«جمال الدبوز.. الحقيقة». كتاب يرصد حياة الكوميدي الذي انتصب منذ الرابعة والعشرين من عمره كواحد من أكبر مشاهير الكوميديا في فرنسا. ويعمد الكتاب إلى مقارنة ظروف نشأته وظروف نشأة الكثيرين من المغتربين الذين يعتمل السخط في نفوسهم لما يعانونه من تهميش متزايد داخل أحياء ومساكن شبه معزولة. ومن خلال شهادات وروايات أصدقاء جمال وأقاربه يقدم الكتاب فوتوغرافيا تحليلية لطفولة الكوميدي ومراهقته، ويتجاوز هذه الأرض إلى ما يتماهي مع التحليل النفسي الدقيق لشخصيته التي تلقت في إرهاصاتها الأولى صدمة مأساوية بعد أن اقتلع القطار سنة 1990 ذراعه الأيمن في ظروف أقل ما يقال عنها إنها عبثية. لم يكمل جمال العشرين من عمره حتى دخل باب النجومية من بابه الواسع. وكان جواز سفره الأول المسرح الارتجالي قبل أن يقتحم صيرورة الإنتاج السينمائي بلمسات جمالية رسم بها فعل الذات المشحونة بتناقضات الاغتراب والهوية، والحبلى بمآسي الضواحي.. لم يكن حاضنه «بابي» يدرك شيئا في حمى التجارة السينمائية حتى يفيد جمال الحائر بين العروض التي تقاطرت عليه من كل جهة. قرر الانسحاب والتفرغ لمحترفه المسرحي، بينما اختار جمال الانتقال من طور العروض الارتجالية التي حجز منها تذكرة الإبداع والتألق، كما يقول، إلى طور الإنتاج السينمائي الذي سيتصدر فيه، بعد بضع سنوات، قائمة الممثلين الفرنسيين من حيث الراتب. اقتحم هذا المجال بأشرطة سينمائية قصيرة وأعمال تلفزيونية صغيرة إلى أن عرضت عليه القناة الفرنسية «كنال بلوس» المشاركة في السلسلة التلفزيونية sitcom H مقابل 200 ألف فرنك للحلقة (أزيد من 300 ألف درهم). وقد أبان في هذه السلسلة عن موهبة تعبيرية فريدة، وجمالية نادرة في توصيف الأحداث وتقمصها، حتى إن مسرح «الأولمبيا» الشهير أقام بمدخله لوحة بصورته من عشرة أمتار، هي الأولى من حجمها تقام لفنان قبل أسبوع من العرض. لم يكن جمال حتى سنة 1999، ذائع الصيت في المغرب، إلا أن المسؤولين في «اتصالات المغرب» انتبهوا سريعا إلى المكاسب التي سيحققونها من وصلة إشهارية مع فكاهي فرنسا ونجمها الأول، فعرضوا عليه في يوليوز من نفس السنة وصلة «جوال» مقابل عقد بمليون فرنك تفاوضت بشأنه وكيلة أعماله، نادية مورين التي نجحت في الحصول، في مارس 2000، على عقد آخر بقيمة ثلاثة ملايين فرنك (حوالي خمسة ملايين درهم)، حصتها منها 650 ألف فرنك. لم تكن مداخيله السينمائية تستجيب في البداية لمطامحه، حيث لم تكن تتجاوز في أحسن الحالات 300 ألف فرنك، إلى أن جاء عقد القرن مع «أستريكس وأوبليكس، مهمة كيلوبترا» الذي أدى فيه دور البطولة مقابل خمسة ملايين ونصف مليون فرنك، علما بأن الفيلم، الذي تم تصوير معظم مشاهده بورزازات، كلف غلافا ماليا يقدر بخمسين مليون فرنك. وقد حرص جمال على أن يتم إشراك العديد من الممثلين الثانويين المغاربة، وكذا تخصيص جزء من أرباحه لبعض الجمعيات الخيرية، في محاولة منه لمحو بعض الشائعات بشأن تقصيره المادي تجاه أبناء جلدته المغاربة. «لا أجد من إجابة لمن يروجون لمثل هذا الكلام، سوى التذكير بالمثل المغربي الذي كان يحلو لأمي أن تردده على مسامعي: «دير الخير ونساه». بمجرد انتهائه من تصوير فيلم «أستريكس»، أفضى جمال للممثلين والتقنيين المغاربة بأنه يعتزم إحداث بنية سينمائية بضاحية مراكش تعطي للمنطقة موقعا سينمائيا دوليا. حظي المشروع باستحسان كبير من لدن الحكومة المغربية التي خصصت له، عن طريق ولاية مراكش، بقعة من ثلاثين هكتارا. وما هي إلا شهور حتى أعلن عن إحداث أربعة استوديوهات بتعاون مع سيرج بيرديغو، وزير السياحة سابقا، والمنتج أليكس بيرجي. ويتضمن المشروع أيضا إقامة أربع حلبات سينمائية مع مستلزمات الديكور الخارجي، وقاعات للمونتاج وترتيب المشاهد المصورة، وأخرى للعرض التلفزي والإنتاج الموسيقي، بالإضافة إلى مركز للتكوين السمعي-البصري ومركز إداري للإشراف على الإنتاجات الدولية. وبينما المشروع آخذ في الإنجاز، ظهر فيلم «أستريكس» في القاعات السينمائية محققا في أسابيعه الأولى 14 مليونا و500 ألف مشاهد، وهو ثاني نجاح تجاري في تاريخ السينما الفرنسية بعد «النزهة الكبيرة» (17 مليون مشاهد). وبموجب العقد حصل جمال الدبوز على ما قدره ملياران وخمسمائة مليون سنتيم (12.2 مليون يورو)، وهو أعلى تعويض تقاضاه ممثل فرنسي سنة 2002. ومنذ ذلك الحين، قرر جمال ألا يشارك في أي عمل سينمائي بأقل من مليون يورو، وهو قرار لم يثن الشركات السينمائية وكبار المنتجين عن تقديم العروض تلو الأخرى لمن اعتلى، في السابعة والعشرين من عمره، عرش السينما الفرنسية بدون منازع، وأصبحت صورته في الوصلات الإشهارية تكتسح البيوت في كل أقطار المعمور، ومعها ملايين اليوروات التي حولت حياته من ملقن للأنشطة المسرحية بإعداديته مقابل 2700 فرنك، إلى واحد من أكبر أثرياء السينما والخشبة. «كنت أتمنى طوال حياتي أن أصل إلى ما وصلت إليه مالا وشهرة، كان حلمي أن أسوق السيارات الفخمة، وأن أستقبل مثل الأمير في النوادي الليلية، وأتذوق ما لذ من وجبات في المطاعم الفاخرة، وقد تحقق لي ذلك ولا أشعر بأي حرج أن أكون صاحب مال وشهرة»، يقول جمال من على متن سيارته الفاخرة «فيراري»، وهو يستحضر سيارة بوجو العائلية التي كانت، ذات يوم، تقوده إلى المغرب.