هذه الحلقات هي سفر في تضاريس حياة الملك خوان كارلوس دبريون الذي كتب اسمه بمداد من ذهب في سجل الانتقال الديمقراطي بإسبانيا، فلم يكن شخصية معادية لنظام الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو، بل خرج من رحم نظامه بعدما التقطه الجنرال ولقنه دروس السياسة وجعله يعيش بين ذئاب النظام ويرضع من حليبهم حتى يشتد عوده، وعندما مات الرجل القوي الذي لم تعرف إسبانيا غيره منذ نهاية الحرب الأهلية، وجد خوان كارلوس نفسه يمسك بمقود السفينة في عين الإعصار، قد أبان عن قوة داخلية وهو يلعب دور المروض لحديقة من سباع الجيش و النخبة السياسية التي كانت محيطة بالديكتاتور، لأجل كل ذلك تظل حياة خوان كارلوس فصلا مهما في درس الانتقال الديموقراطي الاسباني. سرعان ما سيلتقط المثقف الألمعي توركاوتو فيرنانديث ميراندا الأمير ليلقنه بعض الدروس في السياسة قبل ذهابه إلى الجامعة كل يوم، وكان أسلوب التلقين غريبا على الأمير خوان كارلوس الذي اعتاد وقتها على النظام التعليمي الإسباني المرتكز على الحفظ، فمعلمه في السياسة لم يكن يجلب له أي كتاب خلال الدرس، مما وضع خوان كارلوس في حيرة من أمره ولم يتردد في طرح السؤال على أستاذه الذي أجابه بقوله: «إنه على سموك أن تتعلم عبر سماع ومشاهدة كل ما يحيط بك»، علما بأن الأمير الشاب كان يدرك أن عليه أن يتصرف ذات يوم وحيدا، فكان فيرنانديث ميراندا يشجعه على التفكير بكل استقلالية. وفي الفترات التالية من حياته، شعر خوان كارلوس بأنه مدين لأستاذه في هذه النقطة بالذات، رغم أن هذا الأسلوب كان يزعجه خلال فترة تعلمه. وعندما وصلوا إلى ما يجب أن يفعله الأمير عندما يصبح ملكا، سأله خوان كارلوس: «كيف يمكنني أن أقوم بكل هذه الأشياء لوحدي؟ من يمكنه أن يساعدني»، وأجابه أستاذه ببرود: «لا أحد، عليك أن تشتغل وكأنك وحيد بدون شبكة»، مثلما علم فيرنانديث ميراندا خوان كارلوس الصبر وقوة العزيمة وعدم الثقة في المظاهر، وكان كل ما تلقنه خوان كارلوس على يد أستاذه في السياسة أشبه بطوق النجاة الذي يمكنه من العيش وسط الطبقة المحيطة بالجنرال فرانكو. وعندما علم الجنرال فرانكو بأسلوب فيرنانديث ميراندا، أمر بحضور بعض المساعدين العسكريين للأمير إلى الدرس، مما جعل فيرنانديث ميراندا يخاطب العسكري الأرفع رتبة فيهم قائلا: «وما الذي يمنع أن أتحدث مع الأمير في السياسة»، ففهم منهم أن طريقته في تلقين الدروس السياسية تجعل المخاطب يحمل عدة أسئلة بدون أجوبة. كما استفاد خوان كارلوس كثيرا من دروس أحد مساعدي الجنرال كاريرو بلانكو (اغتاله تنظيم إيتا عام 1973)، وكان أستاذه في القانون الإداري. وعندما دخل الأمير لأول مرة في 19 أكتوبر 1960 إلى كلية الحقوق في جامعة مدريد مرفوقا بأستاذه موندخار وبعض أفراد الشرطة لحمايته، وجد نفسه أمام حفنة من الطلبة المشاغبين الذين كانوا يصرخون «فليسقط الأمير الأحمق»، «عاش الملك خابيير»، «اذهب إلى استوريل». وبعد علمه بذلك اتصل بيدرو ساينث رودريغيث بلويس ماريا أنسون، الصحافي الشاب اللامع ورئيس شبيبة الجامعة الملكية الإسبانية في مدريد، من أجل الرد على ما تعرض له الأمير، وتمكن أنسون من الوصول إلى اتفاق مع الاشتراكيين والشيوعيين والفوضويين الذين لم يكونوا يبدون أي قبول لخوان كارلوس أو المتعاطفين معه. وبالمقابل، أبدى خوان كارلوس برودة دم كانت تخفي رغبة قوية في الرد، فلجأ إلى قدرته على تخفيف التوتر. لكن مع الوقت، استطاع خوان كارلوس أن يكسب ثقة محيطه بهدوئه وبساطته وحسن تعامله في المقصف الجامعي أو الممرات الجامعية التي يتقاسم فيها أطراف الحديث مع زملائه الطلبة، وكان يثير الإعجاب إلى درجة أن بعضهم ينبس بصوت مسموع «يا له من فتى، يدخن سجائر ثيلاتس» في إشارة إلى علب التبغ الأسود رخيصة الثمن. كان الاستقبال الساخن لخوان كارلوس في الجامعة يكشف، في الحقيقة، عن رفض عام، بينما كان الأمير وقتها منشغلا بالفتيات أكثر من انشغاله بدروسه. وأكد أولغينا روبيلا، فيما بعد، انه بعد سنة من انقطاع الاتصال بينه وبين خوان كارلوس التقاه في روما وأخبره بأنه سيتزوج بأميرة قبرص صوفيا. لكن بعد ذلك، بدأت الشائعات حول ارتباطه بالشقراء ماريا غابريلا دي سابويا تملأ البلاد، وهي ابنة ملك إيطاليا المنفي هومبيرتو والتي كانت جارة له في استوريل ويعرفان بعضهما منذ سنوات الطفولة. وفي يوليوز 1960، رافقت ماريا الأمير خوان كارلوس خلال حفل زفاف الدوق ويتمبرغ، ثم ظهرت معه في حفل افتتاح الأولمبياد في روما في نهاية العام نفسه، مما جعل شائعات قوية تروج حول قرب الإعلان عن خطبتهما. وبالنظر إلى حالة المنفى التي تعيش فيها العائلة الملكية الإيطالية، فإن محيط الأب خوان كان يرى أن هذا الارتباط غير ذي أهمية كبيرة، لذلك بدأت تمارس الضغوط عليه من أجل تركها، ورغم ابتعاد الأمير عنها فإنه قيل بعدها إنها أنجبت منه ابنا غير شرعي. محطات في حياة خوان كارلوس > ولد يوم 5 يناير 1938 في منفى العائلة بروما. > تزوج من الأميرة القبرصية صوفيا بعد قصة حب عام 1962 > عينه الجنرال فرانشيسكو فرانكو خليفة له عام 1969 > عين ملكا لاسبانيا بعد وفاة فرانكو يوم 22 نوفمبر 1975. > اعترف به ملكا دستوريا لإسبانيا عام 1978. > تفرغ للعمل الدبلوماسي لخدمة بلاده وترك النخبة الإسبانية الجديدة تعمل.