يحكي السجين يوسف الحلوي في هذه السلسلة التي بعث بها إلى «المساء» من داخل السجن، كيف وجد نفسه فجأة يعذب ب«الطيارة» و«الشيفون» قبل أن يودع السجن بتهمة يقول إنه لا علاقة له بها، حيث أدين يوسف (27عاما) بسنتين سجنا بتهمة «تزوير العملة»، لتنضاف إلى سجله سنتان أخريان بتهمة «محاولة الفرار من السجن». تفاصيل أخرى كثيرة يتناولها يوسف في هذه الزاوية على شكل حلقات: سأل سجين: هل سمعتم آخر الأخبار؟.. داخل السجن لم نكن معزولين عما يحدث في العالم، نتداول الأخبار فيما بيننا ونعلق عليها، كان للقهر الذي نعيشه أبلغ الأثر في كل التفسيرات المجانية للصواب للأحداث السياسية التي نستقيها تارة من التلفاز وأخرى من الجرائد إن سمحوا بدخولها... مجتمع السجن خليط غير متجانس من الفقراء والأغنياء والمتعلمين والأميين لكن تكاد الفئة العظمى من رواد السجن تشترك في نفس ظروف التنشئة وفي دوافع ارتكاب الجرائم، بل وفي أسلوب الحديث عينه وكذا طرق التعبير عن الذات، في حال الغضب والرضى واليأس والتطلع إلى المستقبل. والسجناء على الحقيقة هم طبقة الرعاع الذين يقطنون بالحي العربي وحي التوبة والحي الجديد وجزء من الحي الفرنسي، أما أثرياء الحي الفرنسي فأحرار داخل سجنهم ولا مجال لحشرهم مع باقي الأوباش في اسم أو صفة. رد «لوفيجتيف» عن أي أخبار تتحدث؟ محاكمة صدام.. احتدم النقاش بين النزلاء حول مصير صدام هل هو فعلا معتقل أم أنها خدعة من صنع أمريكا لإشاعة جو من الإحباط واليأس في نفوس مؤيديه؟ الكثير من السجناء يتعصبون لصدام، توجوه بطلا في خيالهم ونسجوا حوله الأساطير. قالوا إن صدام سيحررنا يوما من ذل العبودية وإنه يتعاطف مع السجناء، ألم يطلق سراح سجنائه قبيل الغزو الأمريكي؟ أحاط «البازاكلو» نفسه بحشد من الأوباش وراح يشرح لهم وجهة نظره في مجريات الأحداث... صدام لم يسجن ولن يسجن أبدا، وبغداد لم تسقط، هل تظنون العراق ضعيفا إلى هذا الحد؟ إن جنود العراق البواسل لا يشبهون في شيء شرطة كرواتيا التي تتعقبنا أينما حللنا وارتحلنا لتلقي بنا خلف القضبان، جبناء كرواتيا لا يظهرون بسالتهم إلا حين يتعلق الأمر بالعزل من أمثالنا.. صدام أعد للأمريكان صواريخ لم يسمع بها العالم من قبل، صواريخ «سيدي صموك» و«سيدي هتوك» قادرة على استهداف قلب واشنطن وستبدي لكم الأيام صدق كلامي، لم أسأل «البازاكلو» عن مصدر هذه المعلومات التي لا يعرفها العالم أجمع، لكنني عجبت من قدرته على التأثير في عدد كبير من النزلاء، وكيف أنهم تبنوا وجهة نظره، ما كان «البازاكلو» وزيرا ولا نائبا برلمانيا لكنه أوتي شيئا من قدرة المسؤولين الكبار على الكذب والاختلاق فسحر عقول الناس وصارت له حلقة داخل السجن يواظب الكثيرون على حضورها للتزود من علمه ومعرفته... بغداد تحترق وخيال «البازاكلو» المتوهج لا تطفئه أخبار الجزيرة والعربية وكل قنوات الدنيا.. معجزة هذه المعركة التي تدور على أرض الرافدين أن صاروخا عراقيا انطلق في الفضاء باحثا عن طائرة أمريكية، ومن مساوئ الصدف أنه وجد نفسه وجها لوجه أمام طائرة عراقية، فصرخت قبل أن يصطدم بها، توقف نحن إخوة فأفسح لها المجال لتكمل طريقها، واصطدم بطائرة أمريكية موقعا مائة قتيل !!! انتهت أطوار المحاكمة وأعدم صدام لكن «البازاكلو» ورفاقه رفضوا الاستسلام لهذه الحقيقة المرّة.. فلننتظر، غدا سيدون «سيدي صموك» و«سيدي هتوك» صفحات مشرقة تنضاف إلى تاريخ هذه الأمة المجيد.. أفيقوا يا أولاد الق.. هكذا الذئب اللئيم بأعلى صوته في الصباح يحث السجناء على الوقوف مثنى مثنى لتسهيل عملية الإحصاء.