من الناحية المنهجية يكون كتاب «الإسلام والعولمة والإرهاب، تداعيات الحاضر» الذي أعده وترجمه الباحث المغربي عزيز لزرق موفقا في أكثر من جانب، أولا لناحية اختيار النصوص المترجمة، وثانيا لتنظيم هذه النصوص وفق خيط رابط، وثالثا لأن تلك النخبة المختارة هي كوكبة تشكل فكرالعصر، منخرطة في مشاكله وفي قضاياه حتى أخمص قدميها، دون أن يحيد نظرها على أن تكون من حملة الفكر الحر التواق ل«خلاص» البشرية. ورابعا لأنها نصوص تتوحد حول ثالوث واحد هو: الإسلام والعولمة والإرهاب، وليس هناك من كائن أو من «طائر» لا يحلق فوق هذا الثالوث ولا ينقر من حبه ومن زقومه. يجمع كتاب الباحث المغربي عزيز لزرق «الإسلام والعولمة والإرهاب، تداعيات الحاضر» الصادر ضمن منشورات «كلمات بابل» في فسحاته المعرفية التي يوفرها للقارئ العربي منتخبات من النصوص لنخبة من المفكرين الكونيين، المعنيين بالقضايا الكونية، والمهجوسين بالتحولات الثقافية والمعرفية وبالحركة السيارة بالإيديولوجيا سواء أكانت في شقها العقائدي الديني أو في شقها اللبرالي الاقتصادي أو في الأنماط التي تفرخها كعنف أو عنف مضاد يأخذ بعد الانتقام من الطبيعة التحكمية للنظام الواحد الشمولي. وباختلاف المشارب الفكرية والمعرفية لهاته النخبة، فإننا نعثر على أكثر من «أخوة» معرفية تنزع نحو تحليل المظاهر العميقة التي تنتج عن ممارسة العنف، عنف الدولة وعنف الأفراد. هكذا نجد نصوص كل من جاك دريدا وبيير بورديو ودينيس ديكلوس وجيرار لوكليرك وإدغار موران وجون بودريار وإغناسيو راموني وأوليفيي مونجان وإدوارد سعيد وستانلي هوفمان ونعوم تشومسكي وبول دوميشيل وآلان تورين وفتحي بن سلامة ومحمد أركون وآلان روسيون. وقد أطر المترجم كتابه ضمن منظورات ثلاثة: عولمة الحاضر، وعنف الحاضر وإسلام الحاضر، وهي منظورات مترابطة تقدم خلاصات المشاريع الفكرية لهؤلاء الباحثين الذين وسموا النصف الثاني من القرن الماضي والعشرية الأولى من القرن الجديد بطروحاتهم الفكرية وبالأخص بعد الخضة القوية التي أحدثها انهيار المشروع الاشتراكي، وبداية القطبية الواحدة، مما نتج عنه إنتاج منظومة عنف فردية أو جماعية تسعى إلى الانتقام من منتجي القوى المهيمنة. يقول الباحث والمترجم عزيز لزرق في تقديمه للكتاب «يتميز حاضرنا بتفجيره لسؤال الهيمنة في تجلياته المختلفة: الحقيقة، القيمة، الوجود، وبالتالي يصبح حاضر الهيمنة، والتي هي الوجه الآخر لهيمنة الحاضر، بمثابة تفاعل كيميائي لهذه التداعيات الثلاث، أو بصيغة أخرى إن الهيمنة هي قانون ثقل حاضرنا إذ تؤثر التداعيات في بعضها البعض». يكتب جاك دريدا: «العالم ليس على ما يرام، فاللوحة قاتمة بل نكاد نقول إنها سوداء» اللوحة سوداء في عرف دريدا بسبب البطالة والإقصاء الكبير للمواطنين من الحياة الديمقراطية والحرب الاقتصادية وحربائية السوق الحر اللبرالي وصناعة تجارة التسلح واتساع «انبثاث» دائرة التسلح الذري والصراعات ما بين الاثنيات والسلطة المتنامية للدول الأشباح التي تشكلها المافيا ورابطة المخدرات الموجودة في كل القارات، زيادة على هشاشة القانون الدولي ومؤسساته. ومن كل ذلك يستنتج دريدا أن العالم يمر بمرحلة حاسمة من التحول والتي تتطلب بلورة جديدة، عميقة ونقدية لمقومات الدولة، والدولة الوطنية والسيادة والمواطنة، مما يستدعي مراجعات شاملة. من جهته يرى الراحل إدوارد سعيد في مقاله «الانفعال الجماعي» أنه ينبغي التعامل مع حدث 11 شتنبر انطلاقا من رؤية مغايرة ومختلفة، فلا يجب إغفال أبدا الصراع العربي الإسرائيلي والدعم الأمريكي اللامشروط للكيان الصهيوني، يقول: «يتعين علينا أن نفهم الوضعية بطريقة معقلنة وأن نكف عن عقلنة قرع طبول الحرب والتي يعشقها على ما يبدو جورج بوش وفريقه، فبالنسبة لغالبية العالم العربي الإسلامي، تعتبر دولة الولاياتالمتحدةالأمريكية مرادفا للقوة المتكبرة، وفضلا عن ذلك فالدولة اشتهرت بدعمها السخي والمتسربل بالتقوى لإسرائيل وللعديد من الأنظمة العربية المستبدة». وينتهي سعيد إلى القول إن «جذور الرعب، الظلم، والبؤس، هي اليوم مرئية ومعروفة وقابلة للعلاج، ويمكن أن يصبح الإرهابيون أنفسهم معزولين أو يتم احتواؤهم، أو على الأقل تجريدهم من الحوافز الدافعة إلى القيام بأي عمل». السؤال نفسه يلتقطه تشومسكي في مقاله «الإرهاب، سلاح الأقوياء» ويجيب عنه بطريقة مطابقة تماما لإجابة دريدا وسعيد حيث يقول: «إذا أردنا أن نفسر هذا الخزان من التعاطف تجاه بن لادن، حتى داخل الطبقات الميسرة لدول الجنوب، يجب أن ننطلق من الغضب الذي يسببه دعم الولاياتالمتحدة لكل أنواع الأنظمة الكليانية أو الديكتاتورية، يجب أن نتذكر السياسة الأمريكية التي حطمت المجتمع العراقي.. علينا أن لا ننسى دعم واشنطن للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ 1967». وينتهي تشومسكي إلى أن محاربة الإرهاب يفترض تقليص مستوى الرعب لا العمل على مضاعفته. كما أن إغناسيو راموني لا يحلق بعيدا عن هذه الطروحات المركزية، حتى وإن كان اهتمامه منصبا على مشاكل أمريكا اللاتينية وقضايا العمق الآسيوي، فهو يقر بأن مواطني العالم يواجهون اليوم الآلة الكاسحة للعولمة اللبرالية، لينتهي بها الحال إلى تفشي الاستقواء الأمني وممارسة الدولة الأمنية على حساب المواطنة وما جاورها من حقوق، بل إن المجتمع المدني نفسه قد ينجرف بسبب الجزع إلى مباركة الدولة الأمنية، لأنه يرى فيها، خطأ، أنها المخلص من الشرور. لكن جان بودريار يرد على عسكرة الدولة والنزوع إلى الحرب في مقاله «العولمة والإرهاب» إلى غياب الممارسة السياسية وبالتالي غياب السياسة عن المجتمع الدولي مما يعني السقوط في حفرة التطرف والتطرف المضاد، تطرف الدولة وتطرف الأفراد. ويرمي التونسي فتحي بنسلامة إلى المرمى المباشر حين يؤكد على أن بروز نزعات التطرف في المجتمعات العربية يعود أساسا إلى طبيعة النظام العربي، هذا النظام المتميز بالتحلل والانحلال على كافة الصعد «من المؤكد أن الحكام العرب يتحملون المسؤولية الرئيسية في هذا الوضع، فبعد جيل من الرجال الشجعان الذين قادوا شعوبهم نحو مواجهة القوى الاستعمارية وانتزاع تحريرها وكسب احترام الجميع، ظهر عقب هؤلاء: زمرة من الأشخاص غير أكفاء» يتميزون مع بعض الاستثناءات القليلة، بكونهم يتحلون بخصائص مشينة». بينما يرد محمد أركون السبب المباشر للتطرف إلى عوامل بيداغوجية وتربوية، تعليمية في درجة أولى، واستقطابية في درجة ثانية، فحينما يغيب العقل المتنور يقع العبث بعقول الشباب. هل هذا سبب كاف؟.