بداية السنة الجديدة بإيطاليا لم تكن فأل خير على الإيطاليين وعلى أفراد الجالية المغربية المقيمين بهذا البلد الأوربي، فإذا كان الإيطاليون، خصوصا سكان مدينة نابولي، قد حلت عليهم سنة 2008 وهم غارقون في النفايات التي كانت تحيط بهم بسبب سوء تسيير السلطات المحلية لهذا الأمر ولتدخل يد مافيا الكامورّا فيه، فإن الجالية المغربية ودائما في هذه السنة الجديدة بدأت تحس بأنها تستغل بشكل وقح من طرف المؤسسات المغربية (حكومية وغير حكومية) بعد أن اشتمت رائحة استغلال اسمها وقضاياها لتحقيق أهداف ومصالح خاصة وضيقة على حسابها، لتحتج بقوة على موضوع المجلس الأعلى للمهاجرين، مطالبة بأجوبة واضحة ومقنعة، حرب النفايات
نفايات في كل مكان مع مواجهات بين سكان بعض مدن جهة كامبانا ورجال الشرطة والجيش، تبقى الأحداث الأولى التي طبعت بداية سنة 2008 بإيطاليا . فقبل المواجهة المفتوحة التي استدعت حالة الطوارئ وتدخل قوات الجيش الإيطالي، كانت شوارع وميادين مدينة نابولي مثل باقي مدن الجهة، تحت رحمة الأكياس البلاستيكية المحملة بأطنان من النفايات، التي كانت منتشرة بشكل عشوائي في جميع أرجائها وكانت بالتالي تظهر المدينة في وضع وصورة شبيهة بالمدن الأوربية التي كانت تستعد قبل أكثر من ستين سنة لتلقي هجوم عبر غارة جوية إبان الحرب العالمية الثانية. سمعت عن مدينة نابولي وعن تاريخها وثقافتها الغنية بالموروثات المتوسطية، لكنني لم أكن أتوقع أن أشاهد شوارعها بهذا الشكل الفظيع الذي أزال عنها كل أوجه الحضارة والمدنية الراقية، فإضافة إلى منظر الأكياس المكومة بكم هائل مشكلة هضابا وجبالا من النفايات، كانت الروائح منتشرة في كل مكان، تجعل زوار المدينة من السياح غير قادرين على التجول فيها أو التلذذ بنكهة القهوة والبيدزا «مارغاريتا والنابوليتانا»، لهذا فقد قررت نسبة كبيرة منهم تفوق المليون نسمة مغادرة المدينة أو تأجيل الزيارة إليها... فالكل كان يائسا وغاضبا من تردي الأوضاع البيئية بهذه المدينة الجميلة التي تشبه في تفاصيل أحيائها المطلة على البحر الأبيض المتوسط، الأحياء القديمة بمدينة الدارالبيضاء والصويرة والرباط المطلة هي الأخرى على المحيط الأطلسي... بعد حملة إعلامية كشفت عن خطر بيئي يحدق بمدينة نابولي وجهة كامبانا، وبعد رفض عمال قطاع النظافة بالمدينة جمع النفايات، لغياب أماكن خاصة لتجميعها ومعامل لتصنيعها، قرر الجميع سكانا وجمعيات وسياسيين، الخروج إلى الشارع للاحتجاج على تراكم النفايات بالمدينة وعلى غياب سياسة واضحة للبلديات ولإدارة جهة كامبانا، لإيجاد حل موضوعي وعاجل، لهذا الموضوع الذي ينبئ بكارثة بيئية وصحية بالمدينة وبنواحيها. فالأنباء القادمة من مدينة نابولي تشير إلى أن أسباب تراكم النفايات بشوارعها وشوارع بعض مدن جهة كامبانا، تعود إلى رفض السكان هناك دفن وتخزين هذه النفايات بأراضي المدينة، مع المطالبة بنقلها إلى أماكن بعيدة عن جهة كامبانا أو تبني طرق جديدة للتخلص منها دون إحداث أضرار على بيئة المنطقة. فقد تبين لهم من خلال معلومات وأرقام توصلوا بها عن طريق وزارة الصحة ووسائل الإعلام الإيطالية، إلى أن هذه النفايات المدفونة تحت أراضي جهة كمبانا أو بسواحلها، تشكل خطرا كبيرا على صحة المواطنين، وأن عددا كبيرا منهم بدأت تنتشر بينهم أمراض معدية تنبئ بتلوث بيئة جهة كامبانا التي أصبح إيطاليو الشمال يلقبونها ب«قمامة إيطاليا»... ذكرني هذا الوضع وهذا اللقب، «قمامة إيطاليا»، ب«زبّالة ميريكان» المتواجدة بنواحي مدينة الدارالبيضاء، وتذكرت بالتالي ما قاله لي صديق ومهاجر مغربي يتحدر من مدينة مديونة ويقيم بمدينة ميلانو منذ أكثر من عشرين سنة حول هذه «الزبّالة «الشهيرة التي أكد أنها تزداد اتساعا وتلويثا لبيئة مدينة الدارالبيضاء، دون أن تكترث وزارتا الصحة والإعلام المغربيتان لخطرها على صحة المواطنين، خصوصا أولئك المقيمون بالقرب منها (مديونة النواصر بوسكورة...)، وقال: «في كل مرة أعود فيها إلى المغرب إلا وأجد أن هذه الزبّالة أصبحت أكبر من ذي قبل، فأنا على يقين أنه لو قامت وزارة الصحة ومعها وسائل الإعلام المغربية ببحث ميداني يتعلق بهذا الموضوع لوجدوا أن الوضع البيئي هناك أخطر بكثير مما هو عليه بمدينة نابولي وجهة كامبانا، ولعثروا على حالات أمراض خطيرة ومعدية بين سكان هذه المنطقة المنسية التي يخفي الدخان الأبيض المحيط بها أكواما هائلة من النفايات...». استمر اعتصام وتنديد ساكنة نابولي بهذه الأوضاع المأساوية التي تعيشها نابولي وعلى ضرورة تدخل حكومة اليسار ورئيس الجمهورية نابوليتانو المتحدر من نفس المدينة، لإيجاد حل جذري وعاجل لمشكل النفايات، لكن الساكنة نفسها وبعد إحساسها بأن مدينة نابولي وجهة كامبانا أصبحتا منسيتين وأن حكومة برودي تتحرك ببطء، قررت تغيير إستراتيجية التنديد السلمي لتبدأ في تدمير وإحراق كل شيء بالمدينة يمكن أن يصل دخانه إلى أصحاب القرار بنابولي وروما وبروكسيل، مما استدعى تدخل الشرطة في بادئ الأمر، التي لم تستطع التغلب على الانتفاضة الشعبية إلا بعد الإعلان عن حالة الطوارئ واستقدام الجيش الإيطالي لاستتباب الأمن بالمدينة وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه مع تدخل مباشر لرومانو برودي ونابوليتانو ومسؤولين حكوميين وغير حكوميين آخرين في الموضوع وبشكل مباشر لإيجاد حلول عاجلة له. أرباح خيالية من النفايات يرى عدد من المهتمين بأزمة نفايات جهة كمبانا، أن السبب المباشر في عدم تمكن السلطات المحلية بالجهة المذكورة من تسيير هذا القطاع وإيجاد حلول وبرامج واضحة بشأنه، يعود بالأساس إلى تغلغل مافيا «لاكامورا» فيه، بحيث إن المعلومات التي توصلت إليها النيابات العامة بمدن نابولي وكزيرتا وروما، تفيد أن هناك مسؤولين ببلديات مدن جهة كمبانا وبالإدارة المحلية بنفس الجهة وكذا بالشركات المتعاقدة معها، يعملون بولاء لصالح «لاكامورا» لتمرير صفقات ضخمة إلى شركاتها لتحقيق أرباح غير شرعية من عملية تجميع النفايات والتخلص منها . حول هذا الموضوع اتصلت بلوكا مينتانا وهو صحفي إيطالي يهتم بموضوع نفايات نابولي وبتغلغل المافيا الإيطالية فيه لتحقيق أرباح مالية خيالية تقدر بملايين الأورو. لوكا الذي كان يعلم أن للمافيا يدا فيما يحدث بجهة كمبانا، بحكم إقامته بنابولي وبحكم اهتمامه بالموضوع منذ أكثر من خمس سنوات، اعتبر أن دخول مدن الجهة في نفق مظلم وفي مواجهات مفتوحة مع السلطات المحلية، يعود بالأساس إلى بداية إحساس سكانها بضرورة تغيير الأوضاع بشكل جذري وطرد كل وسطاء المافيا الذين يخاطرون ببيئة المنطقة وبصحة سكانها لتحقيق أرباح مالية كبيرة. وقال: «كان من المنتظر فتح معمل كبير بنابولي للتخلص من النفايات بتصنيعها وتحويلها إلى مواد أولية، فرغم أن سلطات المحلية خصصت غلافا ماليا كبيرا لهذا المشروع ورغم سنوات الانتظار، إلا أن هذا المعمل لم ير النور بعد لأن المافيا تعرف بشكل كبير أن فتح أبوابه سيقطع على عصاباتها مداخيل مالية هامة... فالمعلومات التي أحتكم عليها وتعرفها حتى النيابة العامة بنابولي، تفيد أن عصابات المافيا هذه التي تتوفر على أعوان لها بجميع الإدارات المحلية بنابولي وبجهة كمبانا، تفضل بقاء الوضع على ما هو عليه للتمكن كما في السابق من التخلص من نفايات نابولي وجهة كامبانا بالتعاقد مع شركات وجهات إيطالية وأجنبية حتى تضمن نسبة كبيرة من صفقة نقل النفايات إلى مناطق أخرى بإيطاليا... فقد علمت أن شركات بنابولي تسيرها إحدى عصابات «لاكامورا» تفوت لشركات بجهة البييمونتي الإيطالية وأخرى بسويسرا عملية التخلص من نفايات جهة كمبانا مقابل ملايين اليورو، فعوض العمل على الإسراع بفتح معمل تصنيع النفايات الذي سيوفر على بلدية نابولي وجهة كمبانا ملايين اليورو سنويا، يتم القيام بالعكس لتبقى إدارات مدن الجهة المذكورة تعاني من عجز في الميزانية تترتب عنه زيادة الضرائب على السكان لتحقيق توازن في ذلك...». بخصوص نفس العمليات المشبوهة وغير القانونية التي تقوم بها مافيا «لاكامورّا» لتحقيق أرباح مالية خيالية ولتلويث أجواء وبيئة جهة كمبانا، أكدت عدد من الصحف الإيطالية والأوربية، وجود شبكة من العصابات الإيطالية والأوربية تعمل بشكل منظم في تجارة النفايات بين إيطاليا وأوربا من جهة وبين أوربا وإفريقيا وبقية العالم من جهة أخرى، مشيرة إلى نفايات سامة تستقدم من دول أوربية غنية للتخلص منها في مياه إقليم كمبانا الإيطالي وفي عدد من المناطق الخالية من السكان بإفريقيا مثل الصحراء الكبرى التي تمر بعدد من دول شمال إفريقيا مثل المغرب وموريتانيا والجزائر... ما قاله الصحفي الإيطالي ومعه بعض وسائل الإعلامية الإيطالية والأوربية عن تغلغل المافيا في تجارة النفايات، يبقى أمرا شبه صحيح، لكونه يدر أرباحا كبيرة عليها أكثر من تجارة المخدرات والأسلحة، فهذه التجارة الجديدة والمربحة أصبحت منتشرة حتى في المغرب من خلال صفقات مشبوهة وقعها مسؤولون مغاربة لتحقيق نفس الغرض... فقد أكد لي رجل أعمال مغربي يقيم بمدينة بيرغامو الإيطالية بالبرهان والدليل، تغلغل المافيا المغربية في تسيير نفايات المغرب من خلال منحها صفقات ومناقصات هامة تخص مدنا مثل مراكش وفاس والدارالبيضاء وطنجة إلى شركات أجنبية مقابل تخلي هذه الأخيرة عن نسبة من الأرباح السنوية لصالح هؤلاء المسؤولين، وقال: «قبل سنوات جلبت ملفا متكاملا إلى عمدة مدينة مراكش عن مشروع شركة أسترالية تصنع النفايات وتحولها إلى طاقة، لو تم قبوله لوفر على مدينة النخيل مبالغ مالية كبيرة ولقام بتشغيل أكثر من ألفي عامل مع تخليص المدينة ونواحيها من تراكم النفايات، لكن وللأسف قوبل طلب بناء معمل يختص بهذا الأمر ولأسباب غير معروفة بالرفض، لأتأكد بعد ذلك أن هناك مافيا حقيقية بالمغرب وبمدينة مراكش وراء تجارة النفايات...». مهزلة المجلس الأعلى للمهاجرين تحرك الجالية ومن نفايات جهة كمبانا ونابولي إلى لائحة مجلس حقوق الإنسان ويتعلق الأمر بالأعضاء الذين اختارتهم لتمثيل مغاربة الخارج خصوصا بإيطاليا. فقد كانت عدد من الجمعيات المغربية بشمال ووسط إيطاليا، تنوي في بداية السنة الجارية تنظيم وقفة احتجاجية أمام قنصليتي المملكة بكل من بولونياوميلانو احتجاجا على ما أسمته بمهزلة المجلس الأعلى للمهاجرين، وب»حكرة « الجالية المغربية بإيطاليا والتقليل من شأنها، لكن وفي آخر لحظة اكتفوا بعقد اجتماع بإحدى قاعات مدينة ميلانو مظهرين مراعاتهم للظروف الحساسة التي تمر بها البلاد والمتعلقة بوحدتها الترابية وبمشاكل أخرى تتخبط فيها . فالبيان الذي أصدرته الجمعيات المشاركة في الاجتماع أكد أن إلغاء الوقفة أمام قنصلية ميلانو وبلونيا، جاء بهدف إظهار وحدة الصف المغربي تجاه قضايا البلاد المقدسة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه في حالة عدم استجابة السلطات المغربية لمطالب الجالية بالنظر في تفاصيل اختيار عناصر المجلس الأعلى للمهاجرين، وفي حالة صم آذانها عن ذلك، فإن الجمعيات المغربية بإيطاليا ستعبأ بكل الإمكانيات المتاحة لديها لتنظيم وقفات كبيرة أمام جميع قنصليات المملكة بإيطاليا مع تنظيم مسيرة من إيطاليا إلى المغرب، تضم أعداد كبيرة من أبناء الجالية لن تتوقف إلا أمام البرلمان المغربي للتنديد بما سمي بالإهانة الكبرى في حق الجالية المغربية بإيطاليا. أثناء الاجتماع كان الجميع على أعصابهم وكان الكل يحاول الإدلاء برأيه للتعبير عن موقفه وعن غضبه من اسم «اليازمي» الذي كان يتكرر مرات ومرات في هذا الاجتماع، فقد اتهمه بوشعيب لامين، وهو رئيس جمعية مغربية بمدينة تريفيزو، بالمحسوبية والزبونية وخيانة الأمانة التي كلفه بها صاحب الجلالة، ليختار ممثلي مغاربة الخارج من أصدقائه اليساريين بالعالم دون ضوابط وشروط موضوعية. وقال: «هو أمر مخجل أن يتم تكليف شخص لا يفقه شيئا في موضوع الهجرة وحين أسندت له مهمة اختيار أعضاء المجلس الأعلى للمهاجرين، قام باختيار عناصر يساريين كانوا بالأمس يخططون لانقلابات في المغرب لتتم مجازاتهم بهذا الشكل، وكأن المجلس المحدث يهدف من ورائه إلى رد الجميل لأصدقاء ومناضلي الأمس، وليس الهدف منه هو تأسيس اللبنة الأولى لخلق علاقات إيجابية بين مغاربة الخارج والداخل... فاليازمي أظهر ارتباكا واضحا في عملية الاختيار ستترتب عنها عواقب وخيمة». إذ كيف يعقل أن يختار لعضوية هذا المجلس شخصا بإيطاليا يدعي أنه حاصل على الدكتوراه من جامعة السربون الباريسية وهو غير ذلك؟ استمرت تعليقات وغضب رؤساء الجمعيات المجتمعة بميلانو واستمر معها سؤال: «من سيتدخل يا ترى لإيجاد حل عادل لهذا الموضوع وإعادة الثقة من جديد للمؤسسات المغربية على الأقل في نظر مغاربة الخارج؟».