منح ديموقراطيو ولاية نيو همشاير الأمريكية هيلاري كلنتون الثقة في المضي قدما في حملتها، غير أن مضمون رسالتها البعيد شيئا ما عن متطلباتهم سلط الضوء على المشاكل التي ستواجهها لكي تكون محط ثقة الهيئة المقررة من الناخبين الديمقراطيين. فالإشكالية الكبرى لرسالة كلينتون لا تكمن فقط في كونها تجد نفسها في الواجهة الخطأ للتغيير المقابل لاختلاف التجربة، بل تتجلى كذلك في كون الخطاب الذي تسعى إلى ترويجه هو نفس الخطاب الذي يسعى الناخبون الأمريكيون إلى تغييره. فمؤلفة كتاب «تهمة مؤامرة جناح اليمين» ليست بتلك المرشحة التي بإمكانها لم شتات اليمين واليسار والتخفيف من حدة الصدام الدائر بواشنطن. فرسالة تجربتها لم تنبن على أساس عملها في مجلس الشيوخ أو عملها بشكل قانوني أو تطلعها إلى إحراز التقدم في العديد من الملفات الهامة، بل اعتمدت فقط على الصدى الطيب الذي تركته فترة رئاسة زوجها للبلاد، حيث كانت تشاركه في اتخاذ العديد من القرارات، سواء تلك المتعلقة بالصحة العمومية أو تلك التي تهم السياسة الخارجية. وحتى تكسب المزيد من الأصوات، استعانت بزوجها، بيل كلينتون، في حملتيها الأوليين اللتين جابتا ولايتي أيوا ونيو همشاير. لربما يعتبر ذلك أمرا غير منصف، لكن السياسة تتطلب مثل هذا الدهاء. لكن ما تجهله هيلاري هو أن معظم الناخبين الديمقراطيين لا يحبذون رؤية هيلاري تستعين بزوجها بغية استمالة أصواتهم، وينظرون إلى ذلك على أنه أمر سلبي.عندما أستحضر سنوات كلينتون الثماني التي قضاها في سدة الرئاسة أتذكر ما قام به من أعمال جليلة لفائدة الشعب الأمريكي هو والرئيس جورج بوش الأب، حيث أحترم ما قام به من جهود في سبيل تحقيق الرفاهية للشعب والوقوف إلى جانبه، لكن عندما أرى الرئيس كلنتون وزوجته معا أتذكر أشياء مخجلة، منها قضية مونيكا لوينسكي وكين ستار، كان لهيلاري دور كبير فيها. كل ما تستطيع هيلاري فعله هو التصغير من شأن هذه الأمور والتستر على ما حدث. ما قلته لا يعني أن هيلاري ليس لها الحق في أن تظهر رفقة زوجها أو تتحدث عن تجاربها السابقة، غير أنها ترتكب خطأ فادحا في حملتها حين تعتبر أن الحقبة التي كان فيها زوجها رئيسا للولايات المتحدة هي الحقبة التي أثرت في مستقبل الولاياتالمتحدة ومنحته الكثير من التوهج. ففي الوقت الذي يفوز فيه باراك أوباما بأصوات الشباب والمستقلين لدعوته إلى«أمريكا موحدة»، ودعوته كل المرشحين الجمهوريين إلى إحداث تغيير جاد في الوضع الحالي لواشنطن، تجد هيلاري كلينتون نفسها متخبطة في خطاب لا يسمن ولا يغني من جوع. فقد أدى بها فشلها في أن تكون واقعية وعدم فهمها أن إحداث التغيير يحتاج إلى فترة طويلة، إلى معاقبة الناخبين. إنها تذكرني بذلك الشاب الحزين الذي قام بتعنيف طفل في السادسة من عمره لعدم إيمانه ب«سانتا كلوس»، كلنا يجرنا تعلق بسانتا على الأقل لما تمثله من عطاء وحسن نية. توصلت السيناتور كلينتون إلى ضرورة تبني خطاب واقعي في مرحلة ما بعد حملة «نيو همشاير»، فهي تكثر من الحديث عن الناخبين وتتحاشى الحديث عن نفسها. فالمثقفون الذين يقولون إنها تشعر بالضيق حين تغرورق عيناها بالدموع ينسون أنها تبدو للكثير منا أكثر إنسانية وأقل حزما مما كنا نتوقعه. ففي إحدى ليالي الانتخاب تقدمت الموكب، لم يظهر زوجها سوى لبعض الوقت بينما غابت وجوه الإدارة القديمة التي كانت برفقتها في حملتها ب«أيوا». لقد كان باراك أوباما على حق حين قال: «إن الناخبين يريدون أن يروا واشنطن قوية وموحدة. إنهم يريدون زعيما يشبه ما سماه الرئيس لينكولن ب«الملائكة الأطهار» من جنسنا. كان الرئيس كلنتون دائما يتحدث عن «جسر للقرن الواحد والعشرين»، وبما أن مستشاري السيدة هيلاري يريدون لها الخير فيجب عليهم أن يأخذوا هذه المسألة على محمل الجد، إذ يبدو أن السيدة هيلاري تريد أن ترجع بالولاياتالمتحدة إلى حقبة ما قبل القرن العشرين. يذكر أن كارين هيوز كانت تشغل منصب مستشارة للرئيس الأمريكي الحالي جورج دابليو بوش في البيت الأبيض بين 2001 و2002، كما لعبت دورا هاما في حملتيه الرئاسيتين السابقتين. وفي سنة 2007، عملت مساعدة لوزيرة الخارجية الأمريكية، إذ كانت مهمتها منصبة على تحسين صورة أمريكا في العالم. < عن مجلة «التايم الأمريكية» الصادرة ب11 يناير 2008 < إعداد وترجمة: عز العرب مومني