التاسعة ليلا، لازال سيل السيارات يتهاطل على قرية مداغ لحضور الليلة الكبرى التي ستقام بعد أقل من ساعة بحضور شيخ الطريقة القادرية البودشيشية، رجال الأمن يحاولون بصعوبة تنظيم حركة المرور في المعبر الوحيد القادم من بركان إلى مقر الزاوية، بدا أن الأمور تنزلق من بين أيديهم، وتحول المكان إلى خلية نحل حقيقية، بحيث فقدوا السيطرة على الوضع، وزاد تساقط بعض الأمطار في تلك اللحظة من صعوبة المهمة. كانت الحافلات التي تقل الوفود القادمة من مختلف المناطق قد وصلت مبكرا وأخذت مكانها في الساحة الواسعة المخصصة لها، بعد رحلة طويلة قطعها فقراء الزاوية لحضور احتفالات المولد وزيارة الشيخ حمزة، لكن الكثيرين لم يتمكنوا من تحقيق ذلك الحلم، بسبب العدد الكبير للمريدين واستحالة استقبالهم جميعا من قبل الشيخ الذي جاوز عمره الثمانين، بعض المريدين قطعوا مئات الكيلومترات وعادوا خائبين، لكن الفرحة لم تكن تغادر وجوههم، فزيارة الزاوية بالنسبة للمُريد هي في حد ذاتها حدث يستحق الاحتفاء به رغم متاعب السفر وعناء الطريق. وقال أحد المريدين القادمين من المناطق الجنوبية إن الرحلة من كلميم إلى مداغ استغرقت خمسة أيام كاملة على متن الحافلة التي تعطلت بهم في الطريق ليوم كامل، لكنه رغم ذلك يعتبر وصوله إلى الزاوية إحدى الكرامات الصوفية التي تحققت في النهاية، فالصوفي يرى أن الوصول إلى المحبوب مطلوب مهما كانت الصعاب. في القاعة الكبرى التي احتضنت حفلة السماع الصّوفي احتشد عشرات المئات من المريدين، وفي الخارج وُضعت شاشات كبرى لنقل وقائع الاحتفالات. في الطابق السفلي من المبنى الضخم كان الشيخ حمزة يجلس في صدر القاعة متكئا على فراشه، إلى يساره جلس ابنه حميدة، عامل مدينة بركان، وإلى يمينه حفيده منير، إبن جمال الذي يقال إنه وارث سر والده من بعده وخليفته على رأس الزاوية، وقبالتهما حلقة لفرقة الأمداح الصوفية البودشيشية تنشد بردة البوصيري وهمزيته وبعض الأمداح الصوفية الأخرى المقررة لدى الطريقة. هذا العام لوحظت لأول مرة مشاركة فرقة للسماع الصوفي من الأقاليم الجنوبية بالزي الصحراوي. إنها طريقة لتأكيد دعم الزاوية لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء التي طرحها المغرب، ويقول أحد المريدين إن الشيخ حمزة في السبعينات وزع على فقراء الطريقة ورقا خاصا بالصحراء والوحدة الترابية للمغرب، رغم حالة الجفاء بين الزاوية وبين الحسن الثاني تلك الفترة، خصوصا بعد خروج عبد السلام ياسين برسالة «الإسلام أو الطوفان» التي جعلت الدولة تتوجس خيفة من احتمال تفريخ الزاوية لحالات أخرى قد تأتي من داخلها. وفي الوقت الذي بدأت فيه الأناشيد الصوفية تعالت الأصوات في القاعة ومعها الرغبة في الرقص والجذبة الصوفية التي جعلت العديد من المريدين يتصببون عرقا، رغم أن الليلة كانت باردة وممطرة. سرت العدوى في الجميع، مغاربة وأجانب، كبارا وصغارا، وقف أحد المجاذيب الذي كان يجلس في الصف الأمامي واضعا في عنقه سبحة كبيرة وبدأ يهتز، ثم جلس وأخذ يردد الإسم الأعظم وبعض الأصوات المبهمة. إنه واحد من المريدين الذين يأتون للزاوية لتلقي «العلاج الروحي»، هكذا يرى الجميع. ويقول رشيد رشيق، وهو أستاذ لعلوم التجارة بمونريال بكندا اعتاد على حضور هذه الاحتفالات كل عام منذ ثلاثين سنة، إن الشيخ حمزة يعالج مرضى النفوس كما يعالج الطبيب مرضى الأبدان، ويشبه الأوراد التي يعطيها الشيخ للمريد بالوصفة الطبية التي يعطيها الطبيب لمريضه. ويضيف رشيق أنه لا يستطيع خيانة العهد الذي يربطه بالشيخ حمزة منذ أول يوم قرر الانتماء للزاوية وقابل الشيخ وتمت بينهما «المصافحة»، لكنه يفرق بين السلوك والجذبة، فالأول هو السير على الطريق وفق تعاليم الشيخ بأمانة واتباع الأوراد التي يتلقاها المريد منه، أما الجذبة فهي الحالة التي تحصل لمن يخرج عن تلك الأوراد ويحاول الاجتهاد فيها، مما يعرضه للضياع والجنون.