عرفت الشبكة العنكبوتية اكتساحا لعدة مجالات منها السياحة، لكن هذه المرة ليس طلبا لربح مادي بل لتكريس مبدأ إنساني عرف به المغرب منذ القدم وهو مبدأ الاستضافة، عبر مواقع وصل عدد المشاركين فيها إلى نصف مليون يحبون السفر ويعشقون الترحال ويزورون بعضهم البعض ويحكون قصصهم وتجاربهم على الموقع. بعد التعارف على الإنترنيت انتقلوا إلى اللقاء المباشر في أحد منازل المشاركين المغاربة في مدينة مراكش، حيث وصل عدد المشاركين المغاربة والأجانب 30 شخصا. طوال ثلاثة أيام اشتركوا فيها في الأكل وأماكن النوم وبرنامج الزيارة وأحاديث طويلة عن تجارب السفر والثقافة والسياسة والدين، ليكتشف كل وجهة نظر الآخر وتذوب بينهم الفوارق وتضيع في ذاكرتهم الأحكام المسبقة والكليشيهات. من السياحة إلى الضيافة ومن الجلوس أمام الكومبيوتر إلى بيوت المستضيفين، مسافرون يعتبرون السياحة تفرجا على حياة الناس من بروج عاتية يفضلون العيش المتواضع في بيوت الناس العاديين ليستفيدوا ثقافيا واجتماعيا من الآخر وليحسوا بأبسط تفاصيل حياته اليومية. بمراكش مدينة السياحة المغربية الأولى انعقد قبل مدة أول اجتماع مغربي للمشاركين في الموقع الضيافة المشهور «كوشسورفينغ» في نفس الوقت الذي عقد فيه المؤتمر العالمي الخامس في التايلند ليكون أكبر اجتماع بعد أن وصل عدد المشاركين في الموقع إلى 402، 932 مشاركا عبر 223 دولة وأكثر من 35، 173 مدينة. يتميز الموقع بتعدد لغاته وجودة نظامه إذ يمكن فيه للمشارك أن يضع وصفا شخصيا لذاته وكذلك لصفات الناس الذي يفضل لقاءهم أو استضافتهم، ويمكنه وضع ألبوم صوره وتجاربه في الدول والأماكن التي سبق أن زارها، لكن المهم في نجاح هذا الموقع هو نظام الثقة الذي وضعه مؤسسوه، حيث إنه على المسافر الذي يزور أحد المشاركين عليه وضع نقطة تقيم زيارته له، وهكذا كلما كان للشخص عدد كبير من الزوار يسهل عليه أن يجد بيتا يؤويه في أي مدينة يزورها عبر العالم بالمجان، فقانون هذا الموقع لا يسمح بأي ربح مادي من وراء هذه الاستضافة، يجمع الموقع كل الأطياف والديانات والأعراق البشرية لكن ما يثير الانتباه هو وجود أناس بطبيعة حياة خارجة عن المألوف، شباب في العشرينات طافوا العالم طولا وعرضا بحثا عن الذات، فيهم من زار أكثر من 60 دولة في عامين تعلم فيها في مدرسة الحياة ما لا يمكن تعلمه في 60 سنة، رصيدهم اللغوي غني بأكثر من 5 لغات يتقنونها، كما أنهم ذاقوا أنواع الطبخ العالمية وجمعوا رصيدا وافرا من الأصدقاء عبر العالم . يقول «جان» 22 سنة الهولندي الجنسية: «أدرس في إسبانيا الصحافة وقد انتهزت فرصة قربي من المغرب لأكتشف ثقافته وقد عشت في هولندا فترة في حي يسكنه المغاربة، مما أثار فضولي لأسافر إلى المغرب وأتعرف إلى مغاربة الداخل الذين وجدتهم حقيقة مختلفين عن مغاربة أوروبا، اكتشفت الموقع مؤخرا و مازلت أجد صعوبة في العثور على المضيفين لأن صفحتي في الموقع لا تتوفر على الكثير من تعليقات الأصدقاء، لذلك من الصعب أن يثق بي المضيفون، لكن لحسن حظي أنني التقيت في هذه المناسبة 30 مشاركا ربطت مع بعضهم صداقات، ويمكنهم أن يكتبوا في صفحتي رأيهم في». ويحكي «باديليس» 23 سنة اليوناني الجنسية عن تجربته قائلا: «زرت الكثير من الدول، منها دول أثارت انتباهي لأن فيها مشاكل أو صراعات، فأردت أن أعرف الحقيقة، ففلسطين مثلا زرتها في خضم الصراع لكن وجدت الحقيقة مختلفة عما يرويه الإعلام الغربي الذي يجعل من حدث صغير زوبعة إعلامية ويخفي الكثير من الظواهر التي تمكن مشاهدتها في الزيارة عبر مخالطة الناس العاديين في بيوتهم ومحلاتهم، كما أنني كلما أحسست بالوحدة أو بأنني ضائع في مكان ما أستعمل الموقع الذي أتمكن فيه بمعرفة المستضيفين والمسافرين الذين يتواجدون على بعد 100 كيلومتر من حولي بواسطة نظام رصد الIP وبذلك أجد رفيقا لرحلتي أو أحد السكان المحليين الذي يرشدني إلى المناطق السياحية أو المطاعم الجيدة التي علي زيارتها. أما عن تجربة الأمريكي «الي» 28 سنة فيقول: «قبل زيارة المغرب، وهو أول بلد إسلامي وعربي أزوره، كنت أسمع عن خطورة السفر إليه وأن أحدا لن يرحب بي إن علم بأني من أمريكا التي تحارب كل شيء وفي كل مكان، لكن ما وجدته هو حسن الضيافة وطيبة الشباب المغربي، حيث أحسست بأني أعرفهم منذ فترة طويلة وحزنت لفراقهم. وقد أكد لي كل من زوار المغرب من الذين راسلتهم في الموقع أن المغرب بلد جميل وغني ثقافيا وأنه آمن ما يكفي لكي أستمتع بسفري وأكتشف عالم جديدا بالنسبة إلي». أما «يونس» 24 سنة ابن مدينة مراكش فقال: أنا أقدم مشارك في هذا الموقع، تعرفت عليه من خلال صحفية كندية كانت تقوم بروبورتاج عن السياحة في المغرب منذ 3 سنوات، استضفت الكثير من الأجانب من العالم بأسره، إذ يرسلون إلي رسائل يعلمونني فيها بوقت وصولهم إلى مراكش ويقيمون في منزلي يأكلون مما آكل وينامون بكل تواضع في أي مكان، استفدت من الموقع كثيرا من حيث اللغة فأنا وبسبب عملي في السياحة أتقن العديد من اللغات، فمشكلة التواصل محلولة، والمشكلة الرئيسية في مراكش وربما في مدن سياحية أخرى هي أن رجال الشرطة يظنون عندما يروك ترافق ضيوفك وتتجول معهم في جامع الفنا مثلا أنك «فوكيد» ويمكن أن يقتادوك إلى مركز الشرطة للاستجواب». أما عن تجربتي في السفر فقد بدأت بشكل مفاجئ، ففي إحدى العطل قررت أن أقوم برحلة في ربوع المغرب من شماله إلى جنوبه، فقررت تجريب الموقع كمسافر هذه المرة، لكني كنت أظن أن أحدا لن يستضيفني لأني مغربي ففوجئت بحفاوة استقبال إخواني المغاربة، إذ لم أحجز غرفة في أي فندق في كل المدن التي زرتها، لأن عدد مستعملي هذا الموقع بلغ 1024 شخصا ينتشرون عبر كل المدن.