عندما مطرق الصحفيون الوزير الأول عباس الفاسي بالأسئلة الاقتصادية، وبصفة خاصة حول كارثة تطبيق الضريبة على القيمة المضافة المتعلقة بقروض الإيجار «الليزينغ»، رد قائلا إن في الأمر خطأ سيتم تداركه في قانون المالية القادم... أي بعد سنة! وهذا أغرب تبرير يمكن أن يصدر عن وزير أول يقود حكومة ويطلع على مسودة قانون المالية ويباشر متابعة مختلف مراحلها، لكن إذا كنت في المغرب فلا تستغرب، فأقصر طريق وجده الوزير الأول لتبرير قرار يعاكس تماما السياسة الاقتصادية لأي دولة نامية هو تعليق الكارثة على شماعة الخطأ. لكن، كان على الوزير الأول أن «يكمل خيرو» ويقول للمغاربة خَطَأَ مَنْ حتى نعرف من الذي عليه أن يؤدي الحساب، هل أطر وزارة المالية التي أعدت المشروع أم الوزير نفسه أم مديرية الضرائب التي كثف مديرها خرجاته ولقاءاته ليدافع بشراسة نادرة عن تطبيق الضريبة على الليزينغ... من ضمن ما دافع عنه؟ وهكذا، يقول الوزير الأول «لقد أخطأنا»، فيما يصرح مدير الضرائب بأن القرار كان مبررا وصائبا. وللذين سيتساءلون عن قدرة مدير إلى مصلحة عامة، كمصلحة الضرائب في هذه الحالة، أن يعاكس تصريحات الوزير الأول المفروض فيه أن يكون رئيس رئيسه، فإننا نقول أن لا سلطة للوزير الأول على مدير الضرائب... ومديرين آخرين، وهذه خصوصية مغربية بامتياز يجب أن تدرس في الأكاديميات الأوربية والأمريكية ليروا كيف أن الديمقراطية المغربية تمنح الحق لموظف عمومي في أن يقول للوزير الأول: لا سلطة لك علي، فأنا معين بظهير! وتماديا في تعويمه للجواب عن سؤال الصحفيين، أضاف أن الخطأ كذلك يرجع إلى شركات القروض التي لم تحترم التزامها بعدم تطبيق الزيادة على المستهلك وانتظار أجل إعادة الضريبة على القيمة المضافة من طرف الدولة. هنا يبدو أن الوزير الأول أشبه بمن يعيش في جزيرة ولا يعرف ما يقع في المغرب. لقد كان معروفا مسبقا أن هذه الزيادة «ستزف» للمستهلكين وأن شركات القروض لن تتحمل مكان الزبون ولا درهم زيادة، فما الذي يظن أنها فاعلة عندما يتعلق الأمر ب10 %؟ ولعل «دعوات» مئات الآلاف من المغاربة الذين اكتووا بهذه الزيادة مع بداية العام لن تقف عند هذا الحد. فإذا كانت جمعيات حماية المستهلكين غارقة في سباتها لأسباب مجهولة، فإن هناك جهات متضررة بدأت تنظم صفوفها لتخلق جميعة ضد هذه الضريبة، وقال أحد منظريها إنها ستتخذ أشكالا متعددة منها إطلاق حملة تحسيسية كبيرة للمطالبة بمقاطعة كل منتوجات «الليزينغ» ليرى الوزير الأول كيف أن «خطأ» مثل الذي تحدث عنه وكأنه شيء بسيط سيكلف الملايير وأكثر وسيكبد الاقتصاد خسائر كبرى ناهيك عن تشويه سمعة بلد نام مافتئ مسؤولوه يرددون أنهم يشجعون الاستثمار ويدفعون بالمقاولات الصغرى والمتوسطة إلى الأمام. ويحق للمرء أن يتساءل: هل ما تقصده الحكومة بهذا الدفع هو توجيه تلك المقاولات إلى الإفلاس في اقتصاد من المفروض أن يشجع المشرفون عليه أي مبادرة تدفع إلى خلق مناصب شغل؟ لكن يبدو أن منطق هذه الحكومة لا يفهم هذه الجزئيات التي قد تشكل بالنسبة إليه تفاصيل صغيرة، لكنها أساسية لشريحة كبيرة من المغاربة، لذلك سنردد مرة أخرى مقولة: إذا كنت في المغرب، فلا تستغرب!