لم تكن زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للندن حدثا سياسيا مهما توقف عنده المحللون السياسيون لما له من دلالات في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين فحسب، بل لأن العاصمة البريطانية والعالم شاهدا عن قرب أول زعيم فرنسي غير نمطي جاء إلى بلد يحتفي كثيرا بالشكليات والبروتوكول، ولأن قرينة ساركوزي سرقت معظم البريق الذي صاحب زيارة الدولة تلك فكادت تكون هي الحدث. وداعا بونابارت لم يكن الفرنسيون يتوقعون يوما أن يحكمهم رئيس بمثل أسلوب نيكولا ساركوزي، فمباشرة بعد نهاية حمى الانتخابات ووصوله إلى الشانزيليزي حتى خبا وهج الوعود التي قطعها على نفسه وبدت الهوة عريضة بين القول والتطبيق، لكن الرئيس يبدو مصرا على أن يشغل مواطنيه بشيء آخر لم يكن ضمن ما وعد به في طريقه الشاق نحو سدة الحكم: أن يتصرف كما لم يتصرف أي رئيس سبقه في تاريخ الجمهورية الفرنسية. فقد أصر الرجل صحبة زوجته، كارلا بروني، أن يعيش حياته الخاصة، وفي بعض جوانبها الحميمية أحيانا، أمام العدسات ضدا على ما تعارف عليه أهل بلاده. ويبدو أن سلوك الرئيس «المنفلت» ليس إلا مقدمة نحو تغيير في سياسة باريس تجاه العالم، والبداية كانت من بريطانيا، هذا البلد الجار الذي ظل، ولقرون عديدة، المنافس النقيض لكل ما هو فرنسي. وقد كانت زيارة الدولة التي قام بها ساركوزي أخيرا إلى لندن بداية النهاية لما يسمى «الاستثناء الثقافي» لفرنسا ومحاولة لقتل ترسبات هزيمة نابليون في واترلو. ففي أول يوم من زيارته لبريطانيا، ألقى الرئيس ساركوزي كلمة أمام مجلسي البرلمان دعا فيها إلى علاقة أوثق بين البلدين، معتبرا أن «هذا الحلف بيننا هو حلف وفاق وود وقد ساد بيننا طيلة تلك السنوات التي لم نعد نتقاتل فيها؛ ولا بد له أن يكون وفاقا تاما، فبعد قرون من العداء وانعدام الثقة ما أدى بنا إلى الاقتتال، فإننا الآن نعمل معا لنواجه معا بعضا من أسوأ التجارب والمحن بين بلدينا، ومن رحم هذه المعاناة ، تقاسمنا كأخوة في السلاح ما أصبح قاعدة لصداقة حقيقية». وأمام هذه العبارات يبدو كم كان المولعون بكتابة البورتريهات مبالغين، حين تحدثوا خلال أيام ساركوزي الأولى في الشانزيليزي عن «طموحاته النابويونية»، ها هو اليوم في ويستمنستر، غير بعيد عن واترلو، ينهي أسطورة نابليون ويؤبن ذكراه أمام الكاميرات، بل أكثر من هذا ضرب الرئيس الفرنسي بوهم بلاده حول ضرورة صيانة الفرنسية على اعتبار «الاستثناء الثقافي الفرنسي» عرض الحائط قائلا: «أوروبا ليس بوسعها العمل بدون اللغة الإنجليزية أو حتى اقتصادها القوي أو قوتها الدفاعية»، مطالبا باستبدال اتفاق «التفاهم الودي» الذي أبرم في مطلع القرن الماضي ب»اتفاق صداقة»، مشيرا إلى أن عهد النزاعات مع بريطانيا قد ولى منذ أمد بعيد. وخلافا لرؤساء فرنسا السابقين ذوي الهامات السياسية التاريخية أمثال الجنيرال دوغول أو الداهية فرانسوا ميتيران ممن صنعوا الماركة الفرنسية في كل شيء تقريبا، جاء على فرنسا زمن تغيرت فيه كثير من الصور النمطية للزعماء، فها هو ساركوزي يقول إن الإنجليزية أمر واقع وأن فرنسا بحاجة إلى بريطانيا بل استنجد بالتاريخ ليقول شيئا، نيابة عن شعب فرنسا، «فرنسا لن تنسى أبدا أنها حينما جثت على ركبتيها، فإن بريطانيا هي التي وقفت إلى جانبنا» في إشارة إلى الحرب ضد النازية. بريطانيا هذه هي البلد نفسه الذي أصبح الوجهة المفضلة للشبان الفرنسيين سواء للعمل أو للسياحة أو الاستقرار نهائيا. وكم يبدو الحضور الفرنسي غريبا هنا في شقيه اللغوي والثقافي في بلد غير مكترث تاريخيا بما يجري في بلد جار تربطه به قناة بحر المانش ولا شيء غيرها. ولعل هذه الحقيقة هي ما يقف وراء اللغة غير المألوفة لأسلافه من الرؤساء. زيارة عرض أزياء بينما كان المسؤولون في عشرة داونين ستريت منشغلين بالمكاسب الممكنة من زيارة رئيس فرنسا، والمراقبون منهمكين في رصد التحولات في سياسة فرنسا، كان للمصورين وكثير من الصحافيين اهتمام موحد انصب على كارلا بروني، المغنية وعارضة الأزياء سابقا السيدة الأولى لفرنسا حاليا. وقد شمل اهتمام الصحافة البريطانية بلا استثناء، كل مناطق جسد بروني، وما على الجسد من أزياء، مرورا بأناقتها، والألوان التي ارتدتها في هذه المناسبة أو تلك. وهكذا انصبغت الصفحات الأولى للصحف طيلة أيام الزيارة بفساتين بروني وأخرى فضلت نشر صور لها من الأرشيف وهي عارية مشفوعة بتعليق «هذه المرة لم تنس ملابسها»، بينما استخرجت صحف أخرى مقتطفات من حوارات سابقة لها مع سيدة الإليزيه الحالية كانت قد عبرت فيها عن رغبتها في السباحة عارية مع رئيس الوزراء المتنحي طوني بلير، طبعا قبل ارتباطها بساركوزي. وتصاب الصحف البريطانية في مثل هذه المناسبات بنوع من السعار الذي لا يترك كبيرة ولا صغيرة في المشاهير إلا وتناولتها بالسخرية الانجليزية المعروفة، فمن المعلقين من رأى فيها شبها بزوجة الرئيس الأمريكي المغتال كينيدي، وهناك من رأى في انتعالها حذاء بلا كعب حرصا على ألا يبدو ساركو كقزم وهما يتمشيان. وبقدر ما بدت بروني متحررة في سفرياتها مع ساركو إلى الأدرن مثلا التزمت بأصول البروتوكول الملكي البريطاني، وقد تحدثت تسريبات إعلامية عن كون زوجة رئيس فرنسا تدربت على أصول التعامل في حضرة ملكة بريطانيا العظمى قبل الزيارة. تماما كما حرص المقربون من جورج بوش في وقت سابق على ضبط حركات رئيس الولاياتالمتحدة على ما يقتضيه استقباله ملكة بريطانيا. وقد كان قلب المعنيين بأن تمر تلك المناسبة بسلام يخفق بشدة مع كل جملة فاه بها بوش أو أي حركة صدرت منه، وهو المعروف بقلة اكتراثه بالبروتوكول. وبينما كان في نظر البريطانيين أن كارلا سرقت الأضواء من زوجها وأثبتت أنها سيدة فرنسا الأولى وسفيرتها فوق العادة، فقد التبس الأمر على الفرنسيين وعدد غير يسير من البريطانيين ولم يدروا إن كان الأمر يتعلق بزيارة دولة لدولة قوية مثل فرنسا أم بعرض للأزياء. وقد قالت إحدى المواطنات الفرنسيات لمحطة ال«بي بي سي» إنني مع هذا الرئيس أخجل من كوني فرنسية ولو كنت دون الثلاثين لغادرت البلاد»، ففي نظر هذه المتحدثة وكثير من مواطنيها فإن ساركوزي يمرغ صورة الرؤساء الفرنسيين المحافظين في الوحل. الزيارة بعيون مغاربية من يتحدث في بريطانيا عن جالية مغاربية فهو يعني بالضرورة المغاربة والجزائريين تحديدا، أما الليبيون والموريتانيون فوجودهم غير مثير للانتباه لأسباب تستحق البحث، غير أن زيارة ساركوزي لبريطانيا أثارت كثيرا المشاعر التي كرستها علاقة المنطقة المغاربية مع فرنسا، ولهذا السبب كثرت التعليقات على هذه الزيارة وصاحبها نيكولا دون إغفال صاحبته كارلا. وقد لاحظ أحد الإعلاميين الجزائريين كيف أن بروني ارتدت معاطفها المحتشمة بينما أصرت في بلدان عربية على إبراز ما تبقى لها من مفاتن وهي تشرف على عقدها الخامس، معتقدا أن الأمر مقصود بشكل من الأشكال مادامت بلداننا صارت مكانا للإثارة بينما فهم ساسة فرنسا أن أي سلوك غير محسوب في بريطانيا لن يمرر بسهولة. وقد علق مهاجر مغربي آخر، كان سبق له أن عاش في فرنسا أكثر من عشر سنوات، على خطاب ساركوزي أمام البرلمان البريطاني بتساؤل استنكاري: «إذا كانت فرنسا تحتاج إلى بريطانيا على لسان رئيسها فمتى تفهم حكوماتنا أن فرنساهم المفكرة بدلا منهم في ما يجب أن يفعلوه.. أن هذه الدولة، لولا موقعها الجغرافي الأوربي، لما اختلفت في شيء عن بلدان ثالثية، لقد صارت تقاوم فقط كي تستمر ضمن المنظومة الأوربية، لا أسلوبها عاد يقنع ولا هي قادرة على فرض شيء من سياستها». ومن أطرف القفشات التي سمعتها من مهاجر تونسي مقيم في لندن، بمناسبة وجود ساركوزي هنا، أن تضاؤل الأمم في سلم الحضارة الإنسانية يبدأ دائما بقامات الزعماء وأقام مقارنة كاريكاتورية بين الجنرال دوغول ونيكولا ساركوزي، ليستنتج أن الفرنسيات لم يعدن قادرات حتى على إنجاب أبناء ذوي بسطات في الجسم يملؤون عين الناظرين فكيف لشعب فرنسا أن يعثر على رؤساء يملؤون الساحة الدولية بحضورهم؟ وفي إشارة لا تخلو من مرارة كتبت مغربية في أحد المنتديات بالإنجليزية ما معناه: «يبدو أن هذا الرئيس الذي تشفق عليه زوجته حين تتفادى انتعال حذاء بكعب كي لا تبدو أطول منه، ليس عاجزا تماما عن أن يعلو كعبه علينا ويتطاول على قمة عربية واطئة أصلا، فيصرح من لندن بأن للسعودية ومصر مبرراتهما لتخفيض تمثيليتيهما في القمة العربية في دمشق». ومهما يكن من تعليق فإن زيارة ساركوزي الأولى من نوعها وطعمها لبريطانيا سيتركان مادة خصبة للمؤرخين كي يحددوا بدايات نهاية رؤساء العيار الثقيل في فرنسا، وربما سيؤرخون بداية جيل جديد من زعماء غير نمطيين سيمرون بالشانزيليزي، أولهم ساركوزي الذي سيكون أول رئيس لبلاده، وفي كامل وعيه ومن غير ضغط، يقر أمام برلمان رابع قوة اقتصادية في العالم.. أن فرنسا ما عادت ترى في نفسها أكثر مما هي عليه. قد يكون الأمر نهاية سلالة رؤساء يتسمون بالرزانة السياسية، وربما القضية وما فيها أننا إزاء بداية لوعي ذاتي فرنسي حقيقي وملح. من يدري؟ يسألونك عن «المساء» في لندن هذا حوار دار بين مغربيين يعيشان في لندن حول الحكم الصادر على «المساء» بأداء ستة ملايين درهم لقضاة القصر الكبير. - ستمائة مليون واش مشي بزاف؟ < مشي بزاف غير نص مليار وشي تقرقيبة يعني ما يكفي تقاعدا مريحا «للمتضررين». - يعني إفلاس المؤسسة؟ < لا أظن لأن الإفلاس الحقيقي يكون في المهنية والأخلاق ومن صنعوا مؤسسة من لا شيء قادرون على النهوض. - وشكون هاذ القاضي اللي حكم؟ < سميتو السي العلوي وسيادته متخصص في خلا داربو الصحافيين، رغم أن القضاء في المغرب يحتاج فعلا لقضاة متخصصين في مجالات بعينها كقضاء الأسرة وغيرها. - كيقولوا «المساء» زادت فيه وقيلا هذا هو السبب؟ < من خلال ما أقرأ أن الشيء الوحيد اللي زادت فيه «المساء» هو نسبة القراء وحسب ما أعرف فإن سابريس تحمل شعار جريدة لكل مواطن. - في أوربا ماشي مشكل عند المسؤولين يتهموهم بأنهم «جييز»؟ < هاذي أوربا وهذاك مغرب وحسب علمي فإن الأمر كان يتعلق بإشارة خطأ لحضور مسؤول في حفل القصر الكبير وتم الاعتذار عن الغلط غير المقصود، والمشكل في المغرب هو بعض المرات القضية تعتبر حريات فردية وكيدافعو عليها «مناضلون» ومرات أخرى كتولي حشومة بزاف.. الله ينعل اللي ما حار. - زعما حسب ما كنسمعو حرية التعبير في المغرب ولات موجودة وعلاش هاذ الشي كلو؟ < إييه بصح، ولكن راه المشكل مشي في الحرية ولكن فعلاش بنادم غادي يعبر، يعني موضوع التعبير. واش فهمتني؟ - لا. < طيب نفسر ليك، القانون ديال الصحافة مشي حنا اللي درناه، وفيه لبس وتقدر تفسروا ألف تفسير، ومن بين البرلمانيين اللي داروه لينا كين اللي عمرو ماقرا جريدة. وحتا حرية التعبير مزال معرفنا فين حدها.. يعني تقدر تعبر على شي حاجة مزيانة وتكون مشي حرية هديك، وتقدر تعبر بحرية وتوقع ليك شي حاجة.. خايبة طبعا. - أويلي؟ < يغركو فيه العديان، حرية التعبير كيما باغيها أنا بعون الله. - واشنو الجديد هاذ الأيام في المغرب من غير «المساء»؟ < كين جوج ديال القضايا «شبكة بلعيرج» وشبكة «بليرج»، حاولت نفهمها في الأول ولكن ملي قريت زوج أسماء لنفس الشخص في نفس القضية ضرني راسي، وملي معطاوش للمحامين الأوراق اللي كتبوا الشرطة يعني المحاضر، مبقيت فاهم والو.. - نسيت كول لي شحال هي ستمية مليون بالدولار؟ < تلف عليك الحساب حيت عشتي هنا بزاف ياك؟ صرف ستمية مليون فرنك للدرهم ومن بعد حولها لجنيهات ستريلينية تعرفها بالضبط شحال تساوي.. ماشي الفلوس.. ولكن الضريبة ديال صحافة بغات تقريبا تكون بحال ديال النكليز.