قادها إلى ساحة خالية غير بعيدة عن منزلهم الكائن بالحي الصناعي، فباغتها وأمسك بها من شعرها وبدأ بتعنيفها وضربها بكل قوة وهو يوجه إليها كلاما قاسيا ومشينا، معتبرا أنها جلبت العار للأسرة. على الحلوة والمرة توقف قطار طلب المعرفة بالمحجوب عند مستوى الباكالوريا، بعدما لم يحالفه الحظ في الحصول على شهادتها وهو يعيد «السنة العقبة» للمرة الثالثة على التوالي، فاستقبله الشارع بالأحضان، ولم يتوفق في الحصول على عمل رغم الجهود المضنية التي بذلها من أجل ذلك لأن «الزهر ماعندوش»، كما كان يردد دائما في جلساته مع أصدقائه، ورغم ذلك لم ينزلق المحجوب في طريق الانحراف، وحافظ على علاقاته الطيبة بزملائه الذين كان يقضي معهم سحابة يومه. أما أخته رحمة فلم يحالفها الحظ بدورها في متابعة دراستها وتبخرت أحلام صباها ولم تستطع مواصلة الدراسة لتصبح طبيبة كما كانت تتمنى، مما أجبرها على المكوث بالبيت علها تحصل يوما على عمل مهما كانت طبيعته أو مردوديته، المهم أن يخرجها من روتين ورتابة الأيام والحياة بين أسوار البيت، من جهة، وتساعد على مصروف البيت، من جهة أخرى، نظرا إلى أن معاش والدها المتقاعد من الجندية لم يعد كافيا أمام تزايد الطلبات وارتفاع الأسعار. وكانت علاقة المحجوب بأخته عادية، كعلاقة أي أخ وأخت، لا تشوبها شائبة اللهم من بعض سوء التفاهم البسيط الذي كان يحدث من حين إلى آخر دون أن يكون سببا حقيقيا في تعكير صفو العلاقة الأخوية بينهما. ومرت الأيام دون ظهور أي مؤشرات على أن المحجوب يكره أخته أو يحاول الانتقام منها بل، على العكس من ذلك، كان من حين إلى آخر ينسى همومه ويشرع في الضحك والمزاح معها، دون أن يخفي موافقته على أن يبحث لها عن عمل إذا ما سنحت الفرصة لذلك. رحمة في العمل وكأن الأمور تسير بعكس ما أريد لها بالنسبة إلى المحجوب، فهو الذي لم يحالفه الحظ في الحصول على عمل بعدما أرهقه البحث وأضناه الانتظار، خاصة وأن أخته الأصغر منه سنا استطاعت بفضل إحدى صديقاتها أن تحصل على عمل بإحدى شركات تصبير السمك بالحي الصناعي لأكادير، ومن حسن حظها أن مقر عملها كان على مرمى حجر من محل سكناهم، مما جعلها لا تتردد في قبول هذه الفرصة بمباركة أفراد الأسرة وفي مقدمتهم المحجوب، رغم أن المقابل المادي الذي ستتلقاه كان زهيدا للغاية ولم يكن ليفي بكل متطلباتها، لكنها رغم ذلك قبلت هذا العمل معتبرة أنها البداية فقط وأنه بإمكانها أن تصعد في سلم الأجور بفضل التفاني الذي ستبديه في عملها والذي ربما كوفئت عنه بأجر يلبي لها كل ضرورياتها، ولم لا حتى الكماليات وهي شابة في مقتبل العمر. التحقت رحمة بعملها وبدأت تحاول التكيف والاندماج في بيئة عملها الجديد، وربطت بسرعة علاقات صداقة مع عدة عاملات بالشركة. ومع مرور الأيام، استطاعت رحمة أن تخرج من روتين حياتها السابقة بحيث أصبح لها معارف جدد وخبرة أخرى في ميدان العمل، واستطاعت كذلك أن تساعد أسرتها التي كانت تمر بضائقة مادية خطيرة بعد مرض والدها، بل أكثر من ذلك أنها كانت تتكلف بمصاريف العلاج والأدوية علاوة على مستلزمات البيت، وفي مرات عديدة تمنح أيضا أخاها بعضا من النقود تساعده بها، على الأقل، في تأدية ثمن القهوة أمام زملائه. كلام و فضيحة بعد مرور عدة شهور، كانت رحمة قد تأقلمت أكثر مع ظروف العمل التي كانت أحيانا تجبرها على العودة في أوقات متأخرة إلى البيت، مما كان يثير مخاوف أبويها خاصة وأنها الفتاة الوحيدة للأسرة وكان أي مكروه قد يصيبها سينعكس سلبا بالضرورة على كافة أفراد العائلة الذين باتوا يرون فيها المعيل الوحيد لهم والملاذ الحافظ من نائبات الدهر. كان المحجوب يبدي لأخته استعداده لإيصالها من عملها إلى البيت رغم أن المسافة لم تكن طويلة، لكن رحمة لم تكن تعطي للأمر أهمية كبيرة، معللة رفضها بقصر المسافة ومعرفة الآخرين لها في الحي، وبالتالي لا خطر عليها.. اقتنع المحجوب بكلام أخته فلم يعد يلح على ذلك. غير أن المفاجأة هي حين سيُخبَر المحجوب من قبل بعض زملائه الذين يجلسون بشكل اعتيادي في إحدى المقاهي القريبة من مقر عملها، بأن أخته مشتبه في سلوكها وأنهم راقبوها أكثر من مرة فضبطوها برفقة شاب من المعمل. أخذ الأخ كلام الرفاق مأخذ الجد ولم يتقبل أن تكون أخته متورطة في سلوكات قد تعصف بسمعة العائلة وشرفها، وقد تسبب مشاكل هم في غنى عنها خصوصا وأن أباهم طريح الفراش منذ مدة، لذلك قرر التأكد من الأمر واتخاذ القرار إن كان ما سمعه صحيحا، فعمد إلى الجلوس في نفس المقهى الذي يرتاده أصدقاؤه ليرى بعينيه صحة ما سمعه. انتقل إلى عين المكان عندما همت العاملات بالخروج، فلمح المحجوب أخته تخرج وهي برفقة أحد الأشخاص، لم يصدق الأمر.. استمرت رحمة في طريقها مع ذلك الشخص بينما عمد المحجوب إلى تتبع خطواتهما خلسة ليصاب بالصدمة وأخته تلج أحد المنازل بمنطقة «تلضي» رفقة الشاب الذي كان معها، لم يفعل المحجوب شيئا حينها رغم أن بركانا كيماويا بدأ يشتعل في دواخله، وقرر العودة إلى البيت وهو في حالة توتر وغليان شديد.. جريمة شرف مباشرة بعد عودة رحمة إلى البيت، كان المحجوب ينتظرها في حالة غضب عارم دون أن يخبر والديه بما وقع.. حين دخلت طلب منها أن ترافقه لبيت أحد أصدقائه ليريها أخته التي أرادها للزواج، انطلت الحيلة على رحمة التي لم يكن المحجوب معها رحيما حين قادها إلى ساحة خالية غير بعيدة عن منزلهم الكائن بالحي الصناعي، فباغتها وأمسك بها من شعرها وبدأ بتعنيفها وضربها بكل قوة وهو يشبعها كلاما قاسيا ومشينا، معتبرا أنها جلبت العار للأسرة لذا يجب عقابها أشد العقاب جراء فعلتها تلك، حين حاولت رحمة الدفاع عن نفسها أغلق لها فمها وأخذ يجلدها بسوط أعده خصيصا لعقابها، وعندما حاولت رحمة الهرب أسقطها أرضا ورمى عليها حجرا كبيرا على مستوى بطنها فصارت جثة هامدة، وقتها مر على أصدقائه بذات المقهى المذكور فقص عليهم الحكاية طالبا منهم أن ينقلوا الخبر المشؤوم إلى البيت، فتوجه بعد ذلك إلى مصلحة الديمومة وسلم نفسه إلى الشرطة، معتقدا أنه بذلك قد أصلح خطأ جسيما ارتكبته أخته، تاركا الأسرة المكلومة تندب مصابها الجلل.