أصرح به في هذا الصدد هو أن الأمر يتعلق بأشكال من الاحتجاج الاجتماعي، وهذا الأخير يبرز من خلال مجموعة من المؤشرات: المؤشر الأول هو كيفية إعلان الذات أو بلغة أخرى كيفية إعلان الهوية الشبابية، فعندما نلج مجال الملاحظة يتبين أنه لم يعد الشباب يحضر بخجل في العلاقات الاجتماعية ولكنه في المقابل أصبح يعلن عن ذاته بنوع من العنف (العنف الاجتماعي). وهذا الأخير يبرز في طريقة اللباس الموحد، العلاقة مع الجسد، أنواع الحلاقة، طريقة الكلام، ونوع من اللامبالاة تجاه الآخر، نوع من الانغلاق على الذات، وفوق كل هذا نجد أيضا نوعا من اللامبالاة تجاه القضايا الكبرى سواء كانت اقتصادية أو سياسية... الدليل على هذه العناصر التي ذكرت يبرز بشكل كبير في الميولات والأذواق الفنية الجديدة لفئة الشباب، والتي فرضت نفسها داخل الساحة الفنية مثل «الراب» و»الهيب هوب»، ومن وجهة نظر سوسيولوجية عندما نجمع هذه العناصر نجد أن الأمر يتعلق بنوع من الاحتجاج لفئة اجتماعية عريضة الحضور داخل المجتمع المغربي تجاه الفن والعلاقات الاجتماعية السابقة، وعلى قيم المحافظة والخضوع لسلطة الأب. < قدمت في البداية مقارنة بين الحركات الشبابية السبعينية وبين شباب اليوم، وقلت قبل قليل إن الشباب المغربي اليوم «يحتج»، لكن دون سياسية، في الوقت الذي نجد فيه مثلا أنه حركة «الهبيين» وحتى حركات ما يسمى «الأندرغراوند» كانت تحمل خطابا سياسيا وهو «مناهضة مجتمع الاستهلاك»؟ - الاحتجاج السياسي هو حاضر لدى شباب اليوم، ولكن ليس بنفس القوة كما في السابق، كما أن حضوره ليس مؤطرا، غير أنه يمكن أن نجد اليوم أيضا، لدى بعض مجموعات «الهيب هوب»، خطابا سياسيا واعيا بذاته، ونتذكر المحاكمة التي تعرضت لها مجموعة موسيقية شبابية في مدينة فاس بسبب نوعية خطابها السياسي. إذن هذا الجانب حاضر، لكن لا يمكن مقارنته بسنوات السبعينات، لأن هذه الأخيرة كانت تحمل مشاريع كبيرة جدا، في حين أن المجموعات الحالية تدافع عن نفسها كفئة فقط. < هل يمكن أن نربط الآن بين ما قلته وبين ما يسميه البعض «عزوف الشباب عن المشاركة السياسية»؟ - ما نلاحظه هو ضعف البنيات المؤطرة للشباب، سواء الرسمية: وزارة الشبيبة ووزارة الثقافة، أو البنيات المدنية: الجمعيات التي أصبحت تشتغل في قضايا لا موقع للشباب فيها، وأيضا الأحزاب السياسية بجميع أنواعها التي أصبح همها الوحيد هو المرور إلى المؤسسات التمثيلية، إذن هذا الأمر أسميه أنا «عنف المجتمع ضد الشباب»، حيث هنالك عنف دولة تجاه المجتمع. هنالك عنف البنيات المدنية والسياسية تجاه الشباب، وما يقوم به الشباب اليوم هو نوع من ردود الفعل، فيها شيء من الوعي، أو ما أسميته ب»الاحتجاج الاجتماعي»، ما دامت فئة الشباب لا تشغل موقعها الفعلي داخل بنية المجتمع، وهذا الأمر يجعل الشباب اليوم يدافع عن ذاته من أجل قضاياه المباشرة، وما يحدث اليوم هو رد فعل للشباب المغربي ضد هذه البنيات المؤطرة التي قامت بإقصائه وتهميشه. ويجب أن أوضح في هذا الصدد أنه ليس هناك عزوفا للشباب عن المشاركة السياسية بل هناك عزوف للشباب عن الأحزاب السياسية فقط. وكأن هناك انتقاما متبادلا بين الشباب والمجتمع. والآن لا يمكن ألا نلاحظ ظاهرة شبابية جديدة تطفوا على سطح المجتمع. < قلت إن هناك ضعفا في البنيات المؤطرة للشباب في المغرب هل معنى هذا أنه ليس هناك مشروع مجتمعي شبابي؟ - الوقائع تسجلها الصحافة باستمرار، في الوقت الذي تبرز ظواهر جديدة داخل المجتمع المغربي، فهذه الظواهر لا تجد بنيات إدماج كي تدمجها وتعيد غربلتها، لأن المفروض أن الدولة تملك مشروعا ثقافيا مجتمعيا واضحا، يستطيع احتواء الظواهر الجديدة التي يمكن أن تظهر، حتى وإن كانت هذه الظواهر معارضة فإن المشروع المجتمعي يفترض فيه التوفر على بنيات الإدماج، حتى إذا وجد هناك تعارض، إذن حين يغيب هذا المشروع يصير المجتمع أعمى يسير بقدمين وبدون عينين، اليوم في المغرب لا نفكر في الذهاب إلى عمق المشكل، الذي هو التفكير في المشروع المجتمعي ليصير من الممكن التعامل مع الميولات الجديدة للشباب.