على طول الطريق المؤدية إلى منطقة سيدي علي تسلك سيارات كثيرة طريقا واحدا متتبعة لوائح الإرشادات المنتصبة على طول الطريق المكتظ. رجال الدرك المنتشرون على طول الطريق كان لهم دور آخر هذه السنة غير تنظيم ومراقبة حركة السير، فإلى جانب هذه المهمة صاروا يفتشون كل السيارات المشبوهة وأيضا سيارات الأجرة والنقل المزدوج لمنع وصول الشواذ جنسيا إلى الموسم، بعدما صاروا خلال سنوات سابقة لصيقين به. يقول أحد المسؤولين في جهاز الدرك: «لقد تلقينا تعليمات بمنع وصول الشواذ إلى الموسم ونحن ننفذ الأوامر». ويضيف المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه: «كل من ضبط متشبها بالنساء بطريقة مائعة نقبض عليه ونقدمه للعدالة، كما منعنا أفواجا أخرى من الوصول إلى المنطقة حفاظا غلى سمعتها التي تدنست في السنوات الأخيرة». غير أن إطلاق سراحهم، يضيف، يفقد مثل هذا النوع من الحملات جدواه. لم تخف بعض المصادر أن منع الشواذ من حضور موسم سيدي علي مس الرواج التجاري المعتاد بالمنطقة. كما أن خبر الاعتقالات الذي سرى كالنار في الهشيم بين سكان المنطقة، منع أناسا كثيرين من الحضور. يقول محمد.س، أحد التجار في المنطقة:«الموسم خاوي هاد العام...الناس خايفين، خصوصا الشواذ». ليل سيدي علي كنهاره على امتداد سبعة أيام....«هديات» وذبائح دون انقطاع. نساء يائسات يتبعهن أزواجهن وأبناؤهن مقدمين الهدية أو «العادة» كما يسمونها إلى «لالة عيشة»، وهي عبارة عن أطباق تحتوي على الحليب والسكر والشمع والحناء، بالإضافة إلى الذبائح التي قد تكون عجولا سمينة مثلما قد تكون دجاجة سوداء... تقدم إلى حفرة مظلمة على إيقاع أهازيج كناوة وحمادشة وعيساوة وما يرافقها من طقوس الحضرة والجذبة وسط سيول دماء رسمت أخاديد حمراء يهدأ روع الثائرين عند رؤيتها وهم يصرخون «هاهي جات لالة عيشة». ومن أجل لالة عيشة أيضا، يضرب رجال ونساء ثائرون أيديهم بسكاكين حادة أمام «الحفرة» حيث يقال إنها مرت منها. وتراهم غارقين في عالم خاص يشربون ماء ساخنا وينفثونه على الناس، ويضربون أيديهم وأرجلهم بالسكاكين في مشهد فريد يزداد غرابة مع تكسيرهم الزجاج ورفسه بأيديهم وأقدامهم الحافية، وأكله في بعض الأحيان. البعض منهم يسرع مباشرة بعد ذلك إلى المستوصف الصحي الوحيد بالمنطقة لتضميد كدماته وجروحه، فيما تبقى الندوب المرسومة على اليدين والرجلين علامة فخر بالنسبة ل«مجدوبين» آخرين. يتلقى المستوصف الصحي الذي يوجد به طبيب واحد وممرض حالات كثيرة، فهم يعملون ليل نهار ودون انقطاع طوال أيام الموسم. وتتوزع الحالات بين إغماءات، وهي الحالات الكثيرة، والجروح وأمراض الأمعاء. بدأ موسم هذه السنة بهدايا كثيرة، فطقوس الزيارة تقتضي المرور بسيدي أحمد الدغوغي، وبعدها سيدي علي بن حمدوش ثم لالة عيشة. وكانت أولى الهدايا البارزة خلال هذه السنة هدية لاعب كرة قدم مشهور حضر رفقة بعض معارفه وذبح ذبيحة كبيرة عند عتبة لالة عيشة. تلاه عدد من الممثلين والفنانين الشعبيين، الذين حضر بعضهم متخفيا في مناديل وجلابيب فضفاضة تقيهم أعين الناس. كانت ليلة السابع في الموسم هي الليلة الرئيسية، حيث كان يحضرها الوالي والعامل وكذلك «مقدمو» الضريحين معا، سيدي علي بن حمدوش وسيدي أحمد الدغوغي، حيث يمتطون صهوة جيادهم رافعين الأعلام، وجماهير الناس تتمسح بهم وتكسر قللا طينية فوق الرؤس درءا للأشرار والمساوئ. هذه السنة لم يحضر الوالي كما لم ينزل شرفاء الضريحين لمعانقة الزوار. ولم يبق غير هدية القصر التي سرقت أضواء اليوم الأخير.