هي ذكريات من الزمن الجميل الذي احتضن فيه درب السلطان أبناءه المشاهير، عشاق الكرة ( الأب جيكو، بيتشو، الظلمي، الحداوي، اسحيتة، بتي عمر، الحمراوي...) وهي الذكريات التي أهدى فيها هذا الحي الشعبي الفقير أجمل الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية التي أبدعها في زمن بيضاوي جميل أبناء من تاريخ عصفور، ثريا جبران، عبد العظيم الشناوي، محمد التسولي، عبد القادر مطاع، سعاد صابر، مصطفى الزعري،الحاجة الحمداوية، مصطفى الداسوكين، عبد القادر وعبد الرزاق البدوي، عبد اللطيف هلال، مصطفى التومي، عائد موهوب، أحمد الصعري، الشعيبية العضراوي... هو درب السلطان الحي الذي احتضن طفولة عبد اللطيف السملالي وسعيد السعدي الوزير السابق للأسرة والتضامن...، ومنح للتاريخ مناضلين يشهد شارع الفداء الشهير على تضحياتهم. هو ابن المسرح البيضاوي في لحظات التشكل والانبثاق، هو من جمع بين سحر الخشبة وهوس السينما وسحر الإذاعة، بين الإخراج والتمثيل والكتابة، عاش وسافر عبد العظيم الشناوي محلقا في دنيا الإبداع. هو قبل هذا وذاك الطفل الذي عشق التمثيل وهام في التشخيص بين حيطان درب السلطان الفقير، الغني بطاقاته، هناك ربط أولى علاقاته الفنية والإنسانية مع رجال ونساء مشاهير، سيصبحون سفراء لهذا الحي الشعبي. عن هذا الحي، يقول عبد العظيم الشناوي: «درب السلطان الأمس يختلف عن درب السلطان اليوم، الأمر مختلف بشكل جذري عن الواقع الذي عرفته منذ أربعينيات القرن، تغيرت العادات وتبدلت أحوال الناس فيما بينهم وغابت الألفة والبساطة التي كانت تجمعهم، من يتذكر درب السلطان يتذكر القاعات السينمائية(الملكي، الكواكب،موريطانيا، الزهراء...) التي عاشت أحداثا فنية تاريخية يعرفها البيضاويون وأبناء درب السلطان على وجه التحديد.» عن علاقته بدرب السلطان، يقول الشناوي: «في هذا الحي كانت بداية تعلقي بالفن، إذ بعد عودتي من القاهرة عاصمة الفن والتمثيل العربي، وجدت المجال الفني فارغا بالبيضاء، فقررت أن أؤسس فرقة مسرحية وأشغل معي العديد من الفنانين الشهيرين، من بينهم عائد موهوب وعبد اللطيف هلال والبشير السكيرج، وتزامن حدث التأسيس مع توقيف المسرح العمالي لعمله، فطلب منا الاتحاد المغربي للشغل أن تكون هناك فرقة للهواة، فأخذنا محلا بدرب السلطان، وكان أجر الكراء يتراوح ما بين 70 و100 درهم بشكل شهري، وهذا مبلغ كان مكلفا وقتئذ، لاسيما مع غياب الدعم المالي، في ظل هذه الظروف انطلق المسار، وأتذكر أن أول مسرحية قدمناها كانت تحمل اسم «الطائش» في سنة 1963 بعد سنة واحدة من انطلاق مساري الفني». في هذا الحي اكتشف الشناوي العديد من الأسماء الفنية، عن هذه المرحلة يحكي عبد العظيم:» أولا من الصعب أن أحصر لائحة الفنانين الذين اشتغلوا معي، ويكفي التذكير بعبد اللطيف هلال،عائد موهوب،زهور السليماني،ثريا جبران،محمد بنبراهيم،عبد القادر لطفي،نور الدين بكر،محمد مجد،البشير السكيرج، مصطفى الداسوكين، مصطفى الزعري، سعاد صابر، أحمد السنوسي....، أغلب هؤلاء لي معهم ذكريات خاصة. «ذكريات خاصة من بينها واحدة جمعتني بالفنانة ثريا جبران، إذ في سنة 1964 حينما اشتغلنا على مسرحية «أولاد اليوم»، سألت محمد جبران وهو اسم كان يشتغل في الدعاية والإشهار، وكان متزوجا من أخت هذه الفنانة، عما إذا كان يعرف بطفلة عمرها يتراوح بين العاشرة والثانية عشرة، فقال إن له أخت زوجته فاطمة، وحينما جاء بها سألتها عن اسمها فقالت اسمي السعدية قريطيف، فقلت لجبران هذا الاسم غير لائق فنيا، وبحكم أن اسم ثريا كان موضة في تلك الفترة، قلت لها لنسميها ثريا، فرد جبران وماذا عن الاسم الثاني، فقلت لماذا لا نمنحها اسمك، ليصير الاسم في الأخير ثريا جبران، من هنا انطلق مسار ثريا مع فرقة الأخوة العربية اشتغلت معها في ثلاث مسرحيات، قبل أن تلتحق بفرقة معمورة بعد ذلك. ولي مع أحمد السنوسي الذي مر في فرقتي ذكريات خاصة، إذ شكل رفقة بوشعيب بروز أول ثنائي مغربي من خلال العمل الإبداعي«les marins» الذي تألق فيه السنوسي. وأتذكر اللحظة التي انتمى فيها محمد بنبراهيم إلى المجال المسرحي، إذ في مرحلته الطفولية، كان يضرب الباب ويزعج الممثلين، وفي أحد الأيام أمسكته و«ضربتها ليه بواحد المحطة»، قبل أن أجره ليشتغل معي، ومن ثمة بدأ مشواره الفني. «هو درب السلطان الذي عشت فيه مرحلة الدراسة على يد أسماء شهيرة، من بينها بوشتة الجامعي، مصطفى يعته، الطيب البقالي»يقول عبد العظيم الشناوي. ويواصل الشناوي رحلة ذكرياته، قائلا:«في شارع السوسي الذي تحول إلى شارع الفداء عرفنا المقاومة، وشهدنا فصول كفاح هذا الحي الشعبي في سبيل نيل الاستقلال، بهذا الحي مرت أسماء صنعت التاريخ الفدائي، في هذا الحي عرفت أصدقاء يعرفهم الجميع، هناك كان الأب جيكو ومحمد عصفور وعبد القادر ثابث والحاج فنان والبيتشو، ومحمد فاخر، الروبيو، بكار حارس سابق للوداد، مصطفى البطاش...» بدرب السلطان أتذكر اللحظة التي أهدتني زوجتي كل ما تملك من حلي لكي أقدم عرضي المسرحي، رغم رفضي لذلك، هذه ذكرى لن أنساها أبدا، وأتذكر كفاح والدي في سبيل تربيتنا بشكل جيد رغم صعوبة الظروف وقسوتها، وبهذا الحي الشعبي أتذكر الزمن الجميل للمسرح والفن والرياضة والألفة، وكل شيء.