تعيش بعض البرامج التلفزيونية في القناة المغربية الأولى وضعا يمكن معه تشبيهها بكونها برامج مستقلة، أي أنها مستقلة عن كل شيء، مستقلة عن الجودة وعن المتابعة وعن المراقبة وعن المحاسبة، وهذا ما يمثله برنامج «مراكش إكسبريس»، الذي يستمر في تعذيب مشاهديه وكأنه سيف مسلط على عيونهم. المراكشيون الذين يعرفون قيمة الضحك الحقيقي النابع من القلب، يستغربون لماذا بالضبط اختار هذا البرنامج مدينة مراكش من أجل أن توزع مقدمته، فاطمة النوالي ضحكاتها الباهتة والمصطنعة، على المراكشيين أولا، ثم على المغاربة ثانيا. ومن سوء حظ المراكشيين أن يحمل برنامج بلا معنى ولا روح ولا صدق اسم مدينتهم، التي ارتبط اسمها بالنكتة الصادقة والضحك الخارج من الأعماق. برنامج «مراكش إكسبريس» ليس لعنة فقط على مراكش، بل على الجميع، لأن طبيعته وطريقة تقديمه تدفع إلى تساؤلات حائرة، من بينها لماذا تم الاحتفاظ ببثه كل هذه السنوات على الرغم من ضحالته، في الوقت الذي غابت فيه برامج أخرى جيدة، أو تم رفض أفكار برامج ممتازة، بينما بقيت تفاهات «مراكش إكسبريس» تجلد المغاربة لمدة طويلة. يعتمد هذا البرنامج قليل الجودة والمتعة على استضافة أسماء ووجوه هي في الغالب متواضعة، وذلك من أجل هدفين اثنين، الهدف الأول هو التعريف بها ووضعها تحت الأضواء، وهذا يعني أن ضيوف البرنامج لا يتلقون أي مقابل، وأحيانا يتم إطعامهم وإسكانهم ليوم واحد ثم يرحلون. والهدف الثاني هو أن مقدمة البرنامج تستضيف في الغالب ضيوفا هم في بداية مشوارهم الفني أو المهني، أو أحيانا ضيوفا لا يستحقون الاستضافة إطلاقا، من أجل أن تتغلب عليهم بضحكاتها، وهي ضحكات لا تتخلى عنها سوى مجبرة، عندما يكون ضيوفها أشخاصا وازنين وفنانين حقيقيين، فتتراجع ضحكاتها الغريبة مؤقتا. لكن المشكلة الكبرى في برنامج «مراكش إكسبريس» هو ثمنه. وقليل من مشاهدي هذا البرنامج، وهم قليلون في كل الأحوال، يعرفون أن الحلقة الواحدة تكلف أزيد من 120 ألف درهم، أي 12 مليون سنتيم بالتمام والكمال. هكذا سيكون على الإدارة العامة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، التي تقول عن نفسها إنها تطرق باب الاحترافية والعمل المنظم، أن تشرح للمغاربة كيف أن برنامجا بهذه المواصفات الرديئة يستهلك 12 مليون سنتيم في كل حلقة. ربما لا يجد فيصل العرايشي، المدير العام للتلفزيون، ما يبرر به هذا الأمر سوى أنه يدخل في إطار التبذير غير المبرر الذي يجب أن يوضع له حد. الذين سبق لهم أن تابعوا حلقة من «مراكش إكسبريس»، وتسلحوا بالصبر حتى نهايته، لاحظوا بالتأكيد كيف أن البرنامج يشبه جلسة لتحضير الأرواح، وكيف تلعب الكاميرا من فوق ومن تحت كأنها توهم مشاهدي البرنامج بأن قوى غيبية توجد في المكان، لكن عندما تضحك مقدمة البرنامج فإنها تضفي على المكان سكينة تشبه سكينة الكآبة. مراكش إكسبريس هو أيضا مسألة عائلية. أي أن مخرج البرنامج هو زوج مقدمته، وهذه أول مرة تمنح فيها إدارة التلفزيون المغربي برنامجا لأسرة بكاملها، فيما يشبه برامج الدعم العائلي للأمم المتحدة. وأكثر من هذا، فأن البرنامج يمارس دور التطبيل لأسرة المقدمة والمخرج. وفي آخر حلقة من البرنامج جاء ضيف يدندن بين الفينة والأخرى بالطقطوقة الجبلية في الأعراس، وكال من المديح ما يصعب وصفه لزوج مقدمة البرنامج، أي المخرج الذي يقف خلف الكاميرا في تلك اللحظة، وبذلك انطبقت على البرنامج حكمة «قالوا للديب شكون يشهد ليك.. قال ليهم قزيبتي». هكذا، يبدو وضع هذا البرنامج سرياليا. مقدمته بلا كفاءة، وزوجها هو المخرج، وثمنه 12 مليونا للحلقة، ومصاريفه قليلة جدا، ويمارس دور الغياط لفائدة المخرج وزوجته، وكل هذا بواسطة المال العام ودافعي الضرائب المغاربة.