زوال الأربعاء الماضي أمسك رجل بندقية صيد ووجهها نحو أخته، وهي في الخامسة والستين من عمرها، وأرداها قتيلة. بعد ذلك خرجت ابنتها تهرول مفزوعة فأطلق عليها النار فنجت من الموت بأعجوبة ونقلت إلى المستشفى بين الموت والحياة. مكان الجريمة هو منطقة القصر الصغير على بعد 40 كيلومترا شرق طنجة، ومن يعرف هذه المنطقة فإنه لن يصدق أن مثل هذه الجريمة يمكن أن تحدث هناك. كانت هذه المنطقة تعيش على السمك والزراعة وتهريب بعض المواد، واليوم، عندما اقترب منها ميناء طنجة المتوسطي، فإن لعنة التنمية الخرقاء تحاصرها من كل الجهات. الحكاية كما يرويها سكان المنطقة المجاورة للميناء بدأت قبل سنوات عندما ورثت عائلة قطعة أرضية كبيرة. وبقي الأمر على ما هو عليه حتى بدأ العمل في ميناء طنجة المتوسطي، وجاء السماسرة والوسطاء يبحثون عن قطع أرضية رخيصة لم تطلها عملية المصادرة ليبيعوها لمستثمرين أجانب بسعر الذهب، فبدأت المشاكل، وأصبح الأخ يقتل أخته من أجل حفنة من التراب. وقبل هذا الحادث شنق رجل معاق نفسه قرب ميناء طنجة المتوسطي لأن وكالة طنجة المتوسطي انتزعت منه أرضه. ترك هذا الرجل خلفه ثلاثة أبناء ورحل. ما أروع هذه التنمية القاتلة وما أبهج نتائجها. وقبل حادث القتل وحادث الانتحار فإن رجلا مسنا توقف قلبه عن الخفقان حزنا بعد أن صادروا أرضه قرب ميناء طنجة المتوسطي، ولم يحتمل ذلك الرجل كيف تسطو «التنمية» على أرض أجداده التي سيتركها لأحفاده، فتوقف قلبه كمدا وذهب إلى دار البقاء. وقبل بضعة أسابيع تواجهت عشرات الأسر في مدشر الخرب في الطريق بين طنجة وتطوان من أجل الأرض وسقط جرحى ودّق إسفين إلى الأبد بين أسر وعائلات تعايشت على مدى قرون في سلام. ومنذ أن بدأ العمل في ذلك الميناء الغريب فإن ثلاثة أشخاص فارقوا الحياة حتى الآن. معاناة سكان منطقة ميناء طنجة المتوسطي لا تتعلق فقط بالتنقل والانتحار وتوقف القلب عن الخفقان، بل إن المئات من السكان هناك لا يفهمون كيف أنهم حرموا من العمل في مشاريع الميناء ويقولون إن المسؤولين عن التشغيل يطلبون منهم شهادات دراسية، ثم يكتشفون أن العمال الذين تم تشغيلهم من أماكن ومدن بعيدة أغلبهم أميون، هذا يعني أن الأمية في المدن المغربية الأخرى أفضل من الأمية أو الشهادة الابتدائية في منطقة الميناء. في المنطقة قرى حاصرها الطريق السيار ولم يعد سكانها يستطيعون التوجه إلى حقولهم أو إلى السوق، أحيانا يضطرون إلى المرور حبواً داخل قنوات المياه المخصصة للطريق السيار، مثلما هو الحال في قرية «العين الحمرا». الجبال الجميلة الخضراء في المنطقة التي كانت تكسوها الخضرة الرائعة كل ربيع تحولت اليوم إلى كتل من أحجار وغبار. جاءت شركات كثيرة وبدأت في تكسير الأحجار على رؤوس القرى والناس. هكذا حولت مقالع الحجارة حياة مئات القرى إلى جحيم، وكثير من المنازل تصدعت أو على وشك الانهيار بسبب تفجير البارود كل يوم. من غريب الصدف أن ميناء طنجة المتوسطي يوجد على بعد 14 كيلومترا من الضفاف الإسبانية، ويمكن للمسؤولين المغاربة أن يأخذوا العبرة من التنمية الإسبانية كيف كانت وكيف حافظت على حقوق المواطنين البسطاء حتى في عز الدكتاتورية أيام الجنرال الراحل فرانكو. في تلك الأيام كانت منطقة الجنوب الإسباني تشبه صحراء قاحلة، وعندما بدأت تزدهر سياحا واقتصاديا فإن الفلاحين الإسبان البسطاء تحولوا إلى أغنياء لأنهم باعوا أراضيهم بأسعار عالية للمستثمرين، ولم يخطف منهم الجنرال فرانكو أراضيهم لكي ينتحروا أو تتوقف قلوبهم عن الخفقان أو يقتل الأخ أخته بسبب سماسرة الأرض.