تحولت حياة أسرة الطفل جعفر الرتيعة (8 سنوات) إلى دوامة من الحزن والأسى، بعد أن ظلت ترزح طوال سنوات عمره تحت وطأة أبشع صور التعاسة والحرمان المقرونة بالخوف من فقدانه بسبب مرض بدأ يكبر معه ويشكل له عائقا في ممارسة حياته الطبيعية كسائر أقرانه. يشتكي الأب رضوان الرتيعة، بقلب مقهور وبجانبه زوجته أمينة دامعة العينين، وهو يحمل بين ذراعيه طفله جعفر المصاب بورم خبيث على مستوى الوجه والذي بدت حالته الصحية سيئة للغاية، قائلا: «طرقت جميع الأبواب بدون جدوى وطفت البلاد واستعطفت العباد وبعثت برسائل إلى كافة المسؤولين، محليا وجهويا ومركزيا، لعلهم يرفقون بحالي ويساعدونني على المصاريف التي يتطلبها علاج ابني، لكنني شعرت بالغبن حينما لم أحظ بأي جواب ولو بالسلب، بل إنني طردت من بعض الإدارات من طرف الأعوان بإيعاز من المسؤولين». مأساة أسرة الطفل جعفر بدأت مباشرة بعد شهر على ولادته، عندما لاحظت أمينة بوزردة (30 سنة) إن خطوطا زرقاء قد بدأت تنتفخ على خد ابنها الأيمن، فتحول فرح الأسرة بالمولود إلى هم وغم، على حد تعبير الأم التي تضيف في تصريحها ل«المساء» قولها: وقتها عرضناه على طبيب الحي الذي أمرنا بنقله إلى المستشفى المركزي، بيد أن المسألة أخذت منحى آخر عندما تطلب الأمر نقله، على وجه السرعة، إلى طبيب أخصائي». أمينة لا تتوقف عن البكاء وتسرد لنا معاناة أسرتها بنبرة من الحزن والأسى قائلة: «بعد إخضاع الطفل للكشف عبر جهاز «السكانير» وإجراء التحاليل أظهرت النتائج أن الطفل يحتاج إلى علاج طويل الأمد إذا لم يخضع لعملية جراحية بالخارج. وهنا كانت نقطة التحول بالنسبة إلى الأسرة، فنحن فقراء وبالكاد يستطيع زوجي تأمين القوت اليومي، فما العمل..؟». يضع رضوان الرتيعة ابنه جانبا ويقاطعها قائلا: «لقد تحولت حياة الأسرة التي كانت تعيش هدوءا بالرغم من الظروف الصعبة رأسا على عقب، ويشق علي أن أنقل إليك مرارة هذا الوضع الذي يتداخل فيه الفقر بالأنين، والحزن بالبكاء اليومي، فالطفل بدأ يكبر والمرض يكبر معه، ورغم وضعيتي الاجتماعية والمادية المزرية فقد قمت بعرضه على مجموعة من الأطباء في العديد من المراكز الاستشفائية، وتركت عملي كحلاق وبدأت أطوف الأحياء والدروب بحثا عن سبيل لإنقاذ الطفل، ولم أترك جمعية خيرية ولا مؤسسة حكومية أو إحسانية إلا وطلبت منها يد العون، لكن جرعات الحزن تتضاعف مع انسداد كل الآفاق في وجهي..»، غالبه البكاء واسترسل بشكل متقطع: «فلم يبق لي سوى أن ألجأ إلى الملك، وفعلا استطعت أن أتخطى حراسه وأمده بملف متكامل عن وضعية ابني، كان ذلك في مارس 2006 أمام إشارة المرور عند مدخل الميناء الجديد بأكادير». ويواصل رضوان حكي مأساته وعلامات الأسى على محياه قائلا: «وقتها ظننت أن الأمر قد حسم خصوصا وأن ملك البلاد قد أعطى تعليماته السامية لعلاج الطفل الذي نقل على الفور إلى مستشفى الشيخ زايد بالرباط وأجريت له فحوصات وطلبوا مني أن أعود به بعد شهرين، واستمر الحال على هذه الشاكلة: زيارة كل شهرين لمدة عام، بيد أنني لاحظت تهاون الأطباء الذين رفضوا أن يمنحوني تقريرا طبيا عن حالته التي لا تتحسن، فانقطعت عن تلك الزيارات». توقف رضوان عن الكلام دقائق وأجهش مرة أخرى بالبكاء مدة غير يسيرة، قبل أن يتابع: «لقد زاد ألم الأسرة مع ضياع كل الخيوط ولا سيما تلك التي كنت أنسجها لمقابلة الملك أملا في إنهاء المأساة، ولم يتماثل الطفل للشفاء بسبب اللامبالاة، فانتظرت زيارة الملك من جديد، وتمكنت رغم الحصار القوي المضروب علي من طرف رجال الأمن أن أمده برسالة أخرى ضمنتها كل التفاصيل التي تهم التنقلات إلى الرباط وجميع العراقيل والتلاعبات التي تخص طريقة العلاج، بعدها بقليل جاءتني مكالمة من مجهول يؤكد فيها أنني لن أتمكن من إرسال ابني للعلاج خارج أرض الوطن مهما فعلت، حينها خارت قواي فقررت تصعيد وتيرة الاحتجاج لإسماع صوتي، ولم أجد أمامي سوى أن أربط نفسي بالسلاسل إلى عمود الإنارة العمومية أمام القصر الملكي رافعا العلم الوطني لإثارة انتباه الملك إلى عدم تنفيذ تعليماته السامية بنقل طفلي خارج أرض الوطن لتلقي العلاج». يذكر أن رضوان الرتيعة من مواليد 1972 يعمل حلاقا بحي الخيام سبق أن أدين بشهر حبسا موقوف التنفيذ بتهمة الإيذاء العمد في حق قاصر العام الماضي بعد حادثة السلاسل التي أحرج بها مسؤولي المدينة، ومازال يصر على أن يعترض طريق الملك ليلتمس منه إرسال ابنه إلى فرنسا لتلقي العلاج هناك.