خسائر دول الخليج في الرهن العقاري وحده بلغت 2.8 بليون دولار لم تكن المسافة الزمنية بعيدة بين التقرير الذي نشرته مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، الأسبوعية الرصينة، في عددها الذي صدر في الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر من العام الماضي 2008 وكانت الأزمة الاقتصادية العالمية في ذروتها وقالت فيه إن خسائر المحافظ التي تكبدتها صناديق الثروة السيادية في دول الخليج قد تصل إلى 400 مليار دولار، وبين التقرير الذي نشره بنك الكويت الوطني بعد ستة أشهر من هذا التاريخ، حيث أعلن في الثاني من مايو من عام 2009 أن أسواق المال الخليجية فقدت نحو خمسمائة مليار دولار من قيمتها السوقية منذ بداية الأزمة في شهر سبتمبر من العام الماضي 2008. وكانت صحيفة «الحياة» قد ذكرت في تقرير نشرته في 7 أكتوبر من العام الماضي 2008 أن الأسهم الخليجية خسرت 58 مليار دولار بعد عطلة العيد، أي خلال شهر واحد فقط. وهذا يشير إلى معدلات الخسائر الباهظة التي لحقت بالبورصات الخليجية، وهي قطاع مالي يختلف تماما عما أشارت إليه «الإيكونوميست»، وهو قطاع المحافظ المالية التي تملكها الصناديق السيادية والتي خسرت مبالغ طائلة من خلال مشاركاتها في كثير من البنوك الأمريكيةوالغربية التي أفلست أو التي حققت خسائر كبيرة، أو من خلال أسواق المال الغربية أو الاستثمار في العقار الذي حقق انهيارات كبيرة ولاسيما في الولاياتالمتحدة. وكانت دول الخليج العربية قد راكمت، حسب «الإيكونوميست»، حوالي واحد ونصف تريليون دولار حققتها من مبيعات النفط خلال العام السابق للأزمة 2007، إلا أن ما يقرب من خمسين في المائة من هذه الثروة قد ذهب مع الريح، ومما زاد الطين بلة انخفاض أسعار النفط، خلال عدة أسابيع من بداية الأزمة المالية، إلى ثلث ما كانت عليه، مما أدى إلى إلغاء مئات المشروعات التي كانت دول الخليج قد شرعت في تنفيذها بناء على سعر البرميل الذي كان قد جاوز مائة وأربعين دولارا للبرميل، فقد نشرت شركة الخدمات العقارية الدولية «جونز لانغ»، في 9 مارس الماضي، تقريرا قالت فيه إن أكثر من نصف مشاريع العقارات السكنية والتجارية المقرر إنجازها في دبي بين عامي 2009 و2012 قد جرى تعليقها أو إلغاؤها. ونشرت صحيفة «الراية» القطرية تقريرا في 27 يونيو الماضي قالت فيه إن 46 شركة مقاولات محلية تواجه شبح الإفلاس بينما مصير 10 آلاف عامل في مهب الريح، ولنا أن نقيس هذا على السعودية والكويت والإمارات والبحرين وعمان لنقف على حجم التراجع والخسائر في مجال العقار والشركات العقارية والعمالة بها. وقد أدى هذا إلى تراجع أسعار العقار في الخليج بشكل كبير، ففي 8 مايو الماضي نشرت صحيفة «الحياة» تقريرا قالت فيه إن عقارات دبي تخسر 40 % من قيمتها ومن إيجاراتها. ومن المؤكد أن الوضع ليس أحسن حالا في باقي الدول الخليجية من دبي، هذا في الوقت الذي كان يوصف فيه العقار في الخليج بكونه الاستثمار الأكثر أمانا، ولذلك كشفت شركة «فيوتشر براند» عن تقرير نشرته في 23 فبراير الماضي قالت فيه إن قيمة المشاريع العقارية قيد الإنشاء في دول الخليج تصل قيمتها إلى 2. 4 تريليون دولار، وهذا مبلغ كبير للغاية يؤكد حجم اهتمام الخليجيين بالعقار والاستثمار فيه، ولم يكن الخليجيون يستثمرون في العقار في بلادهم فحسب بل كانوا كذلك يستثمرون فيه بمبالغ طائلة في الغرب ولاسيما في الولاياتالمتحدة. وقد ذكرت مجموعة «بوسطن» الاستشارية، في تقرير نشرته صحيفة «الحياة» في 5 فبراير 2009، أن حجم خسائر دول الخليج في الرهن العقاري وحده بلغت 2.8 بليون دولار من بين 1.2 تريليون دولار، حجم الاستثمارات العربية في الأسواق العالمية. هذا المبلغ أقل بكثير من تقديرات أخرى وصلت إلى ما هو أكبر، حيث كانت العاصفة المالية أكبر من توقعات الجميع وتركت صعوبات بالغة في تقدير حجم الخسائر الحقيقية للمستثمرين. لقد كانت التطورات التي حدثت في دول الخليج خلال الخمسين عاما الماضية أغرب من الخيال، كما يقول الخبراء، ولهذا فإن لم تقم دول الخليج بتدارك الأمور في ظل استمرار عائدات النفط التي وهبها الله إياها واستثمارها بشكل أفضل في بناء الإنسان وبناء كيانات اقتصادية حقيقية فإن الأمور ستصير إلى ما هو أسوأ، لأنه من الصعب أو من المستحيل أن تتكرر هذه الثروة مرة أخرى في ظل النضوب الطبيعي الذي لا بد وأن يلحق بها. ولهذا كانت صرخة الخبير الاقتصادي الأمريكي بيتر شيف، رئيس شركة «يورو باسفيك»، في منتدى التنافسية الدولية الذي عقد في الرياض في نهاية يناير الماضي، مدوية؛ حيث خاطب الحضور العربي في إحدى جلسات المنتدى قائلا: «لا ترموا أموالكم في حضن أمريكا، إننا سننفق أموالكم الغبية التي أقرضتمونا إياها في شراء الديون، وإن الأزمة الاقتصادية ستستمر في أمريكا عشرة أعوام وفي العالم خمسة أعوام». فهل تجد هذه الصرخة من يعيها من الخليجيين أم إنها ستكون مثل سابقاتها صرخات في البرية؟