قبل 88 سنة ولد في مدينة البليدة الجزائرية لأسرة يهودية متوسطة، انتقل إلى فرنسا حيث تخرج من جامعة السوربون، وعلى عكس ميوله الفنية، جرفه تيار الصحافة حيث تألق كواحد من ألمع محرري التحقيقات والاستطلاعات الكبرى، واشتهر بافتتاحياته في مجلة «لونوفيل أوبسرفاتور». وظل يحتفظ بعلاقات حميمة مع المغرب. - أبدأ بمقولة للجنرال ديغول: «الشيخوخة عملية إغراق بطيئة»، هل تحس وأنت في الثمانية والثمانين من عمرك أن العمر بصدد إغراقك والعظم قد وهن منك؟ < (مازحا) يبدو أنك مصمم منذ البداية على شتمي، وما علي إلا أن أعد نفسي لشتائم أخرى على امتداد الحوار، لا ضرر، فقد علمتني الممارسة المهنية، وعمرها 65 سنة أو يزيد، أنه ليس هناك سؤال تهجمي أو عدواني في لغة ومنطق الصحافة. فالمجيب هو من يختار كيفية التعامل مع طبيعة السؤال، إن من زاوية التبيين والتبليغ، أو من منطلق العدوانية التي تتفاوت حدتها بتفاوت درجات الإحراج. وللإجابة عن سؤالك المشفق على وهني، أود طمأنتك بأنني في منتهى الفتوة وإن كنت رجلا مسنا.. أقصد الفتوة الفكرية التي تجعلني أسعد بعمري وأحياه باعتزاز من منطلق العطاء الذي أريده خصبا متجددا وفاعلا، ومن منطلق عشقي الكبير للحياة التي وإن كانت امرأة متقلبة، فإن جمالها يفوق كل جمال. - ترسم في كتابك «هذا الأجنبي الذي يتمثلني» الصادر سنة 2004، معالم شخصيتك بتفاصيل دقيقة إلى حد التمركز حول الذات، هل من دوافع لذلك؟ < لكل قراءته الشخصية، فالكتاب يحكي مسار تجربة اغتنت عبر العقود من خلال محاورة ومعايشة كبار السياسيين والمثقفين في عالمنا المعاصر، ويختزل في جانبه الذاتي سيرة رجل نما وترعرع في بيئة يهودية جزائرية، متشبع بقيم العدالة والتعايش، وكتب عليه أن يخصص جزءا هاما من انشغالاته لبلدان المغرب العربي التي تجمعه بها علاقات الانتماء من جهة، والانبهار بمخزونها الثقافي والفني من جهة أخرى. - بعد ستة عقود من العمل الصحفي، هل تشعر بأنك أحسنت الاختيار؟ < كان لدي الإحساس منذ الطفولة بأنني سأصبح كاتبا، وكان معظم أساتذتي يتنبؤون لي بمستقبل واعد في الكتابة. ولم أكن آنئذ أدري ما إذا كنت سأنحى إلى الكتابة الصحفية أو الروائية أو المسرحية. فاختارت صيرورة الأشياء أن أكون صحفيا، حتى وإن ألفت ما يزيد عن عشرين كتابا في مختلف الأجناس الأدبية. ولعلمك أيضا، فأنا كنت منذ الصغر من كبار عشاق الموسيقى الكلاسيكية والأندلسية. وكنت في فترة من فترات المراهقة متحيرا بين اختيار الصحافة واحتراف الموسيقى التي أعتبرها أداة فريدة في إرهاف المشاعر والسمو بالنفس والخلود إلى الطمأنينة الذاتية. فلو لم أكن صحفيا لكنت واحدا من كبار الملحنين أو المطربين عالميا. - أية علاقة تربطك بالمغرب، وهل من جاذبية خاصة يمارسها عليك هذا البلد؟ < علاقتي بالمغرب بدأت صغيرة كما تبدأ العلاقات مع أي كائن بشري، ثم شرعت تنمو وتتقوى بفعل سحر المكان ودفء الناس، إلى أن أصبحت علاقة ثلاثية الأبعاد: جمالية، عاطفية وتاريخية. فأنا مرهف الإحساس تجاه تونس، شديد الإعجاب بالجزائر، موطن النشأة، ولكن اللسان يخذلني كلما حاولت تفكيك رموز هذا العشق الذي يسكنني تجاه البعد الجمالي والإنساني العميق للمغرب.. تعلمت مع تلاحق السنين كيف أخوض في تفاصيله وجزئياته بما فيها البعد البربري المتجذر في الخصوصية المغربية، والتنوع العرقي والثقافي، وتأثيرات المحيط الأطلسي، وتعاقب الأسر المالكة، وتجذر وانصهار العادات والتقاليد التي أغنت الرصيد الروحي لبلدكم بشكل متميز.. وقفت أيضا على قيم التسامح والتعايش التي تميز شعبكم، والتي مكنت الجالية اليهودية من الانصهار بسهولة في النسيج الاجتماعي المغربي.. تعرفت على بعض أفراد هذه الجالية بمدينتي فاس وصفرو، وأبلغوني بكثير من الاعتزاز بأنهم ينحدرون من أسر ضاربة في عمق التاريخ المغربي. ومجمل القول أنني استسلمت راضيا لكل هذا الزخم الجمالي والإنساني الذي أختزله في عبارة واحدة: كرامة هذا البلد وعزة نفسه. أشدد على كلمة الكرامة لأنها الأقوى تجسيدا لسماحة هذا الشعب ونبله. يتبع