لم يخطئ تقرير مجلة «الإيكونوميست» البريطانية عندما صنف العاصمة الأردنية عمان كأغلى عاصمة عربية من حيث كلفة المعيشة، متفوقة على دبي وعواصم أخرى، حيث يبلغ متوسط معدل الأجور 1450 دولارا، وسعر صرف الدولار والأورو المرتفع مقارنة بالدينار الأردني، يجعل مئات السياح يفكرون مرتين قبل اتخاذ قرار زيارة المدينة التي لا يتجاوز عدد ساكنتها مليوني نسمة. وقد قررت الشركات الخليجية والعربية والعالمية منذ عقود الاستثمار في عمّان التي تستقطب الكثير من السياح سنويا، وتنتمي الفئة الأكبر من هؤلاء السياح إلى أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية واليابان واستراليا والدول العربية المجاورة ودول الخليج العربي. لم تغامر عمان في بناء ناطحات السحاب والمراكز التجارية الضخمة، واختارت بالمقابل الاعتماد على قطاعات البناء والبنوك والتأمين والصناعة والتجارة.. جولة قصيرة على متن سيارة الأجرة، التي تشبه في تصميمها سيارات الأجرة الأمريكية، تقربك من المدينة التي تنقسم إلى شطر غربي السمات يمتاز بالمعمار الأوروبي والذي يقطنه ذوو الدخل المرتفع، وشطر شرقي يسكنه بسطاء الشعب من الطبقات المتوسطة. يرتدي عناصر شرطة المرور زيا أسود بقبعة مقعرة، تماما كما في شوارع العاصمة البريطانية، وهو ما فسره البعض بتأثر الملك عبد الله بأصول والدته الإنجليزية، مما جعله يقرر تشييد مشروع المدن الملكية بميزانية تجاوزت مليار دولار، استهلها بإنشاء «كوبري عبدون» الأضخم في الشرق الأوسط وتشييد «بوابة الأردن»، وهما مركزان تجاريان يرتفعان إلى ثلاثمائة متر، ويضمان برجين منفصلين يربطهما مركز تسوق ومنطقة خدمات ومكاتب مخصصة للشركات المحلية والإقليمية والعالمية التي ترغب في الاستثمار في الأردن. لعمان طابع جبلي في أغلبية مناطقها وأحيائها، فارتفاعها عن سطح البحر قرابة 750 مترا يجعلها أقرب إلى مدينة شفشاون. في الشوارع والمقاهي، تثير انتباهك أناقة الأردنيات اللواتي يجسدن النظرة الجديدة للمرأة الأردنية العصرية المثقفة والتي تمثلها بشكل كبير الملكة رانيا التي تعد مثال المرأة النموذجية الأولى بالنسبة إلى شابات الأردن. الطابع المشرقي لعمان يبرز في الأسواق الكبيرة التي تتيح للزائر اقتناء ما يريد من منتجات الحرف التقليدية والشعبية والهدايا التذكارية التي تباع في الأسواق القديمة وسط العاصمة. النجمة السباعية التي تتوسط العلم الأردني تشير إلى الجبال السبعة التي تشكل دائرة جغرافية على شكل حلقة استلهمها الأردنيون لتمييز علم بلدهم عن العلم الفلسطيني.. الحضور الفلسطيني داخل الأردن أضحى من الصعب تمييزه، ولا يبرز إلا في كرة القدم بين الفيصلي، رائد الفرق الأردنية، والوحدات الذي يشجعه الأردنيون من أصل فلسطيني.. الحرب في العراق أجبرت 300 ألف من العراقيين على النزوح إلى المدن الأردنية ليختاروا الاستقرار النهائي بها، وهو ما ساهم، حسب أحد الصحفيين الأردنيين، في الرفع من مستويات المعيشة. نسبة كبيرة من المغاربة الذين يعملون في عمان يشتغلون في أسواق وسط المدينة، حيث يقع جبل الحسين وأسواق عبدون والصويفية والشميساني. وإذا كان محمد شكري قد تقاسم مع قرائه حب طنجة في إبداعاته، فإن المشهد الأدبي الأردني فقد أحد أركانه بعد رحيل الروائي زياد قاسم الذي ساهمت روايتاه «أبناء القلعة» وملحمة «الزوبعة» بأجزائها الستة في تأريخ عمان داخل قالب أدبي تتماوج أحداثه داخل منطقة جغرافية محتقنة بالصراع والخلافات.