يتضح يوما بعد يوم ومن تقرير تنمية بشرية إلى آخر، أن المشكل الخطير الذي يواجهه المغرب هوالفساد بكل أشكاله وصوره، سواء أكان فسادا سياسيا أوأخلاقيا أواقتصاديا أواجتماعيا أوفكريا، وهذا الأخير في اعتقادي هوأخطر أنواع الفساد بل هوالسبب الرئيسي في كل أشكال الفساد الأخرى. إن الفساد بالمغرب هوظاهرة بنيوية لها امتداداتها في جميع مفاصل الدولة والمجتمع المغربي، وقد أصبح عادة مستحكمة بشكل كبير في الكيان المغربي نظر لطول المدة التي تعايش فيها المغاربة مع الفساد حتى أدمنوا عليه واحترفوه لكثرة ممارسته. وأصبح لا غنى عنه في تيسير وتشغيل عدد من الأمور التي تبقى راكدة بدونه، ولعل أبرز مثال على ذلك علاقة المواطن بالإدارة المغربية، فالمواطن إذا أراد قضاء حاجة ملحة في الوقت المناسب وجب عليه أن يدفع الإتاوات والرشاوي حتى تيسر له الأمور داخل المرفق الذي يطلب منه الخدمة. وهذا يحيلنا على الأزمة المؤسساتية والقانونية التي يعيشها المغرب، فالمغرب منذ الاستقلال إلى الآن لم يفعل ولم يقو دور المؤسسات الضامن الأساسي والحقيقي لكل التجاوزات التي بإمكان الأشخاص الإقدام عليها. فدولة الحق والقانون والمؤسسات هي التي ظلت غائبة بشكل كبير في المغرب حتى ترعرع ونما الفساد وكل الكوارث السياسية والاجتماعية الأخرى التي تعيق مسيرة المغرب نحوالتقدم والازدهار. طبعا إن غياب المؤسسات وضعف تطبيق القانون هونتيجة حتمية لضعف النخبة السياسية وهوانها وفسادها أيضا وكذلك هشاشة عمل المجتمع المدني، فقد ظل العمل السياسي بالمغرب مرتبطا بالمصالح الخاصة وبأمزجة الأشخاص وحساباتهم السياسية الضيقة وبالصراعات حول السلطة والهيمنة بعيدا كل البعد عن الفعل السياسي النبيل الذي يرمي إلى تحقيق المصلحة العامة وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، وكذا التحديث السياسي القائم على بناء دولة المؤسسات والقانون وترسيخ الديمقراطية، للأسف الشديد ما شاهدناه ونشاهده في المغرب زوايا سياسية تتصارع فيما بينها للحصول على اكبر قدر من الغنائم والهدايا. وتقديس عظيم لشيوخ هذه الزوايا من طرف المريدين- المناضلين. والكل مصاب بهستيريا وقلق الحصول على السلطة والثروة حتى أضحى العقل السياسي المغربي معطلا عن التفكير الصحيح والجسد المغربي مصابا بانهيار تام. إن فساد وتخلف السياسة بالمغرب، تغذيهما ثقافة مجتمعية تمجد الأشخاص على حساب المؤسسات، وهذا وراءه ميراث ثقافي ثقيل، فالولاءات في مجتمعنا التقليدي مازالت قبلية أوعائلية أودينية أوعرقية، إضافة إلى انتشار الأمية والجهل والفقر وسيادة ثقافة الخضوع والاستسلام واللامبالاة والانتهازية وكل مظاهر الفساد التي تطبع العلاقات المجتمعية. فالمجتمع المغربي بدوره احتضن الفساد وراح الكل أفرادا وجماعات يمارسون كل أشكال الفساد من سرقة ونصب واحتيال ورشوة وكذب ونفاق وتملق وتفسخ أخلاقي حتى غدت أغلب علاقاتنا الاجتماعية مسمومة. بالطبع في ظل هذا الجوالسياسي والاجتماعي الفاسد، سيصاب الاقتصاد المغربي بدوره بفيروس الفساد القاتل وسينهار تحت عبء فادح من الجرائم الاقتصادية التي أغنت فئة قليلة من المجتمع المغربي وشردت الفئة العظمى. طبعا في غياب مؤسسات وقوانين تضبط العملية الاقتصادية وتخضعها للشفافية والمحاسبة والمراقبة، وكذلك في غياب تطبيق حقيقي وسليم للقانون على الناهبين والسالبين من سراق المال العام حتى يضرب بهم المثل في محاربة الفساد، وللأسف مازال مسلسل الفساد الطويل الذي بدأت حلقاته قديما مستمرا، ومازال أبطاله الأشرار يعبثون فسادا والشرفاء يحاربون بتهمة زعزعة الاستقرار وإشاعة البلبلة داخل المجتمع والدولة، فمن يدعوإلى الإصلاح والصلاح يحارب، ومن يعربد وينشر الرذيلة، يعظم بل ويصبح بطلا، وهذه من مفارقات السياسة المغربية وتناقضاتها الصارخة التي ستزيد إن لم تتغير وتتبدل إلى الأفضل من تراجع المغرب في تقارير المنظمات الدولية المتعلقة بالتنمية البشرية إلى المراتب الأخيرة. وإذا تحدثت عن ممارسات سياسية متناقضة وفاسدة بالمغرب، فوراء ذلك بالضرورة أفكار فاسدة عشعشت بشكل كبير في العقل السياسي المغربي وفي عقول نسبة كبيرة من المغاربة، أدت بالضرورة إلى سلوكات وممارسات سياسية شاذة ومشينة، أفكار تمجد الاستبداد السياسي والقهر وتبيح التفسخ الأخلاقي وتبرر منطق الزبونية ومنطق الريع والولاء الأعمى للأشخاص بدل المؤسسات وتشرعن الانتهازية والطمع والتكالب على جمع الأموال والسلط بدون وجه حق. وهذا يفرض بالضرورة أن نغير أفكارنا إذ أردنا التغيير الجدري والقطع مع ممارسات الفساد ونختار الأفكار الصحيحة التي تعمل لصالحنا وليس ضدنا، فيمكن أن ننتصر ونرتقي وننجز عن طريق الارتقاء بتفكيرنا، يمكن أن نبقى ضعفاء وراضين بالضعف وتعساء، إذا رفضنا أن نرقي أفكارنا ففي الأخير حياتنا ماهي إلا نتاجا لأفكارنا.