يتخذ عبد الله ساعف، الباحث الأكاديمي، رواية الكاتب الألباني إسماعيل كاداري «قصر الأحلام» متنا يمتطيه لكي يعبر من خلاله عن رؤيته للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وكذا عن أحلام الشعب ورؤاه بل ونبوءات بعض أبنائه، هذه الأحلام التي تختلف باختلاف طبقات الشعب وانتماءاتهم. السطور التالية هي أيضا قراءة خاصة بعبد الله ساعف في تحولات الساحة السياسية المغربية في الفترة الأخيرة وخاصة خلال سنة 2007. أنا واحد من أولئك الذين قرؤوا متأخرين كتاب الكاتب الألباني إسماعيل كاداري. لقد خبرت الشغف الذي خبره كل محب للأدب في الثمانينيات تجاه مؤلف «جنرال الجيش الميت»، الذي أعدت قراءته عدة مرات. لقد أعجبني كتاب «قصر الأحلام»، وهو واحد من روائعه. ارتبطت بمؤلفه ذاك رغم أنني كنت بعيدا كل البعد عن مشاطرته آراءه عن التجارب الاشتراكية في أوربا وفي مناطق أخرى من العالم. في تلك الرواية، كلف البطل وهو داخل السلطة، في قلب نواة المركزية بالسرايا، بأن يجمع ويصنف ويحلل الأحلام التي تأتيه من جميع أنحاء المملكة، حتى من أنأى مناطق البلاد، بعد أن يتم تدوينها وحفظها من قبل عدد من المصالح والعملاء الرسميين، السريين والعلنيين، وممثلي السلطة بجميع أنواعها. وصفت أنشطة السلطة وممارساتها بكونها حركة متواصلة لا تتوقف بأي وسيلة كانت، خاصة ما بين السلطة المركزية ومختلف مواقع استقبال ومعالجة الأحلام على المستوى المحلي، الإقليمي، الجهوي عبر جميع مناطق البلاد. بفضل مزاياه وعمله وربما أيضا بفضل صلة القرابة (البطل هو قريب أحد كبار رجال السلطة في النظام)، تم تعيينه في هذا القسم، في رتبة عالية، مكلفا بتأويل الأحلام وتفسيرها. ويبين الراوي القلق الذي تعيشه هذه الإدارة التي يتمحور عملها حول الأحلام، الأحلام التي تشكل في الرواية بؤرة جميع الأعمال والحركات والأوضاع والنضالات ونمط العيش المتفق عليها بين كبار الشخصيات السياسية. منطق الحكي ككل يقود القارئ إلى لغز الحلم المهيمن، حلم الأحلام، والذي يصب معناه في الحقيقة التي توجد في طور التشكل. في نهاية الكتاب، تنتهي القصة بحدوث زوبعة في قمة هرم السلطة، حيث يحدث عدد من الاغتيالات، ويتم استبدال عدد من رجالات السلطة الأقوياء. وتبدو هذه الكارثة واضحة في حلم أحلام اللحظة، بالنسبة إلى أولئك المتمكنين من علم الأحلام. لكن إسماعيل كاداري لا يعطينا مفاتيح سياسية لقراءة الأحلام، بل إنه يلفت الانتباه إلى المظاهر القديمة للإشكالية القديمة المتعلقة بالعلاقات الرابطة بين الحلم والسياسة. على بعد أيام من نهاية عام 2006، وفي فضاء، يبدو لي خالدا، من فضاءات أكدال العتيقة في الرباط، والذي أسعد منذ سنوات بالتردد عليه، جلست أتجاذب أطراف الحديث مع صديق، مناضل قديم من العدل والإحسان، وكنت أسأله عن مسألة الأحلام الجماعية والفردية في رحلة نضالهم ككل. أجابني بثقة كبيرة بأن أحداثا خارقة ستحدث، موضحا أن ما سيحصل سيتجاوز مستوى الأحداث المعتادة من قبيل المظاهرات والثورات وحركات العصيان أو حتى الكوارث الطبيعية.. أن تطورات من حجم كبير سوف تحدث.. تطورات نوعية وعظيمة. أصغيت بانتباه كبير إلى مدى قناعة صديقي بهذه النبوءة، إلى درجة أنني قضيت الأيام التالية في انتظار ما كان سيحدث والذي لم يحدث منه شيء في متم الأمر. انتهى العام على حلم ياسين وأتباعه دون أن يتحقق الحلم بأي شكل من الأشكال، أو على الأقل على حد علمي. لم تحدث أية وقائع خارقة تم الكشف عنها بشكل علني. وبإمكاننا أيضا أن نتساءل إذا ما كانت هناك أحداث خارقة، تستحق بعد التحليل والتمحيص، أن تذكر من بين أحداث عام 2007. وفي نهاية الأمر، ألم تكن سنة 2007 سنة فارغة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا؟ سيكون من المبالغ فيه أن نوافق على هذا القول لأنه وكيفما كان الحال فإن عام 2007 كان بحق أول عام في العهد الجديد، كان عام التقارير وعام الانتخابات، وعام الحكومة الجديدة وعام مشروع الحكم الذاتي الموسع، عام الأشغال الكبرى، عام الاحتفال بالذكرى الخمسينية للاستقلال، وعام أشياء أخرى كثيرة، مما يعني أنه مهما كان الأمر فإنه كانت ثمة أحداث. عام 2007، استمرت كوابيس الماضي تطارد المغاربة، ويبدو إرث الحقب السابقة من الحياة السياسية وكأنه يلاحقهم إلى قلب حصونهم المنيعة، عبر البحث المستمر عن الإنصاف إزاء الخروقات الخطيرة ضد حقوق الإنسان والمناطق الرمادية في السيادة الوطنية ورموزها من إدارات الاستعلامات والدرك والجيش. وحسب ما تبينه قضية بنبركة واستجواب المسؤولين الكبار من قبل السلطة القضائية، فإن طي صفحات بأكملها لا يزال بعيد المنال. وجاءت قضية الإبادة الجماعية الجديدة التي يقول بها خصوم الأطروحة المغربية حول الصحراء ضد مسؤولي البلاد أمام القضاء الإسباني لتنضاف إلى هذه الوساوس القديمة. ورغم أن العمل والمجهود الذي بذل في معالجة الذاكرة السياسية، كما بذل بالخصوص في ما يتعلق بما سمي «سنوات الرصاص»، كان مجهودا كبيرا، فإنه ترك ثغرات كبيرة، ذلك أنها لم تعكس النوايا الديمقراطية والحقوقية الحسنة المعلن عنها من قبل السلطة، كما لم تمكن من تفادي الحدة الظرفية التي عبر عنها المعارضون الحاليون من وسائل إعلام وإسلاميين وعاطلين عن العمل سواء منهم حاملو الشهادات أو غير الحاصلين عليها، ومعاقين ومتظاهرين في وجه غلاء المعيشة وسوء المعيشة أو الموت. ترجمة سناء ثابت يتبع