ليبرالي تقنوقراطي يحوز حقيبة كان يحملها «اشتراكي» حزبي، لم يجد صعوبة في الوفاء لميزانية سلفه بما أن فصولها من إملاء المؤسسات الدولية وتوصياتها. تولى توزيع أموال المملكة بين وزراء أغلبهم يحمل ألوان أحزاب سياسية أمطرت ناخبيها بوعود بملايين مناصب الشغل ومعدلات نمو قياسية. فلياقته البدنية ورشاقته في المراوغة وتصيد الفرص لوضع الكرة في السلة، أهلت الرجل ليسجل بكل مهارة ضد المتحزبين في «حكومة صاحب الجلالة» وينتزع منهم حقيبة الاقتصاد والمالية، معززا بذلك حزب التقنوقراط المقربين إلى قلب الماسكين بزمام الأمر. كان أول وزراء حكومة عباس الفاسي المطالبين بأكثر الملفات حساسية وحسما، كان عليه أن يحمل مشروع ميزانية 2008 الذي تركه الاتحادي فتح الله والعلو فوق مكتبه، ويدافع عنه أمام النواب الجدد غير المستأنسين بمقاعدهم. فكاد يحدث أكبر الأزمات التاريخية المتعلقة بميزانية المملكة، وهو يرى الفريق الاتحادي يمتنع عن التصويت، والمعارضة الإسلامية تصعد لهجتها ضد فصول مشروعه الذي أعفى الشركات الكبرى من جزء من ضرائبها. وخارج بناية البرلمان، كانت الهدنة التي أعلنها المحتجون والعاطلون إبان الانتخابات قد تحولت إلى هدوء يسبق العاصفة ويهدد باشتعال الشارع، وتكرار ما عرفته مدينة صفرو من مواجهات وتخريب. لكن الرجل كان يدافع عن مشروعه بكل ثقة، وفي جيبه ورقة دعم ملكي قادرة على إخراس نواب الأحزاب وفرقهم، فيما فريق صديق الملك و”الوافد الجديد” على استعداد لإكمال الأغلبية. فكان أن انتزع خليفة والعلو مصادقة البرلمانيين الجدد بمجلس النواب والقدامى بمجلس المستشارين، أو جزء منهم على الأقل، الذي تحمل “عناء” حضور جلسات التصويت ورفع اليد. ليبرالي تقنوقراطي يحوز حقيبة كان يحملها “اشتراكي” حزبي، لم يجد صعوبة في الوفاء لميزانية سلفه بما أن فصولها من إملاء المؤسسات الدولية وتوصياتها. تولى توزيع أموال المملكة بين وزراء أغلبهم يحمل ألوان أحزاب سياسية، أمطرت ناخبيها بوعود بملايين مناصب الشغل ومعدلات نمو قياسية. وهي المعادلة الصعبة التي علم مزوار أن عليه فك طلاسمها بعد أن استغربت المؤسسات المالية الدولية عدم إنتاج “النمو” المغربي لمناصب الشغل. كان المشهد مثيرا وصلاح الدين مزوار ينتقل من مقر وزارة الصناعة والتجارة إلى مقر وزارة المالية، وقمة الإثارة تجلت لحظة تبادل التحية، حيث كان الوزير الاتحادي يجهد نفسه لبلوغ وجه خلفه العملاق، والذي كان أطول وزراء حكومة جطو، ليصبح أكثرهم قيمة وسلطة مالية في حكومة الفاسي، ويعلن في بداية سنته المالية الأولى عزمه توفير ستة عشر ألف منصب شغل في القطاع العمومي، وتخصيص اثنين وعشرين مليار درهم لدعم المواد الأساسية. التحاق صلاح الدين مزوار بفصيلة الوزراء كان مع التعديل الحكومي لحكومة إدريس جطو عام 2004، حيث كان صانع الأحذية يحتفظ به في دكة الاحتياط ليمنحه الرسمية في قطاع الصناعة والتجارة، لمعرفته بخبرة وحنكة الرجل في التدبير والتسيير، ولتأكده من قدرته على التقاط نبض المقاولة والسوق المغربيين، فهو الحاصل على شهادة عليا من جامعة فونتينبلو الفرنسية، ثم على دبلوم الدراسات المعمقة في العلوم الاقتصادية من جامعة العلوم الاجتماعية بغرونوبل بفرنسا؛ بعد أن كان قد نال دبلوم السلك العالي في التدبير من المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات بالدار البيضاء. هذا المسار التكويني كان قد أطل عليه صلاح الدين من فوق هضاب العاصمة الإسماعيلية، هناك حيث رأى النور في أحد أيام سنة 1953. لكنه مزج مساره الأكاديمي هذا بخبرة ميدانية طويلة بدأها بمهمة بالقسم الإداري في وكالتي توزيع الماء والكهرباء بالرباط وطنجة، حيث قاد المصالح الإدارية لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يتبعها بالتدبير المالي لمقاولة فرنسية-تونسية، ويلتحق بمكتب استغلال الموانئ، حيث وضع لبنات مديرية العمل الاجتماعي، وتولى إدارة نادي الرجاء البيضاوي، المحتضن من طرف المكتب، قرابة ثلاث سنوات. وفي مستهل عقد التسعينيات، التحق مزوار بمجموعة إسبانية تنشط في قطاع النسيج، وسرعان ما عين مديرا لأحد فروعها بمدينة سطات، قبل أن يصبح مديرا تجاريا للمجموعة في المغرب وإفريقيا والشرق الأوسط. فكانت تلك بوابة الرجل على الأسواق الدولية والامتداد العالمي للمقاولات الصناعية، عشية إنشاء منظمة التجارة العالمية. تقلد صلاح الدين مزوار لحقيبة الصناعة والتجارة في حكومة جطو، كان بمثابة الاستعانة بخدمات إطفائي بعد أن لفحت نيران المنافسة الدولية وانحسار الأسواق قطاع النسيج المغربي، وكان وحده قادرا على الإيمان بقدرة الصناعة المحلية على الصمود وتجديد قدراتها من خلال أقلمة عرضها مع متطلبات الأسواق الدولية، ليصبح القطاع أحد القاطرات التي تجر قافلة الاقتصاد المحلي وتنعش سوق الشغل وتشجع على جلب العملة الصعبة، بعد أن كانت تجربته على رأس الجمعية المغربية للنسيج والألبسة منذ 2002، قد قادته إلى إقناع زملائه بتقليص التكاليف لمواجهة الاكتساح الصيني. من جهة أخرى، وجدت وزيرة الرياضة نوال المتوكل في زميلها وزير المالية خير مؤنس في جوقة الوزراء، حيث أخبرت نواب البرلمان مستهل هذه السنة في أحدى الجلسات العمومية، أنها ليست البطلة الرياضية الوحيدة في الحكومة الجديدة، بل إن زميلها مزوار بدوره يحتفظ برصيد رياضي من ممارسته رياضة كرة السلة في نادي الرجاء البيضاوي وعلى صعيد دولي. لياقة بدنية ورشاقة في المراوغة وتصيد الفرص لوضع الكرة في السلة، أهلت الرجل ليسجل بكل مهارة ضد المتحزبين في “حكومة صاحب الجلالة”، وينتزع منهم حقيبة الاقتصاد والمالية، معززا بذلك حزب التقنوقراط المقربين إلى قلب الماسكين بزمام الأمر. لكن طول قامته، وعينيه المتطلعتين دوما نحو الأعلى جعلاه لا يكتفي بذلك، حيث التحق بحركة “كل الديمقراطيين”، الحركة النواة لحزب الفديك الجديد.