دخل الأطباء الداخليون والمقيمون بالمراكز الاستشفائية الجامعية بالرباط وفاس والدار البيضاء ومراكش أول أمس في إضراب لمدة ثلاثة أيام ينتهي اليوم الخميس، وهو حلقة أولى في سلسلة من الإضرابات قررت اللجنة الوطنية للأطباء الداخليين والمقيمين المنضوية في النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام خوضها خلال الأسابيع المقبلة، حيث سيخوضون إضرابين متتاليين أيام 3.2.1 أبريل و10.9.8 أبريل. وقال مصدر من اللجنة الوطنية ل«المساء» إنه في حال عدم التجاوب مع مطالبهم المشروعة بعد هذه السلسلة من الإضرابات فإنهم قد يلجؤون إلى إضراب مفتوح من شأنه أن يزرع «الشلل» في قطاع الصحة، ويرتدون البذلة السوداء، علامة الحداد على القطاع، عوض البذلة البيضاء. وقال محمد بوبكري، رئيس النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، في تصريحات ل«المساء» إن الإعلان عن هذه السلسلة من الإضرابات جاء بعد مطالب متكررة لفتح حوار مع الوزارة من أجل الملفات المطلبية لأطباء الصحة العمومية بشكل عام والأطباء الداخليين والمقيمين بشكل خاص، وتماطل وزيرة الصحة ياسمينة بادو التي كانت تعهدت في لقاء مع مجموعة من الأطباء في فاس بعد تعيينها بفتح الحوار مع النقابة المستقلة، ثم تراجعت تحت ضغط المركزيات النقابية التي طالبت بمأسسة الحوار الاجتماعي. وقال بوبكري إن مبرر عدم التمثيلية الذي تتذرع به الوزيرة لرفض الحوار مع النقابة المستقلة غير مقبول، لأن النقابة شاركت في انتخابات اللجان الثنائية المتساوية الأعضاء الخاصة بأطباء القطاع العام عام 2003 وحصلت على 35 في المائة، وهو ما يعني حسب بوبكري أكثر من النسبة المنصوص عليها قانونا، كما أن النقابة المستقلة تتوفر على ممثل واحد داخل اللجان الوطنية الثنائية من أصل ممثلين اثنين، أي 50 في المائة، مقابل 50 في المائة الأخرى لفائدة جميع النقابات. وأوضح بوبكري أن تصعيد النقابة لاحتجاجاتها ناتج عن هذا الوضع الذي لا تريد الوزارة الوصية الاعتراف به بضغط من النقابات، وقال: «في حال عدم الاستجابة لمطالبنا المشروعة فإننا خلال انعقاد المجلس الوطني للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام يوم 19 أبريل المقبل سوف نتخذ خطوات نضالية أخرى». وسبق للجنة الوطنية للأطباء الداخليين والمقيمين، المنضوية تحت لواء النقابة المستقلة، أن نظمت عدة إضرابات واعتصامات ووقفات احتجاجية أمام مقر وزارة الصحة، للمطالبة بتسوية أوضاع هذه الفئة من أطباء القطاع العام المعلقة منذ ثلاث سنوات. ودعا بيان للنقابة المستقلة، توصلت «المساء» بنسخة منه، إلى التعجيل بفتح ملف الأطباء الداخليين والمقيمين ضحايا الممارسات الطبية من وفيات وإصابات مرضية خطيرة، والإدماج المباشر في الوظيفة العمومية في السنة الأولى من الإقامة، واحتساب سنوات الأقدمية، والتعويض عن الحراسة والمردودية والأخطار ومراجعة التعويضات الهزيلة، والتي تصل إلى 1500 درهم بالنسبة إلى الأطباء الداخليين و2000 درهم بالنسبة إلى المقيمين، وإصلاح ظروف التكوين ومنظومة قيم المعارف. وينص القانون المنظم لقطاع الصحة على أنه بعد ستة أعوام من الدراسة في كلية الطب يختار الطالب بين خيارين، إما وضعية طبيب داخلي في أحد المراكز الاستشفائية لمدة عامين آخرين، بعد اجتياز مباراة، يصبح بعدها طبيبا مقيما، وإما إكمال دراسته عامين آخرين يجتاز بعدهما مباراة لكي يصبح طبيبا مقيما، وتعتبر السنة الأولى في مرحلة الإقامة هي الخطوة الأولى في التخصص الذي يستغرق أربع سنوات بالنسبة إلى تخصص جراحة العظام وخمس سنوات بالنسبة إلى شعب الطب العام، وبعد ثماني سنوات في كلتا الحالتين يتم الولوج إلى مرحلة التخصص التي تستغرق من أربع إلى خمس سنوات، حسب التخصص الذي يختاره الطبيب. وقال أحد الأطباء المقيمين ل»المساء» إن جميع الأطباء الداخليين والمقيمين لا يستفيدون من التغطية الصحية ولا من الحماية القانونية، رغم أنهم هم الذين يقومون بجميع المهام ويقررون في حالة المرضى، مما يعرضهم للمتابعات القانونية، كما حصل لأحد الأطباء الداخليين في فاس المتابع بتهمة التستر على جريمة قتل لأنه قام بتوقيع شهادة وفاة لشخص عاين حالته دون أن يكون لديه علم بأنه تعرض لاعتداء. وأضاف نفس المتحدث الذي رفض الكشف عن اسمه أن غالبية الأطباء المقيمين في مستشفى ابن سينا لا يغادرونه لأن الأجرة التي يتقاضونها لا توفر لهم حتى أبسط الاحتياجات، مذكرا بحالة طبيب داخلي من الحسيمة لم يزر أسرته منذ خمس سنوات، تهربا من مواجهة مطالب أسرته ونظرات الناس إليه. وكشف نجيب الإدريسي، وهو طبيب مقيم بالمركز الاستشفائي ابن سينا، أن بعض الأطباء الداخليين والمقيمين أصيبوا خلال عملهم بأمراض خطيرة مثل السيدا وداء الفيروس الكبدي من النوع الخطير، لكنهم لم يستفيدوا من أي علاج مجاني بحكم أن صفة الطبيب الممنوحة لهم تلزمهم بالأداء، وقال إن عددا من الطبيبات الداخليات والمقيمات فضلن وضع صفة «بدون» في خانة المهنة ببطاقة التعريف الوطنية عوض «طبيبة» للاستفادة من التأمين مع أزواجهن، وذكر أن أكثر من 90 في المائة من هذه الشريحة تعيش عالة على أسرها. وقال مبارك العامري، وهو طبيب مقيم، إن الأوضاع التي تعيشها فئة الأطباء الداخليين والمقيمين كارثية جدا، وعبر عن قلقه من انعكاس تلك الأوضاع على قطاع الصحة عموما، وقال إن حالة هذه الفئة تعكس تناقضا كبيرا في الخطاب الرسمي للدولة، ففي الوقت الذي تتحمل هذه الفئة المسؤولية عن أعمالها والقرارات الطبية التي تتخذها خلال مزاولتها لعملها، نجد في المقابل أنها لا تتوفر على الحماية القانونية والتغطية الصحية، وقال: «إذا كانت هناك مسؤوليات وواجبات، فيجب أن تكون هناك حقوق أيضا».