«سيرة هذا الرجل تستحق أن تروى في مسلسل من ستين حلقة» يقول بلقاسم بلوشي، مؤلف كتاب «بورتريهات رجال سياسيين من المغرب». فدليل الالتزام الحقيقي لدى الفقيه لم يكن يتجسد سوى في خيار العمل المسلح، ولم تكن حكاية المناورة السياسية والضغوط الشعبية لتقنعه بالكف عن ذلك، ليس ضد الملكية فقط، بل إن ذلك بدأ بعيد نفي محمد الخامس، ليسارع إلى تأسيس الجناح المسلح لحزب الاستقلال. قدرته كبيرة على التخطيط، الاستراتيجي منه على وجه التحديد. يمتلك كل مقومات القيادة من كاريزمية وإقناع. هادئ وكتوم. اكتسب في سنوات النضال ضد الاستعمار تجربة وخبرة، مكنتاه من الفرار من السجن المركزي للقنيطرة. وأصبح منذ عودة محمد الخامس يحظى بتقديره الشخصي، فساهم في البداية في تهدئة فورة عناصر جيش التحرير، وإدماجهم في مؤسسات الدولة الفتية. شكل إلى جانب عبد الرحمان اليوسفي تيار اليساريين الأكثر راديكالية حينها، مع احتفاظه بتأثير على محاربي جيش التحرير. ليتحول تدريجيا إلى الخيار الراديكالي في تغيير واقع حكم الحسن الثاني المتأرجح بين مد وجزر وانتخابات مزورة. وبات يقود شبكة من قدماء المحاربين وبعض الشبان القادمين من معسكرات سوريا وليبيا، والهدف: الإطاحة بملك الحسن الثاني. أكثر من المعارضة السياسية، راح الفقيه البصري يشاغب الملك الراحل في أكثر ملفاته حساسية: ملف الصحراء، وبات يقيم في حضن ألد أعدائه الخارجيين: الجزائر وليبيا وسوريا. بل قد يكون الأمر نفسه مع أعدائه الداخليين، على رأسهم الجنرال أوفقير. وبعد رحيل هذا الأخير، لم يتردد البصري في إرسال مقاتليه المنطلقين من التراب الجزائري، لتنفيذ ما يعرف بمؤامرة مولاي بوعزة سنة 1973. آخر قنابله انفجرت في وجه رفيقه عبد الرحمان اليوسفي، والمتمثلة في رسالته الشهيرة التي ظهرت مع حكومة التناوب الأولى، والحاملة لاتهام مباشر لكل من اليوسفي وعلال الفاسي وآخرين، بالضلوع في مؤامرات أوفقير ضد الحسن الثاني.