في وقت احتفلت فيه مصر، أول أمس، بمرور ستة قرون على رحيل المؤرخ والفقيه ومؤسس علم الاجتماع، العلامة ابن خلدون، بحضور الرئيس حسني مبارك وعقيلته سوزان مع ضيفه الملك الإسباني خوان كارلوس والملكة صوفيا، في احتفالية فنية أقامتها وزارة الثقافة المصرية بقصر الأمير طاز الأثري بالقاهرة، وبالموازاة مع افتتاح الرئيس المصري والعاهل الإسباني معرض «ابن خلدون في الذاكرة المصرية والعربية» الذي يضم 51 قطعة أثرية نادرة تحكي عن حياة ابن خلدون، تتم حاليا بمدينة فاس المغربية ممارسة ضغوط ووساطات مغرية لدفع مالك البيت الحالي الذي كان يقطن به ابن خلدون إلى بيعه لأطراف أجنبية. واستنادا إلى معطيات دقيقة تحصلت عليها «المساء»، فإن البيت الذي سكنه العلامة ابن خلدون بمدينة فاس، وبالضبط بحي الطالعة الكبيرة، يعرف هذه الأيام توافد العديد من سماسرة شخصيات أجنبية وأخرى نافذة لدفع مالكه الحالي إلى بيعه بثمن جد مغر ومرشح للارتفاع في حالة قبول مبدأ البيع، فيما تفيد أنباء متصلة بأن البيت الذي سكنه ابن خلدون بفاس عرف توالي قرابة خمس أسر مغربية على العيش به من بعد ما سكنه صاحب أشهر «مقدمة» لمدة قاربت السنتين. هذا، وتفيد معطيات تاريخية ذات صلة بأن ابن خلدون سكن ببيت الطالعة الكبيرة لما كان مكلفا بمهام مخزنية لدى الدولة المرينية، وأنه استقر في ذات البيت الذي يقع على أطراف عقبة ضيقة ومكون من طابقين قبل انتقاله إلى الأندلس، في حين لا يتوفر المنزل على مساحة كبيرة ولا على مواصفات هندسية رفيعة بقدرما تتلخص قيمته العقارية اليوم في رمزية وتاريخية شخصية ابن خلدون الذي سكنه وبه دون وكتب العديد من الرسائل والكتب، من أشهرها «شفاء السائل لتهذيب المسائل».وارتباطا بالحدث، تجري حاليا بمدينة فاس وساطات كبرى لسماسرة لدفع عدد كبير من مالكي الدور العتيقة إلى بيع منازلهم، في مسلسل شبيه بما وقع بالمدينة القديمة بمراكش، و«يضع» أجانب وشخصيات مغربية نافذة «عيونهم» على منازل عتيقة لها رمزية ومدلول اعتباري ارتبطت بشخصيات ووجوه تاريخية وطنية، على شاكلة منزل ابن خلدون ومنازل كبار خدام المخزن والسفراء والقواد والباشاوات والقناصل الأجانب، في وقت يفيد فيه أكثر من مصدر بأن منزل الزعيم الوطني علال الفاسي بدرب الطويل بفاس قد تم بيعه مؤخرا، وهو ذاته المنزل الذي شهد تعاقب أهم الأحداث السياسية التي ارتبطت بفترة نهاية الحماية ومخاض الاستقلال. هذا، ومعلوم أن عبد الرحمان بن محمد بن خلدون ينحدر من عائلة إشبيلية عريقة وذات نفوذ بالأندلس، هاجرت إلى تونس بعد استعادة ملوك اسبانيا السيطرة على هذه المنطقة، وسيعود ابن خلدون إلى الأندلس للاستقرار بغرناطة، آخر المماليك الأندلسية، وسيسهل له المأمورية صديقه الوزير الشاعر ابن الخطيب، وقبل ذلك استقر بفاس وحضر مجالس أبي الحسن المريني العلمية، وأعطى دروسا بالقرويين وتقلد العديد من المهام والسفارات السلطانية، وتوفي بمصر سنة 1406، ودفن بمقابر الصوفية بباب النصر شمال القاهرة، وقبره غير معروف.