السبب الرئيسي لعدم إقبال المغاربة على شراء الورود راجع بالدرجة الأولى إلى صراعهم مع الحياة لتأمين الخبز اليومي، وهذا ما يجعل تجارها يتحسرون على انتهاء زمن الرومانسية والحب الجميل. ليداليا، والغمباج، وجاربيرا، ومانكارد، وليليس، وعصافير الجنة.. ليست أسماء لنجوم أو قصص سينمائية، بل هي بكل بساطة أسماء لأنواع من الورود والزهور يتميز كل منها عن الآخر بعطره وشكله الخاص، وهناك أصناف كثيرة يزخر بها «المارشي سونطرال» أو السوق المركزي بشارع محمد الخامس بوسط مدينة فاس، حيث يتخذ بعض الشباب، باعة وتجار هذه البضاعة المتميزة، مواقعهم لتزيين طاولاتهم بأشكال مرتبة لأبهى وأجمل الباقات والورود. هذا السوق، يعود فضل تأسيسه إلى المستعمر، حيث كان بيع وشراء الورود حكرا على الفرنسيين آنذاك يهدونه لزوجاتهم وعشيقاتهم ويزينون به غرفهم ويترحمون به على أمواتهم. وقد تبنى بعض المغاربة هذا الموروث الفرنسي مع الاستقلال بتعاطيه كحرفة وتجارة أو شرائه واعتباره عادة شبه يومية تدخل مع مهمة اقتناء الخضروات والفواكه. لكن القليل هم من يقدر قيمة الورود ويفهم ما يرمز إليه كل نوع، وما يعنيه كل لون، لأن جل المغاربة، وأمام ضيق اليد، يعتبرونه أقل قيمة من الخبز الذي يحتل مكانة الصدارة بين متطلبات الحياة اليومية، ولا يهمهم الفرق بين الورد الأحمر والبنفسجي، بقدر ما يهمهم تأمين لقمة العيش لسد الرمق وتغطية الاكتفاء الذاتي من مصاريف تكاد لا تنتهي. «سعيد» شاب في عقده الثالث، تاجر ورود بالسوق المركزي، يؤكد أن تجارة الورود تراجعت بشكل كبير في السوق حيث يقول: «عندما أتيت للاشتغال بهذه التجارة لدى أحد باعة الورود قبل حوالي عشرين سنة، كان الإقبال كبيرا على شراء الورود آنذاك، خاصة من طرف الزبناء الأجانب، وكنا في وقت الظهيرة ننتهي من بيع كل البضاعة. قبل ست سنوات كان ثمن الوردة العادية الواحدة يصل إلى عشرة دراهم، في الوقت الذي أصبحت فيه الوردة تباع بثمن ثلاثة دراهم إلى خمسة، كما أن الباقة المكونة من 12 وردة قد تصل إلى 60 درهما، أما ثمن باقة الورد الخاصة بالخطوبة فيبدأ انطلاقا من 150 درهما ولا ينتهي إلى ثمن معين، وذلك حسب الحجم المرغوب فيه، أما سلات الورد فتبدأ من 50 درهما إلى 250 درهما، بالإضافة إلى ورود تزيين السيارات، والتي تبدأ من 150 درهما ولا تنتهي هي الأخرى عند ثمن محدد، حسب الديكور الذي يرغب به الزبون، كما يمكن أن يصل ثمن تزيين سيارات حفلات الزفاف إلى 3000 درهم»، ويؤكد «سعيد» أن «كل بائع يتوفر على ألبومه الخاص به والذي يحوي صورا لمختلف أنواع الديكورات والتزيين والتي يقوم بإطلاع الزبون عليها من أجل اختيار الشكل المرغوب به في ما يخص تزيين السيارات». ويختلف الإقبال على الورود من قبل الزبناء حسب المناسبات والرغبات الخاصة، بحيث تقبل عليها حتى المؤسسات الخاصة كالأبناك، التي يتم تزويدها مرتين في الأسبوع، والفنادق وزوار المرضى والمحتفلون برأس السنة، والأعياد الخاصة كأعياد الميلاد وعيد الأم وعيد الحب الذي بدأ الناس في السنوات الأخيرة يحتفلون به إكراما لهذا الشعور النبيل وللقديس «فلانتين». الأعراس تنعش تجارة الورود في فصل الصيف تعرف هذه التجارة الخاصة انتعاشة كبيرة، وبالتحديد في شهر غشت، حيث تكثر الحفلات والأعراس، وهو الشهر الذي يعرف أيضا عودة مكثفة للجالية المغربية التي تأثرت بالثقافة الأوروبية، أما في ما يخص الباعة، فيقتنون الورود بأثمنة تتراوح ما بين 30 سنتيما إلى درهمين للوردة الواحدة، ثم يبيعونها للزبون بثمن يبدأ من 5 دراهم للوردة. وفي غشت ويوليوز يتم اقتناؤها بدرهمين، حيث يرتفع ثمنها بارتفاع الإقبال، ليضاعف ثمنها مرتين أثناء البيع. ونظرا للإقبال المكثف على الورود والمداخيل التي تدرها على الباعة، خاصة في شهر غشت، فإن الحابل يختلط بالنابل، إذ يتعاطى الكثيرون لبيع الورود إن كانت طبيعية أو مجففة أو صناعية، وتعتبر ملجأ حتى الباعة المتجولين الذين لا يكتفون بالشارع، بل يمرون على المقاهي في محاولة لإحراج كل عشيق مرافق لعشيقته أو أي عنصر أنثوي، ناهيك عن كون المكان الذي يوجد فيه محل بيع الورود بالسوق المركزي أصبح يغلق أبوابه مبكرا. وهذا الإغلاق المبكر يساهم في انتشار باعة متجولين للورود بجنبات السوق، فكثير منهم التقطوا بضاعتهم مما سقط من الزهور ليصنع منها باقة قد تؤمن له ولو 20 درهما في اليوم، مما يقض مضجع المهنيين الذين تتقلص مداخيلهم جراء هذا الوضع الذي لا يخلو من تسيب وفوضى وعشوائية. ويعرف قطاع تجارة الورود هو الآخر فوضى بالسوق المركزي حيث لا يتم التخلص من بقايا الورود والأزبال، فأغلب الباعة إما يحتلون مكانا كان يشغله آباؤهم أو ينوبون عن أصحاب المحلات، وكثير منهم لا يتقن حرفة بيع الورود، حيث لا يجيد لفها ولا يتكرم بابتسامة في وجه الزبون. ويقل رواج الورود، التي يفوق عدد باعتها بالسوق المركزي مثلا الستة أشخاص، في فصل الشتاء خاصة وأن البضاعة التي يتم جلبها من الدارالبيضاء والرباط وبني ملال وأكادير، تكون قليلة، وخاصة تلك النوعية الممتازة التي تجلب من قلعة مكونة. لكن السبب الرئيسي لعدم إقبال المغاربة على شراء الورود راجع بالدرجة الأولى إلى صراعهم مع الحياة لتأمين الخبز اليومي، وهذا ما يجعل تجارها يتحسرون على انتهاء زمن الرومانسية والحب الجميل.