لا أحد يعرف بالضبط كم استقبل مرمى حسني بنسليمان من أهداف حين كان حارسا لفريق الجيش الملكي. لكن الأكيد أنه لم يكن حارسا بارعا جدا، لأن موضة ذلك الزمان كانت تعتمد على كل رجل طويل القامة في حراسة المرمى، ولم تكن الموهبة تهم كثيرا. كثيرون قالوا إن موهبة حراسة المرمى لبنسليمان كانت تقوم فقط على شغفه بالإمساك برؤوس اللاعبين المهاجمين بينما يترك الكرة تدخل المرمى. على الرغم من أن العسكري بنسليمان كان رياضيا متألقا، إلا أنه لم يكن حارسا فذا، ولم يحفظ له التاريخ أي إنجاز كبير في كرة القدم، بل حتى صوره الكروية غير موجودة، وكل من يسمع عن بنسليمان فإنه يتخيله ببزته العسكرية ونظاراته السوداء ووجهه الصارم وابتسامته التي تجمع بين الود والريبة. وفي كل الأحوال، فإن هذا الرجل تحول، مع مرور الوقت، إلى الرياضي الأول في البلاد، عفوا، الرياضي الثاني، وأصبح يتحكم في كل دواليب الرياضة، بدءا بكرة القدم، ومرورا بألعاب القوى، وانتهاء باللجنة الأولمبية. لكن رغم أن اسم بنسليمان لم يكن لامعا في حراسة المرمى، إلا أنه يجب الاعتراف بأن الرجل كان رياضيا حقيقيا وكتلة من الحيوية بكل ما للكلمة من معنى. كان، وهو ما بين الخامسة عشرة والثلاثين من العمر، عبارة عن كتلة حقيقية من النشاط.. النشاط الرياضي طبعا، وهذا ما جعله يتفوق بشكل كبير في ألعاب القوى، وحاز على عدة جوائز أيام الحماية وبعد الاستقلال. ومنذ أن كان الولد بنسليمان يدرس في المدرسة الإسلامية في الدارالبيضاء، وكلمة الإسلامية فقط لتمييزها عن المدارس الفرنسية، فإنه أبان عن قدرات شخصية كبيرة في المجال الرياضي، وأبان عن مواهب غير مسبوقة في ألعاب القوى، خصوصا في رياضة القفز العلوي، وهو القفز الذي لم يتوقف في مجال التفوق فيه إلى اليوم. يصفه الكثيرون، من الذين عاينوا مراحل تطوره الرياضي والمهني، بأنه كان غاية في الانضباط، وكان أساتذته الفرنسيون يتوقعون له مستقبلا رياضيا كبيرا. وفي سنة 1953، وعندما كان في الثامنة عشرة من عمره، أصبح الشاب حسني بطل فرنسا للشباب في القفز العلوي، عندما حقق قفزة تزيد على متر و93 سنتمترا. كان اسم بنسليمان وقتها مغمورا إلى درجة أن الكثيرين كانوا يتساءلون من يكون هذا البطل الجديد، الذي كان بارعا أيضا في سباقات السرعة للمسافات القصيرة، رغم أنه أبان عقودا بعد ذلك عن قوة خارقة في سباق المسافات الطويلة، والدليل على ذلك أنه لايزال البطل الأول في البلاد رغم أنه لم يعد يجري حتى عشرة أمتار في حديقة منزله. برع الشاب بنسليمان أيام شبابه في رياضة الكرة الطائرة أيضا، حيث لعب في صفوف فريق «شارل نيتر»، الذي كان يضم في صفوفه لاعبين من كل الديانات، مسلمين ومسيحيين ويهودا، كتعبير عن تلك الفسيفساء الإثنية والاجتماعية التي كانت تميز المغرب في وقت من الأوقات. ومع مرور الوقت أصبح بنسليمان العمود الفقري لهذا الفريق، وتحول إلى «السماتشر» القوي في الفريق: أي أنه ذلك الرجل الذي يوجه الصفعة الأخيرة للكرة نحو ملعب الخصم لكي يسجل أهدافا. هكذا فتحت مواهبه في الصفع القوي، للكرة طبعا، الطريق أمام اسمه للتألق. بعد التألق في ألعاب القوى والمسافات القصيرة والقفز العلوي والكرة الطائرة، تحول بنسليمان نحو كرة القدم لعله يجد فيها نفس النجاح الذي لقيه في غيرها من الرياضات. فاختار الوقوف بين أعمدة المرمى لحراستها كأنه حارس معبد، وهناك ظل واقفا حتى اليوم يحرس أعمدة الرياضة المغربية، أو يخربقها.. والله أعلم. تألق بنسليمان في كثير من الرياضات جعلته يبدو كأنه مثقف من تلك الأزمنة السحيقة التي كان الإنسان الواحد يبرع في الفلسفة والرياضيات وعلم الفلك وقراءة النجوم والترجمة وأصل اللغات والفيزياء وتحويل الرصاص إلى ذهب. الذين عرفوا بنسليمان في تلك الأيام، أي قبل أزيد من خمسين عاما، يقولون إن الرجل كانت له موهبة أخرى لا تقل عن مواهبه الرياضية، وهي أنه كان مهووسا بالدراسة، وهذا ما جعله يغادر المغرب نحو مدرسة سان سيبر الفرنسية قرب باريس مباشرة بعد حصوله على شهادة البكالوريا، ومن هناك عاد إلى المغرب عسكريا إلى جانب ولي العهد آنذاك مولاي الحسن. كان بنسليمان اليد اليمنى لولي العهد في السياسة والرياضة. وعندما تم تأسيس فريق الجيش الملكي سنة 1958، من أجل مواجهة الفريقين البيضاويين الوداد والرجاء وكسر احتكارهما للكرة المغربية، كان بنسليمان من المخططين لهذا المشروع الرياضي السياسي، لذلك كان من الطبيعي أن يقفز فريق الجيش الملكي إلى القسم الوطني الأول بسرعة قياسية سنة 1959، ثم تحول إلى واحد من أقوى الفرق المغربية، وبدأ حصد الألقاب والبطولات وكأنه جني خرافي خرج من مصباح سحري. عندما تختلط السياسة بالرياضة فلا شيء يعترض طريقها. لكن بعد سنوات قليلة من الممارسة الكروية المباشرة في فريق الجيش، سيمسك بنسليمان، الذي ترقى في منصبه العسكري بسرعة، بمهام كثيرة، وسيصبح عاملا لطنجة والقنيطرة ومكناس، وسيعود إلى الرباط أقوى مما كان. كان بنسليمان على موعد مع تاريخ حاسم من مسيرته العسكرية والمهنية أيام الانقلابات الفاشلة على الملك الراحل الحسن الثاني، ومنذ تلك الأيام المثيرة في تاريخ المغرب، أمسك بنسليمان بمقاليد الدرك الملكي، وهو لايزال ممسكا بها إلى اليوم، رغم أنف سن التقاعد، ورغم أنف قناص تارجيست. هكذا ارتبط حسني بنسليمان بالعسكر والرياضة منذ أيام شبابه الأولى. ومنذ أن رأى النور في أحد أيام سنة 1935 في مدينة الجديدة، فإنه لم يتوقف عن الصعود في الاتجاهين، إلى أن أصبح اليوم الحاكم بأمر الرياضة في البلاد، رغم كل الانتقادات التي تسلط عليه بين الفينة والأخرى ورغم تلك المشاركة الحمقاء والمذلة في غانا. بنسليمان هو أيضا كبير الجدارمية في البلاد، والرجل الذي يقفز اسمه بين الفينة والأخرى في قضايا حساسة من تاريخ المغرب الكئيب، مثل قضية بنبركة والأحداث الاجتماعية والأمنية التي عرفتها البلاد منذ الاستقلال إلى اليوم. حسني بنسليمان هو أيضا رجل بلا عنوان، لأن القاضي الفرنسي راماييل، الذي جاء إلى المغرب من أجل استجواب عدد من العسكريين والمسؤولين المغاربة في قضية بنبركة، لم يستطع الوصول إلى هذا الجنرال الفاره القامة، لأن لا أحد يعرف عنوانه، بمن فيهم وزير العدل الراحل محمد بوزوبع. وهكذا عاد رماييل إلى باريس وهو يغني مع الراحل عبد الحليم حافظ: «ما أصعب أن تبحث يا ولدي عن جنرال بلا عنوان». أما القاضي الإسباني بالتازار غارثون، الذي أراد أيضا أن يتملى بطلعة بنسليمان في قضية قمع مظاهرات في الصحراء، فإنه فهم أن الجنرالات والمسؤولين المغاربة لا أحد يستجوبهم في حياتهم، وأن عزرائيل وحده يملك هذا الحق عندما يغادرون حياتهم الفانية نحو القبور.