رغم التعديلات التي أدخلت على صندوق دعم السينما قبل حوالي ثلاث سنوات ينبغي الاعتراف بأن هذا الصندوق يجد اليوم نفسه في طريق مسدود، وبالتالي يتعين إعادة النظر فيه بصورة جذرية إذا كانت هناك رغبة فعلية في إنعاش الفن والصناعة السينمائيين وتطويرهما ببلادنا. لنسجّل، في البداية، أن هذا الصندوق، وإن كان ساعد في السنتين الأخيرتين على الرفع من عدد الأفلام المغربية الروائية الطويلة المنتجة كل عام، فإنه لم ينجح في ربط علاقة بين هذه الأفلام ومشاهديها داخل البلاد وخارجها، كما لم ينجح في وضع الأسس التي من شأنها أن تساعد على ظهور صناعة سينمائية بالمغرب. بل يمكن الذهاب إلى ماهو أبعد من ذلك والقول بأن صندوق الدعم ربما صار يشكّل عقبة حقيقية أمام ظهور هذه الصناعة بالذات. وتفصيل ذلك أنه إذا كان عماد الصناعة السينمائية في العالم كله هو العلاقة بين المنتوج السينمائي ومتلقيه، فإن الطريقة التي يتم بها التعامل مع صندوق الدعم تميل إلى إلغاء هذه العلاقة تماما، حيث لم يعد المهم عند معظم المخرجين المغاربة هو عرض أفلامهم على جمهورهم المحلي (نقول «المحلي» لأن السينما المغربية لا تضع نصب أعينها جمهورا خارج الحدود) وإنما صار هو الحصول على دعم مالي يغطّون به ميزانية الإنتاج ويوفرون منه (لم لا؟) قسما «محترما» بهذا القدر أو ذاك، بعد إدخال «تعديلات» جوهرية على تفاصيل الميزانية المودعة لدى لجنة الدعم؛ ولا يهمهم، بعد ذلك، هل سيعرض منتوجهم على الجمهور أم لا، إلا في حالة واحدة، وذلك عند رغبتهم في إيداع مشروع جديد لدى اللجنة، حيث يفرض القانون المنظم للصندوق ألا يقدموا أي مشروع جديد إلا بعد عرض فيلمهم المدعوم سابقا على الجمهور، وحينها ينظمون عرضا واحدا أول، كيفما اتفق، ويعيدون الفيلم إلى علبه بانتظار عرضه، أو عدم عرضه، في المستقبل. يضاف إلى ذلك أنه، حتى في حال عرض الأفلام التي يتم إنتاجها (بفضل صندوق الدعم، وليس بفضل المتجين الخواص) على الجمهور فإن الملاحظ، بصفة عامة، هو نفور المشاهدين منها واضطرار أصحاب قاعات العرض إلى سحبها وتغييرها بعد أسبوع عرضها الأول (وربما قبل إكمال الأسبوع) بأفلام أمريكية أو هندية أو مصرية تحقق الحد الأدنى من الإقبال. والسبب الرئيسي في هذا النفور الذي يتكرر باستمرار هو أن معظم مخرجينا لا يأخذون انتظارات جمهورهم ولا ذائقته الفنية ومستوى وعيه بعين الاعتبار، كما أنهم لا يبذلون مجهودا حقيقيا في التواصل معه، انطلاقا – كما سلف- من أن استمرارهم في إخراج أفلام سينمائية لا يتوقف على إقبال الجمهور، أو عدم إقباله، على أفلامهم بقدر ما يتوقف على «الصندوق» و«بركاته» المتعددة. هذا دون إغفال الإشارة إلى مسألة ملحوظة هي أنه، وفي مقابل ارتفاع عدد ما يتم إنتاجه من أفلام في بلادنا، هناك إغلاق متواصل لقاعات العرض التي انتقل عددها من 240 قاعة قبل 30 سنة إلى أقل من 80 قاعة اليوم، الشيء الذي يعني، بالتأكيد، أن هناك أزمة حقيقية تعرفها السينما ببلادنا في الوقت الحالي، وأن الحديث عن انطلاق «صناعة سينمائية» محلية أو عن «الازدهار غير المسبوق» للسينما الوطنية إنما هو مجرّد أضغاث أحلام، سرعان ما سيستيقظ أصحابها منها بمجرد توقف «الصندوق» عن توزيع «خيراته»، حيث سنعود مباشرة إلى النقطة الصفر. لذلك قد يتعين، بدل هذا الرضى عن الذات الذي يصل إلى حد الغرور، أن نعيد التفكير في صندوق الدعم بما من شأنه أن يعطي انطلاقة فعلية لصناعة سينمائية وطنية، وذلك بالذهاب في اتجاهات أخرى جديدة على رأسها ربط العلاقة بالجمهور (المحلي والخارجي) وإعادة فتح القاعات السينمائية المغلقة ودعم بناء قاعات جديدة (في الأحياء السكنية بالخصوص)... بدون ذلك سوف نستمر في دعم أفلام- أشباح لا يشاهدها أحد، وسوف تستمر قاعات العرض في إغلاق أبوابها واحدا تلو الآخر إلى أن نصحو ذات يوم على نهاية حلم (وهم؟) جميل كان يدعى «السينما المغربية».