بدأت دوريات الشرطة بحملات للتأكد من هوية المهاجرين في شوارع مختلف المدن الإسبانية، وهو التشدد الذي بدا متوقعا بعد خطاب ثباتيرو وأيضا إثر اختياره سلستينو كورباتشو، وزيرا للهجرة في الحكومة الجديدة في إشارة إلى سياسة متشددة ستنهجها حكومة ثباتيرو حاليا بشكل يختلف تماما عن نبرة التسامح التي أظهرها رئيس الحكومة الإسبانية خلال حملته الانتخابية أمام الخطاب العنصري الذي روج له ماريانو راخوي زعيم الحزب الشعبي كانت أكثر التعليقات سخرية التي تلقاها لويس رودريغيث ثباتيرو بعد مراهنته على النساء في تشكيلة حكومته الجديدة، من طرف رئيس الحكومة المعاد انتخابه في ايطاليا سيلفيو برلسكوني، الذي اعتبر أن حكومة ثباتيرو «وردية أكثر من اللازم»، مضيفا أنه يصعب تسيير فريق من النساء بيد أنهن يمتزن بقدرتهن على الإحساس بحاجيات الشعب والعمل في هذا الاتجاه، موضحا أن السياسة في إيطاليا مازالت حكرا على الرجال، فالنساء مازلن بعيدات عن الاضطلاع بأدوار طلائعية في المجال السياسي. تعيين مستفز وأثار تعيين كارمي تشاكون، المنحدرة من كتالونيا، وزيرة للدفاع لأول مرة في تاريخ إسبانيا الحديث، عدة تعليقات ساخرة من طرف الصحف والمواقع الإلكترونية اليمينية بشبه الجزيرة الإيبيرية، خصوصا أن تشاكون على وشك وضع مولودها الذي سيرى النور وأمه ترتدي البزة العسكرية. فعلا، لقد كان المشهد صاعقا، فشاكون أول امرأة تشغل منصب وزير الدفاع في إسبانيا وقد ارتدت سروالا أسود وسترة قصيرة ومشت تستعرض القوات وقد ظهر للعيان بوضوح كبر بطنها، فهي في شهر حملها السابع، إذ كان أول تحرك رسمي لشاكون كوزيرة هو إرسال إشارة قوية بأن الزمن قد تغير في إسبانيا البلد الذي ولد فيه مفهوم «المجتمع الذكوري»، لكنه يسعى الآن للعب دور رائد على مستوى العالم في مجال حقوق المرأة. وقال ثباتيرو سابقا: «أنا لست فحسب مناهضا للمجتمع الذكوري، بل إنني من أنصار مساواة المرأة بالرجل. وإن من أسوأ أشكال الهيمنة الظالمة سيطرة نصف البشر على النصف الآخر. وكلما زادت أشكال المساواة بين الرجل والمرأة في مجتمع ما كشف ذلك عن مدى تحضر وتسامح هذا المجتمع». ويتردد في الأوساط السياسية الإسبانية أن بعض كبار ضباط الجيش قد أظهروا تذمرا حيال هذا التعيين «المستفز»، لكن حتى المعلقين المحافظين امتنعوا عن القول صراحة بأن كون شاكون سيدة أو أنها حامل يمنعها من تحمل المسؤولية في الدفاع عن البلاد. ومن أكثر الأسئلة المثارة حاليا في الجارة الشمالية: هل ستأخذ شاكون إجازة وضع ورعاية للمولود؟ بينما ذهب محللون في إسبانيا إلى أن إقدامها على ذلك سيعطي مثالا إيجابيا لعدد لا حصر له من الإسبانيات اللاتي تكافحن من أجل المزاوجة بين العمل ورعاية الأسرة. وفي المحصلة، فإن شاكون ستكون مثار مراقبة من طرف الجميع في إسبانيا رغبة في معرفة الخطوات التي ستتخذها في المؤسسة العسكرية المحافظة التي أرادت يوما الإطاحة بالملك خوان كارلوس، والتي تضم 18 في المائة من النساء اللواتي يعملن في سلك الجندية. تحالف الحضارات وقرأ استمرار ميغيل آنخيل موراتينوس على رأس الدبلوماسية على أساس أن ثباتيرو لم يجد خليفة أحسن منه لقيادة دفة الدبلوماسية الإسبانية لأربع سنوات أخرى، مثلما أنه يمثل استمرارا لسياسة مدريد تجاه العالم العربي، خصوصا أن رئيس الوزراء الإسباني يعول على مشروع تحالف الحضارات الذي تبنته الدبلوماسية الإسبانية لإيجاد موقع لائق بها في الساحتين الأوروبية والدولية في أفق ترأس إسبانيا للاتحاد الأوروبي بعد عامين، بينما غاب اسم بيرناردينو ليون الذي كان يشغل، طيلة الأربع سنوات الماضية، موقع الرجل الثاني في الخارجية الإسبانية ولعب دور قناة بين المغرب وإسبانيا في عدة مناسبات. مثلما أبقى ثباتيرو على عدة وجوه وزارية أهمها نائبته الأولي تريزا دي لفيغا، وبيدرو سولبيس وزير الاقتصاد والنائب الثاني لرئيس الحكومة، وبقي ماريانو بيرميخو على رأس وزارة العدل وألفريدو روبالكابا على رأس وزارة الداخلية، كما استمرت ماغدالينا ألفاريس في تقلد وزارة الأشغال العمومية، واحتفظت مرسيدس كابريرا بحقيبة التعليم، والأمر نفسه بالنسبة إلى إلينا إسبينوسا في الزراعة والصيد البحري، وسيزار مولينا في الثقافة، وبيرنات صوريا في الصحة، بينما انتقلت إلينا سالغادور من وزارة الإسكان إلى وزارة الإدارة العمومية. وكانت الوجوه الجديدة في الحكومة متمثلة في ميغيل سيباستيان في وزارة الصناعة، وعادت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى سلستينو كورباتشو، ووزارة المساواة إلى ببيانا أيدو أصغر وزيرة ب31 سنة، ووزارة الإسكان إلى بياتريس كوريدور، بينما تولت كريستينا غارمديا وزارة التكنولوجيا وهي حقيبة جديدة. وركز ثباتيرو، في تصريحاته أمام البرلمان خلال خطاب تنصيبه رئيسا للوزراء، على أن الحكومة الجديدة أخذت في الحسبان ثلاثة ملفات أساسية، هي المساواة بين الرجل والمرأة، وضمان التقدم الاقتصادي لإسبانيا في ظل وضع عالمي متأزم، وكذا بذل مزيد من الجهود بقصد تفادي التقلبات الجوية الخطيرة وضمان الماء لجميع الأقاليم في إسبانيا في ظل التهديد الحقيقي للجفاف. وتتميز الحكومة الحالية بوجود نساء وزيرات أكثر من الرجال تسع وزيرات وثمانية وزراء رجال. وبدا جليا أن الرهان الأساسي الذي كان يرفعه ثباتيرو، خلال وضع لائحة تشكيلته الحكومية، هو خلق نوع من التوازن في الحكومة بشكل يضمن تمثيلية جميع الأقاليم قصد مراعاة الحساسيات الثقافية الموجودة في إسبانيا، وكان لافتا أيضا إنشاؤه لوزارات جديدة مثل المساواة التي يراهن من خلالها على كسب تعاطف الإسبانيات مع المشاريع التي أطلقتها حكومته. وكان لافتا السرعة التي أرسل بها الملك محمد السادس برقية إلى رئيس الوزراء الإسباني مهنئا إياه بتنصيبه، وهي السرعة التي تبدو مزعجة بالنسبة إلى اليمين الإسباني، الذي أظهر له المغرب في عدة مناسبات تفضيله لثباتيرو رغم كونه نظم زيارة لعاهلي إسبانيا لسبتة ومليلية. السنوات العجاف لم تمض غير أيام قليلة على خطاب ثباتيرو في البرلمان، الذي أظهر خلاله تشددا إزاء قضايا الهجرة بالإعلان عن استعداد الحكومة لتقديم دعم للمهاجرين الذين فشلوا في تجديد عقود عملهم من أجل العودة إلى بلدانهم، حتى بدأت دوريات الشرطة بحملات للتأكد من هوية المهاجرين في شوارع مختلف المدن الإسبانية، وهو التشدد الذي بدا متوقعا بعد خطاب ثباتيرو وأيضا إثر اختياره سلستينو كورباتشو، وزيرا للهجرة في الحكومة الجديدة، وهو شخصية سياسية معروف عنها حزمها الكبير وصرامتها في معالجة الملفات، في إشارة إلى سياسة متشددة ستنهجها حكومة ثباتيرو حاليا بشكل يختلف تماما عن نبرة التسامح التي أظهرها رئيس الحكومة الإسبانية خلال حملته الانتخابية أمام الخطاب العنصري الذي روج له ماريانو راخوي زعيم الحزب الشعبي الذي أعد برنامجا لطرد المهاجرين صوب بلدانهم. وتعد الجالية المغربية من أكبر المتضررين من هذه السياسة المتشددة التي ينهجها ثباتيرو، بحكم أن الآلاف من مناصب الشغل سيتم فقدها في الشهور المقبلة في قطاعات الفلاحة والبناء بعد الأزمة التي يمر منها قطاع العقار الذي كان يوفر مئات آلاف مناصب الشغل للمهاجرين، ومعلوم أن المغاربة يتجهون للعمل بكثرة في هاذين القطاعين بحكم ارتفاع أجور بهما وافتقار غالبية المهاجرين القادمين إلى إسبانيا إلى تكوين في مجالات أخرى. وكانت الأزمة الاقتصادية العالمية التي اكتوت بنارها إسبانيا عاملا حاسما في هذه السياسة المتشددة لثباتيرو تجاه المهاجرين الذين ساهموا بشكل فعال في تطور الاقتصاد الإسباني خلال العقود الأخيرة، بل باتوا يشتغلون لوحدهم في عدة قطاعات صارت الأجيال الجديدة من الإسبان ترفض العمل فيها مثل البناء والفلاحة والنظافة، وتتوجه إلى مهن أخرى مثل العمل في البنوك والمحلات التجارية الكبرى وقطاع الخدمات. أرض ميعاد القاصرين المغاربة تحول إقليم الباسك إلى قبلة للمهاجرين القاصرين الذين يجتازون مضيق جبل طارق بطريقة غير شرعية خلال السنوات القليلة الماضية بعد إقليمي الأندلس وجزر الكناري، ويمثل المغاربة غالبية هؤلاء القاصرين الذين يتوزعون على مجموعة من مراكز الاستقبال الخاصة بهم، بل إن الباسك أصبح أشبه بأرض الميعاد بالنسبة إلى القاصرين المغاربة، خصوصا في مدينة بيلباو التي تستقبل سنويا حوالي 600 قاصر جديد. وعزت تقارير إعلامية إسبانية هذا التدفق صوب إقليم الباسك الإسباني بالخدمات الاجتماعية المتميزة التي تقدم لهم، وكذلك وإمكانية اجتياز الحدود بسهولة، وكذا التسهيلات التي تتوفر لهم من أجل الحصول على أوراق الإقامة في زمن لا يعد مبالغا فيه مقارنة ببعض المناطق في إسبانيا، لكن تزايد عدد القاصرين بات يطرح على المسؤولين تحديات جديدة مرتبطة بتوفير البنية الكافية لاستقبال هذه الأمواج البشرية التي تتدفق على بلاد الباسك. وتطرح إشكالية القاصرين في إسبانيا جدلا قانونيا كبيرا بحكم دعوة عدة جمعيات إلى احترام حقوق هذه الفئة من المهاجرين غير الشرعيين الذين لم يبلغوا سن الرشد، خصوصا بعد النقاش الحاد الذي أثير حول هذا الموضوع إثر توصل السلطات المغربية والإسبانية إلى اتفاق في يوليوز 2007 لترحيل القاصرين، وهو ما أكده مسؤولو البلدين، بيد أن عملية الترحيل واجهتها عدة مشاكل تقنية، فأبلغت السلطات المغربية نظيرتها الإسبانية، شهر سبتمبر2007 بعدم قدرتها على استقبال القاصرين في الأمد القريب بسبب وجود معوقات تقنية مرتبطة خصوصا بالتكاليف المترتبة عن عملية ترحيل حوالي 900 قاصر مغربي وصلوا إلى التراب الإسباني بطريقة غير شرعية، إذ قامت القنصليات المغربية في التراب الإسباني بالشروع في دراسة ملفات القاصرين المغاربة من أجل العثور على عناوين عائلاتهم وكيفية التكفل بهم بعد عودتهم إلى المغرب وفي السياق ذاته، تبدي جمعيات حقوقية مغربية وإسبانية معارضتها الشديدة لخلق مراكز لاستقبال القاصرين بعد عودتهم إلى المغرب، لأن ذلك يضعهم تحت حراسة أمنية ويكبح رغبتهم في الهجرة، إضافة إلى أن وضعهم في هذه المراكز يحرمهم من التمتع بحقوقهم، مشددة على أن جميع الجمعيات الحقوقية التي تشتغل في مجال الهجرة باتت مقتنعة أن عمليات ترحيل القاصرين تتم بدون ضمانات.