قبل 88 سنة ولد جون دانييل في مدينة البليدةالجزائرية لأسرة يهودية متوسطة، انتقل إلى فرنسا حيث تخرج من جامعة السوربون، وعلى عكس ميوله الفنية، جرفه تيار الصحافة حيث تألق كواحد من ألمع محرري التحقيقات والاستطلاعات الكبرى، واشتهر بافتتاحياته في مجلة «لونوفيل أوبسرفاتور». وظل يحتفظ بعلاقات حميمة مع المغرب. - هل تعتبر أن المغاربة متفردون عن شعوب المنطقة بالرغم من القرب الجغرافي؟ < القرب الجغرافي عنصر تقارب بالتأكيد، ولكن الواقع السياسي والاجتماعي يفعل فعله في بناء الخصوصية الفردية والجماعية للشعوب. فالتونسي يمتاز بمزاجه البشوش الدافئ، والجزائري متحفظ شيئا ما، أما المغربي فيمزج بين البشاشة والفطنة، تراه عاليا وليس متعاليا، وتلمس في مظهره وهندامه بعض ملامح الشرف والنبل. قرأت الكثير من المؤلفات عن المغرب ومعظمها تتناول بإسهاب الخصوصية المغربية المتفردة. ثم إنني أعجبت أيما إعجاب بكتابات الأديب الراحل إدريس الشرايبي الذي أعتبره من رواد الرواية الحديثة الذين وضعوا لأنفسهم مسافة مع أنماط الكتابة الاستشراقية. ولا أخفيك أنني أعتزم إصدار كتاب عن هذا الأديب ومكانته الكبيرة في الفضاء الإبداعي الفرنسي. - ألا تخشى أن يفقد المغرب الكثير من خصوصياته الثقافية بفعل الاكتساح العمراني الذي يهدد مدنا كثيرة مثل مراكش وفاس وطنجة وغيرها؟ < عدت قبل ساعات من مراكش بعد إجازة راحة قصيرة، وقد أدهشني ما سمعته من انفجار عمراني وتسابق عقاري حول مدن عتيقة مثل مراكش التي لم تسلم حتى اليوم من جشع المضاربين العقاريين، ومن بعض مظاهر السياحة المتوحشة، وكذا طنجة بمشاريعها «الكاليفورنية». ولحسن الحظ أنه مقابل هذا التنافس العقاري المجحف، أذهلني ما وقفت عليه من فوران ثقافي في فنون الأدب والتشكيل والموسيقى، مما يدل على أن المغرب له من المناعة الثقافية ما يؤمنه من عواقب المعاصرة الزائدة والتلوث السياحي. ومن بواعث الاطمئنان أيضا أن العديد من الروض السكنية العتيقة التي كانت على وشك التداعي بفعل الإهمال أو بحكم سوء تلاؤمها مع مستلزمات السكن الحديث، انتعشت من جديد في تناغم وانسجام مع تصاميمها الهندسية الأصيلة وعبقرية الصناعة التقليدية. وقد هنأت الكثير من أصدقائي القاطنين اليوم في هذه الروض على احترامهم وصيانتهم لأصول الفن التقليدي المغربي، ومن بينهم الكاتب الإسباني الكبير، خوان غويتيسولو، الذي كان له الفضل في الارتقاء بساحة جامع الفنا إلى تراث عالمي إنساني تبنته منظمة اليونسكو في بداية القرن الحالي. - تحدثت عن الجانب المشرق في الخصوصية المغربية.. < (مقاطعا) بالطبع هناك جوانب صادمة في البناء الجسدي المغربي، فهو لم يتخلص بعد من التنشئة القبلية، ولايزال قائما على نظام الأبوة ومنشطرا إلى قسمين: الأغنياء الذين تتفاحش ثرواتهم بشكل مخجل، والفقراء الذين يزدادون فقرا وتزداد الهوة بفقرهم اتساعا. وما يصدمني في المغرب هو، من جهة، إهماله بل تخليه عن بعض المناطق الفقيرة، ومن جهة أخرى تفشي الأمية بشكل لا يطيقه العقل. فبينما اقتربت تونس من القضاء عليها بشكل نهائي، وتحذو حذوها الجزائر، يبقى المغرب بنهضته الاقتصادية الكبيرة، يجر ذيول الأمية بنسبة تناهز نصف الساكنة. يقولون لي إن الملك وضع هذه المعضلة في مقدمة أولوياته، وأجيب بأن رجلا واحدا لا يكفي للتغلب على معضلة من هذا الحجم، لاسيما وأن له من الانشغالات والأولويات ما يحتم تضافر جميع الإرادات لجعل النصف الآخر من الجسد المغربي يستفيد من عملية النماء الاجتماعي. والنتيجة، إلى حد الساعة، تسير في الاتجاه المعاكس. - هل يفهم من كلامك أن الحل يوجد على مسافة بعيدة منا؟ < بالتأكيد، فأنا متشائم في هذا الباب، خاصة عندما أنظر إلى نصف السكان المتخلى عنهم وإلى هؤلاء الأطفال المحرومين من التمدرس في بلد يعرف عنه أنه وطن التضامن العائلي ووطن الأسرة بامتياز... يتبع