جاء رئيس الوزراء الإسباني إلى وجدة بأجندة محددة ومعلن عنها في وسائل الإعلام الإسبانية، وحصرها في مكافحة الهجرة السرية والتعاون الاقتصادي وتصويت المهاجرين، ومدارسة قضية العودة الطوعية للمهاجرين المغاربة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد الإيبيري. وهي الملفات التي يتولى متابعتها وزيرا الداخلية والتشغيل والهجرة خلال زيارتهما إلى المغرب. صدق من قال إن تحسن العلاقات مع مدريد يحتاج دائما إلى إدلاء المسؤولين المغاربة بتصريحات تؤكد «العلاقات الممتازة» مع باريس، وقد يحدث العكس أحيانا، وهذا ما حصل خلال زيارة رئيس الوزراء الإسباني خوسي لويس رودريغيث ثباتيرو التي تبعها تأكيد من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن الملك محمد السادس اتصل به وتحدثا مطولا حول مبادرة الاتحاد المتوسطي التي يعد ملك المغرب أحد أكبر الداعمين لها. والواقع أن المغرب انزعج من عدم منحه الأمانة العامة للاتحاد المتوسطي، ووجد نفسه يلعب دورا ثانويا في هذه المبادرة بعدما كان يطمح إلى لعب دور محوري، وركز ساركوزي على إعطاء دعم قوي لمصر التي لا تعد منطقة نفوذ فرنسي تقليدي، وباتت الرباط تنتظر ما ستجنيه خلال رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي خلال هذه الفترة، لاسيما أن موقفها من قضية الصحراء بات يعرف بعض التذبذب في الوقت الراهن. أما ثباتيرو، وحتى لا يفاجئه المغاربة خلال زيارته لمدينة وجدة نهاية الأسبوع الماضي، جاء بأجندة محددة ومعلن عنها في وسائل الإعلام الإسبانية، وحصرها في مكافحة الهجرة السرية والتعاون الاقتصادي وتصويت المهاجرين، ومدارسة قضية العودة الطوعية للمهاجرين المغاربة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد الإيبيري. إعادة الثقة كانت الزيارة تروم إعادة الثقة بين الرباطومدريد بعد الأزمة الأخيرة التي استدعى بعدها المغرب سفيره عمر عزيمان من سفارة المغرب بمدريد، خصوصا أن بعض الأوساط الدبلوماسية ظلت تتحدث عن عزم الرباط إجراء مراجعة شاملة في علاقاتها مع مدريد، بعدما وصلت إلى قناعة أنها لم تجن من وراء التنازلات التي قدمتها لثباتيرو غير حزمة من الرياح، وفتح تأجيل الزيارة من طرف الملك محمد السادس بسبب مشكلة في الأجندة الباب أمام تأويلات باستمرار الأزمة، لذلك كانت قمة وجدة أشبه بالمشي السريع فوق الزجاج. وكان الصحافيون الإسبان الذين رافقوا ثباتيرو في زيارته ينتظرون أن يفجر المغاربة قضية سبتة ومليلية في الندوة الصحافية أو عند خروج ثباتيرو من لقائه مع عباس الفاسي حتى يعودوا إلى ديار قشتالة بصيد إعلامي سمين، خصوصا أن حصر أجندة الزيارة في المواضيع السابقة الذكر جعل بعضهم يبحث عن أي شيء يثير به الزوابع الإعلامية، وهو ما وجدته مبعوثة صحيفة «إيل موندو» الإسبانية في وضع والي وجدة لعلم إسباني من الحجم الصغير في مطار وجدة أنجاد احتفالا بقدوم رئيس وزراء الجارة الشمالية. العلم الصغير وفسر مصدر دبلوماسي إسباني ل«المساء» أن العلم الصغير كان مبادرة للتعبير عن الترحيب، بحكم أن الأعراف البرتوكولية لا تقتضي أن يكون العلم الإسباني إلى جانب العلم المغربي في ذلك المكان، لكن مبعوثة إيل موندو انتبهت إلى الأمر وجعلته العنوان الكبير لزيارتها للمغرب، وتناقلته باقي وسائل الإعلام الإسبانية باعتباره الحدث الأبرز في زيارة ثباتيرو للمغرب، مثلما نفى المصدر أن يكون ثباتيرو قد بقي ينتظر انتهاء الملك محمد السادس من الجمعة، مضيفا أنه عندما جاء ثباتيرو كان الملك محمد السادس ينتظره في مكان الاستقبال. والواقع أن العلاقات بين الرباطومدريد تنفرد بمجموعة من الأمور الغرائبية التي لا تحصل في العلاقات مع بعض الدول، فما يهم بعض وسائل الإعلام الإسبانية هو الحفاظ على التوتر في العلاقات بين البلدين، ولو استدعى الأمر نسيان الملفات الكبرى والتفرغ لموضوع علم صغير، لذلك بات على المغاربة في المناسبة القادمة أن يكونوا أكثر كرما وينظموا مباراة لمصارعة الثيران بجانب المكان الذي ستحط به طائرة ثباتيرو. تصريحات عباس لكن حصر الأجندة لم يمنع من أن يتحدث عباس الفاسي مع ثباتيرو حول مسألة الوجود الإسباني في سبتة ومليلية، وخرج ليصرح أمام ميكرفون الزميل عادل الزبيري مراسل قناة العربية بالمغرب أنه «نقل إلى ثباتيرو حقيقة الشعور المغاربة بشأن ملف سبتة ومليلية، وأنه لا يجب الاستمرار في نهج سياسة المد والجزر في العلاقات بين المغرب وإسبانيا»، وكان سيحسب على الفاسي عدم حديثه مع ثباتيرو في هذا الموضوع بحكم أنه ليس وزيرا أول تقنوقراطيا، بل الأمين العام لحزب الاستقلال، مما كان يجعله حزبيا في موقف حرج، في حالة عدم امتلاك الشجاعة لطرح موضوع يلح عليه حزبه أكثر من باقي الأحزاب المغربية. لكن تصريحات عباس الفاسي لا تكشف عن تحول في الموقف المغربي إزاء سبتة ومليلية، فقد أبدت الرباط بعض الليونة في طرح مواقفها من هذا الملف، مما يشير إلى أن سحابة الغضب التي ظهرت في بيان الملك محمد السادس في شهر نونبر الماضي، قد عوضها تريث في التعاطي مع الموضوع والاكتفاء بتذكير المسؤولين الإسبان بالمطالب المغربية التي تعبر عن تطلعات شعب بأكمله في تحسين علاقاته مع الجارة الشمالية التي باتت ملزمة بطي ملف يعود إلى حقبة حروب الاسترداد، ويشكل أحد أسباب التوتر الرئيسية في العلاقات بين البلدين، فالخوف التاريخي لدى السياسيين والعسكريين الإسبان من «الموروس»، يجب أن يعوضه بحث عن شراكة اقتصادية وإنهاء للمشاكل العالقة، خصوصا أن إسبانيا تحولت إلى فاعل اقتصادي رئيسي في المملكة المغربية. وفتحت زيارة ثباتيرو الباب أمام زيارات المسؤولين الإسبان من أجل تدارس الملفات العالقة بين البلدين، خصوصا بعد التأجيل الذي طال بعض اللقاءات، وتتوخى زيارة وزير الداخلية البحث مع المسؤولين المغاربة سبل تطوير مكافحة الهجرة غير الشرعية والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، فيما سيحاول فيسنتي كورباتشو، وزير التشغيل والهجرة، البحث عن إمكانية تطبيق العودة الطوعية للمهاجرين المغاربة الذين فقدوا مناصب عملهم بسبب الأزمة الاقتصادية، وباتوا يواجهوا مشاكل في تجديد بطائق الإقامة. لنصوت جميعا ظلت قضية تصويت المهاجرين المغاربة في الانتخابات البلدية الإسبانية من القضايا التي طرحتها وسائل الإعلام خلال زيارة ثباتيرو للمغرب، مما يلزم توقيع اتفاقية بين الرباطومدريد تخول أيضا لحوالي 3500 إسباني مقيمين في المغرب التصويت بدورهم في الانتخابات الجماعية في المغرب، بيد أنه سرعان ما بدأ الحديث عن كون تصويت المغاربة يعد أمرا أكثر تعقيدا من تصويت المهاجرين من دول أمريكا اللاتينية. ويعود أصل هذا المقترح إلى عام 2006 عندما صادقت الأحزاب السياسية في الكورتيس الإسباني على مقترح قانون يخول توقيع اتفاقيات مع البلدان التي ينحدر منها المهاجرون الموجودون في إسبانيا، من أجل تمكينهم من التصويت في الانتخابات البلدية في حالة إقامتهم بصفة دائمة فوق التراب الإسباني وعدم توفرهم على الجنسية. وفعلا تمكنت إسبانيا من توقيع اتفاقيات مع الشيلي والأرجنتين والأوروغواي التي تجري المصادقة عليها حاليا في برلمانات هذه الدول، فيما يواجه هذا الأمر بمشكلة دستورية في المغرب، حيث إن الدستور المغربي لا يسمح بتصويت الأجانب في الانتخابات البلدية، مما يجعل توقيع السلطات المغربية ونظيرتها الإسبانية على مثل هذه الاتفاقية أمرا غير ممكن، وتحدث المسؤولون الإسبان كثيرا لوسائل الإعلام عن هذه القضية قبيل زيارة ثباتيرو، لكن الصمت ساد حول هذا الموضوع الذي يحتاج إلى تعديل دستوري حتى يصير من باب الممكنات. الحرب الدبلوماسية بين ثباتيرو وساركوزي تعيش إسبانياوفرنسا حربا دبلوماسية شعواء منذ محاولة الرئيس الفرنسي طرح مبادرته حول الاتحاد المتوسطي التي تهدد العمل الذي قامت به الدبلوماسية الإسبانية خلال فترة التسعينيات، وهو ما تمخضت عنه ولادة مسلسل برشلونة عام 1995، وبعدما نجح ثباتيرو في إقناع ساركوزي بجعل مبادرته استمرارية لهذا المسلسل وليس إلغاء له، بدأ يبحث بدوره عن مبادرات جديدة تمكنه من إشراك بلدان الجنوب المتوسطي، لذلك لم يتردد بعيد مغادرته للمغرب في إطلاق مبادرة عالمية من أجل مواجهة الفقر خلال حضوره المؤتمر الجهوي للحزب الاشتراكي العمالي في برشلونة، تروم إشراك الدول الغنية في القضاء على الفقر والحاجة، وقال إنه يجب رفع الصوت عاليا أو الصراخ لو استدعى الأمر ذلك من أجل دفع الدول الغنية إلى المساهمة في القضاء على هذه الظاهرة. وجاءت مبادرة ثباتيرو في نفس الأسبوع الذي انعقدت فيه قمة المتوسط التي انعقدت بباريس والتي ترأسها إلى جانب الرئيس الفرنسي الرئيس حسني مبارك، وعرفت حضور 40 رئيس دولة للبحر الأبيض المتوسط، ويخشى رئيس الحكومة الإسبانية أن يستمر ساركوزي في سحب البساط من تحت الأقدام الإسبانية باحثا عن إعادة مجد قديم لفرنسا في البحر الأبيض المتوسط، لذلك اقترح على الملك محمد السادس مبادرة للعمل على إعادة تشكيل المشهد السوسيوثقافي في البحر الأبيض المتوسط بالتركيز على التعليم والمرأة، واقترح على الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة العمل على مقترح يهم الجوانب البيئية والمناخية.