بلال الحسن صحافي ومناضل فلسطيني، عائلته وسيرة حياته فصل هام في كتاب الحركة الوطنية الفلسطينية. أخوه خالد من كبار قادة الثورة ومنظري فتح، وأخوه الثاني هاني الحسن كان من أكثر الناس قربا من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وظل إلى جانبه إلى أن مات أو قتل.. وبلال قلم صحافي أسس السفير، وأطلق اليوم السابع، ومازال يكتب ليذكر بفلسطين ويتذكر رموزها.. علاقة عائلة الحسن بالمغرب علاقة خاصة.. وهنا يروي بلال أحد جوانبها غير المعروفة.. لنتابع... - عندما تم توقيع اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أين كان وقتها بلال الحسن؟ } اتفاقية أوسلو وقعت بالأحرف الأولى يوم 16 شتنبر 1993، قبل أن توقع بشكل رسمي في البيت الأبيض يومين بعد ذلك، أي في ال18 من نفس الشهر، كنت وقتها في المغرب. وأذكر أني كتبت بهذه المناسبة أول مقال ضد هذه الاتفاقية، قلت فيه إن هذا الاتفاق خاطئ ولن يعرف طريقه إلى النجاح، وأضفت أنه سيكون ضد المصلحة الوطنية الفلسطينية. - وكيف تمكنت من الاطلاع على نص اتفاقية أوسلو قبل أن تنشر مضامينها في وسائل الإعلام؟ } في هذا المنحى، أذكر أنه قبل توقيع الاتفاقية بيوم أو يومين، جاء ياسر عرفات من تونس إلى المغرب. وكان يرافق عرفات كل من محمود عباس أبو مازن وناصر يوسف، وقد التقوا بشقيقي خالد الحسن بالرباط وأطلعوه على نص الاتفاق. وطبعا، عرفت من خالد الحسن مضامين هذا الاتفاق، فكتبت مقالي ضده. وطبعا، عبرت في مقالي عن موقف سياسي ولم أهاجم شخصا معينا وتعاملت باحترام شديد مع ياسر عرفات ولم أسئ إليه ولو بكلمة واحدة. - هل صحيح أن عرفات كان يغضب منك كثيرا؟ } نعم، كان يغضب مني كثيرا، لكن أنا كنت دائما شديد الانتقاد لأوسلو، وشديد الانتقاد للمفاوضات التي جرت بعد اتفاق أوسلو، لكنني أحصر هذه الانتقادات في موقف سياسي، دون أن أنتقد شخصا محددا بعينه أو أنتقد حركة فتح أو تاريخها أو نضالها، بل لا أنتقد زعيمها ياسر عرفات الإنسان النظيف الذي أعطى كل شيء للقضية الفلسطينية، وأيضا كنت أنتقد الموقف السياسي لعرفات الذي قاد إلى توقيع هذه الاتفاقية بمنأى عن أي اتهام أو إساءة إلى الأشخاص. كان هذا هو منهجي في مسار القضية الفلسطينية إلى أن جاءت مفاوضات كامب ديفد التي فشلت في تقريب المواقف بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وعاد ياسر عرفات إلى «رام الله» بعد أن فشلت هذه المفاوضات. وأذكر أني كتبت على إثر هذا الحدث مقالا آخر تحت عنوان «عرفات ينتصر 3 مرات» بجريدة «الشرق الأوسط»، وكنت أقصد، في هذا المقال بالطبع، أن عرفات انتصر في المقام الأول على الطرف الإسرائيلي، وانتصر في المقام الثاني على الضغط الأمريكي، وانتصر في المقام الثالث على المتساهلين داخل الوطن الفلسطيني. ويروي لي زياد عبد الفتاح، رئيس وكالة «وفا»، أن عرفات دخل إلى مكتبه برام الله، عندما قدم إليه مقالي في ملف ضمن مقالات أخرى، قال لهم: «بلال الحسن يكتب عنا دائما». وأذكر أنه في كثير من الأحيان كان بعض المقربين من عرفات يحرضونه علي من خلال ما أكتبه في بعض المقالات. كان هناك من يقول له إن بلال الحسن صديقك، لكن لاحظ كيف يشتمك ويهاجمك في مقالاته. وبلغني أن عرفات كان يرد عليهم قائلا: «إن ما تقولونه في حق بلال غلط، فبلال صاحب فكرة سياسية وليس ضدي». وكان هذا الرد من عرفات يسرني كثيرا لأن هذا، في الحقيقة، كان هو الدافع إلى كتابة تلك المقالات حول القضية الفلسطينية، ولم يكن الدافع هو تصفية حساب سياسي مع عرفات. وأنا أتحدث عن عرفات لا بد أن أذكر أيضا أنه، بمناسبة عيد ميلاده، كتبت العديد من الصحف العربية عن مسار وحياة عرفات. وبعد اطلاعي عما كتب عن عرفات، انتبهت إلى أن الكثير من المحطات في تاريخه لم تتم الإشارة إليها، إما لأنها غير معروفة وإما لأن الذين كتبوا هذه المقالات عن عرفات يجهلون بعض الوقائع المرتبطة بتاريخه. ولهذا قررت أن أكتب 4 مقالات بجريدة الشرق الأوسط، تحدثت فيها عن عرفات بنفس نقدي لم يخرج عن موقفي من اتفاقية أوسلو. وقيل إن بعض المقربين من عرفات غضبوا مما كتبت عنه، وأدخلوا له مقالاتي الأربعة، وكان حينها في اجتماع، وقالوا له مرة أخرى: «انظر ماذا كتب عنك بلال الحسن»، لكن واحدا من الحاضرين في هذا الاجتماع سيتدخل ويقول لعرفات: «والله يا أبا عمار ما أنصفك إلا بلال الحسن». - مجلة «اليوم السابع» كانت مجلة ناجحة، فما هي قصة تأسيس هذه المجلة؟ } قبل تأسيس مجلة «اليوم السابع»، نحن اشتغلنا في جريدة «السفير»، وفي هذه الجريدة كنا نساند وندعم ياسر عرفات في كفاحه ونضاله. ووقوفنا مع أبي عمار كان بالطبع يستند إلى موقف وطني وسياسي، ولهذا فهو يقدر موقفنا هذا تقديرا عاليا ويقدر بصفة خاصة جريدة «السفير» والقائمين عليها. وأذكر أنه وقع انشقاق داخل حركة فتح في ماي 1983. وهكذا، خرج من حركة فتح مناضلون أصبحوا ضد عرفات لكن كان هناك أناس ليسوا مع فتح غير أنهم كانوا مع عرفات، وأنا واحد منهم، ومنهم أيضا محمود درويش والعديد من الأسماء المعروفة التي كانت لا تتردد في دعم عرفات ومواقفه. وقد غادرت بيروت يوم 12 شتنبر 1983، وكانت إقامتي هناك قانونية، على أساس أن أذهب إلى دمشق ثم أعود فيما بعد. لكن الذي وقع بعد 4 أيام، أي يوم 16 شتنبر 83، وهو حرب صبرا وشتيلا. وأعترف أنه بعد أحداث صبرا وشتيلا اقتنعت بأن العيش في لبنان أصبح صعبا على المواطنين الفلسطينيين في هذا البلد، ولهذا قررت ألا أعود إلى بيروت. - إذن، بعد أحداث صبرا وشتيلا اخترت أن تقيم في دمشق؟ } نعم، بقيت في دمشق بعد هذه الأحداث مدة غير طويلة. وبعد أيام، استدعاني ياسر عرفات إلى مكتبه بدمشق على خلفية الانشقاق الذي حصل داخل حركة فتح، وطلب مني أن أرافقه إلى تونس. ولدى وصولنا إلى تونس، سألني عن رأيي في إنشاء مجلة فلسطينية. وكان موقفي هو أنني رفضت هذا الاقتراح، وعندما سألني عن سبب رفضي لإنشاء مجلة فلسطينية، قلت له: «كل الصحف في العالم معك وتكتب عنك ولست في حاجة إلى إصدار مجلة رسمية ناطقة باسمك»، وكان جوابه: «سيأتي علينا زمن لن يكون فيه أحد معنا أو يكتب عنا شيئا، ولهذا أريد إنشاء مجلة». حينها، قلت له: «إذا كان هذا هو تصورك، فيمكن أن ننشئ مجلة». وطبعا، تكفلت بهذه المهمة. وهنا، لا بد أن أذكر لك حادثة شخصية، هي بسيطة، لكن لها أهميتها في سياق هذا الحديث عن تأسيس المجلة. وأذكر وقتها أني كنت أحمل جواز سفر كويتيا لازال معي حتى الآن، فذهبت إلى السفارة الكويتية، وكان السفير الكويتي رجلا طيبا واستقبلني بحرارة. لكن عندما أخبرته بأنني أريد تأسيس مجلة، وأنني في حاجة إلى بعض الوثائق، رفض، وكانت لهذا الرفض مبرراته بحكم الانشقاق داخل حركة فتح والموقف من عرفات. أمام هذا المأزق، اضطررت إلى الاتصال هاتفيا بشقيقي خالد الحسن لأطلعه على الأمر. وسألني عما إذا كانت تسوية هذا المشكل يمكن أن تتم بالحصول على الجنسية المغربية بدل الجنسية الكويتية.. فطلب مني أن أسجل عندي رقما هاتفيا ينبغي أن أتصل بصاحبه للحصول على الجنسية المغربية. واستغربت كثيرا وقلت له متسائلا: «كيف أحصل على الجنسية المغربية بالتلفون!؟»، لكن خالد الحسن كان جادا في ما يقوله، وطلب مني أن أتصل عبر الهاتف بشخص اسمه أحمد بنسودة بالرباط. وفعلا، اتصلت ببنسودة وجئت إلى الرباط والتقيته في مكتبه وبسط لي أوراقا وطلب مني التوقيع عليها، ثم قال لي إن موضوع الجنسية إجراء قانوني يتطلب بعض الوقت لكن بإمكانك الآن أن تترشح للانتخابات بهذه الأوراق.