بوشعيب حمراوي قليل من الناس، ربما، من يعرف أن مصطفى ضايف، الذي فتح محلا للنجارة منذ خمس سنوات بدرب غلف بالدار البيضاء، فنان مبدع في فن النحت على الخشب، وأن لديه عدة أعمال فنية عرضها بتركيا واليونان، وقلة قليلة من هؤلاء تدرك أن النجار، الذي فر من جحيم القنابل والمدافع التي أمطرت أرض العراق إبان الغزو الأمريكي، كان من بين النحاتين القلائل داخل معهد صدام للفنون، لكن لا أحد يعرف أن ضايف هو من صنع آخر كرسي لرئاسة صدام حسين. على بعد أمتار من (جوطية درب غلف)، أكبر مختبر إفريقي للعلوم والتقنيات الحديثة، فتح مصطفى ضايف النحات المغربي، صانع آخر كرسي جلس عليه صدام قبل انهياره أمام الغزو الأمريكي، محلا للنجارة وبدأ حياة جديدة بئيسة وبعيدة عن طموحاته. لم يعد يهتم بإبداعاته في مجال النحت على الخشب والتي كانت محط ثقة وإعجاب العراقيين، وعلى رأسهم زعيمهم السابق صدام حسين. قال ضايف، في تصريح ل«المساء» التي زارت ورشته، إنه قضى أشهرا قليلة بالعاصمة بغداد قبل الغزو، كان فيها الفنان المفضل والمبدع الكبير داخل معهد صدام للفنون، وأضاف أن أعماله الفنية الراقية نالت ثقة وإعجاب رئيس المعهد الذي طلب منه صنع كرسي لصدام يظهر فيها لمساته الفنية. وأوضح ضايف، الذي نحت منذ طفولته على الرمل والخشب والطين، إلى جانب متابعته للدراسة، أنه وبأمر من رئيس المعهد صنع كرسيا من الخشب، على طرفيه أسدان وثمة نسر يربطهما من الخلف، وأن الكرسي كلفه أربعة أشهر من العمل. وأضاف أنه لم يتمكن من الاحتفاظ بالصور ولا من إعادة تصوير الكرسي بعد أن فاجأهم الغزو الأمريكي، مؤكدا أنه فقد معظم ممتلكاته بعدما اضطر حينها إلى الفرار خوفا من القنابل والرصاص الذي أمطرت به الجيوش المتحالفة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية بلاد الرافدين. ولربما لم يتمكن صدام حسين، الرئيس السابق للعراق، من الجلوس عليه، حيث بعد صنعه بأشهر قليلة انطلقت شرارة الحرب، فترك ضايف كل ما لديه من متاع وعاد إلى بلده المغرب، ليبدأ رحلة البحث من جديد عن مورد للرزق وفرصة لإظهار مواهبه. يرى ضايف أن مستقبل النحت مظلم بالمغرب في ظل غياب هيكلة وتنظيم واضحين للفن، وفي ظل غياب التشجيع والدعم. وأوضح أن الخصاص المالي يعيق عمل الفنانين الذين بإمكانهم إنجاز أعمال راقية، مشيرا إلى أن عدة أعمال تتطلب أشهرا لصنعها، لكن عشاقها ليست لهم الإمكانيات المالية لاقتنائها، وتابع: أعمال تكلفنا أشهرا من العمل ومبالغ مالية كبيرة والزبائن تقترح أثمنة هزيلة. ضايف يتحدث بحسرة وألم عن ماض مضى ونجم انطفأ بعد أن سطع بالعاصمة العراقية، يتمتم بكلمات لم يعد يقوى على ذكرها، وابنته الوحيدة وجدان تداعب الخشب بيديها الطريتين. يأمل ضايف توريث ابنته ما اكتسبه من مهارات في عالم النحت على الخشب، وقال إنها تصر على مصاحبته إلى محل النجارة، وظلت تعمل يوميا في النجارة والنحت إلى أن امتلكت موهبة النحت، فانطلقت في عطائها الفني. وجدان تعمل في ورشة أبيها وصبية الحي يلاحقونها بنظراتهم، يتسللون إلى المحل كلما كان الوالد غائبا للوقوف على إبداعاتها... وكثير منهم يطمحون إلى حمل عتاد النحت والعزف على شاكلة عزف وجدان.