بجرة قلم أنهى عبد الواحد الراضي أزمة الاتحاد الاشتراكي، فقد خرج أول أمس في ندوة صحفية عقب نهاية أشغال المجلس الوطني، وقال دون تحفظ: «الاتحاد تجاوز أزمته الآن». ماذا حدث حتى تجاوز الاتحاد أزمته؟ عقد مجلسه الوطني، ثم ماذا بعد؟ تكلم 181 عضوا ونفسوا عن غيظهم، ثم ماذا بعد؟ تقرر الذهاب إلى المؤتمر في نهاية الربيع، ثم ماذا بعد؟ أعلن اليازغي في خطبة الوداع أنه لن يترشح لأية مسؤولية في الحزب وأنه حريص على وحدته... الأزمة مازالت قائمة، والحكم عليها مرتبط بنوع التحضير القادم للمؤتمر الثامن للحزب، ونوع الأوراق التي تحضر لمستقبله السياسي وخطه الفكري واختياراته التنظيمية، وما إذا كان سيتجه إلى مؤتمر حقيقي بعدد مؤتمرين محدود (400 إلى 500) حتى يفسح المجال لنقاش وتفكير عقلاني أم إلى تنظيم مهرجان للخطابة وحفل لإعلان الولاء للأشخاص وهندسة الأغلبيات واتجاهات التصويت وتعويم المؤتمر وسط حشد غفير جاء أغلبه للتصويت لهذا أو ذاك... أتصور أن الحزب الذي يعيش أزمة عميقة منذ سنوات، لن يخرج منها إلا بقرارات تاريخية وقطيعة سياسية جذرية تجيب عن الأسئلة الحقيقية الموضوعة على الحزب. وقبل الجواب عن أسئلة المرحلة السياسية والإيديولوجية والتنظيمية، لابد من إجراء نقد شامل لأداء الحزب في الحكومتين السابقتين. إن الصدمة التي نظّر لها فتح الله ولعلو لإخراج الحزب من أزمته لا تقف عند إزاحة محمد اليازغي من رئاسة الحزب، بل تمتد إلى ضرورة انسحاب كل الوزراء الذين جلسوا لمدة 10 سنوات في مقاعد الوزارة دون أن يلتفتوا إلى نوع مشاركتهم وما إذا كان الحزب ومشروعه الديمقراطي قد استفادا من هذه المشاركة أم لا. إن فتح الله ولعلو ومحمد الأشعري والحبيب المالكي ونزهة الشقروني وعبد الواحد الراضي... كلهم مطالبون بالانسحاب من قيادة الحزب ومعهم أعضاء المكتب السياسي الذين كانوا يؤيدون طرق تدبير المرحلة السابقة، وكانوا من الموالين لليازغي قبل الانقلاب عليه لحسابات مازالت غامضة... الحزب بحاجة إلى إعادة بناء جديدة بعقول وأفكار وأشخاص آخرين لم «يتورطوا» في تدبير مرحلة فاشلة، ثم إن تداول النخب داخل الحزب يفرض على هؤلاء أن يتركوا مقاعدهم لآخرين... ثانيا: إن المؤتمر القادم مطلوب منه أن يتخذ قرارا حاسما في ما يخص المشاركة في الحكومة من عدمها، وأن ينهي المفارقة التي يوجد فيها الحزب الآن: فمن جهة، يقول تحليله للأحداث إن المغرب يعيش نكوصا ديمقراطيا، وإن المؤسسة الملكية تهيمن على القرار، وإن مشروع التناوب التوافقي فشل، ومن جهة أخرى يستمر في المشاركة الحكومية بمواقع هامشية لا تأثير لها على القرار. ثالثا: المؤتمر مطالب كذلك بوضع آليات جديدة لتفعيل الديمقراطية الداخلية، من خلال تحديد صلاحيات الأجهزة والمؤسسات وإحداث التوازن في السلط والقرار بين المجلس الوطني –برلمان الحزب- والمكتب السياسي، علاوة على تفعيل باقي المؤسسات الموازية الأخرى... إن المحاسبة غائبة في حزب القوات الشعبية، فمثلا خرج المؤتمر الوطني السابع بعدة قرارات لم تجد طريقها إلى التنفيذ، حيث لا توجد مؤسسات وآليات للربط بين سلوك الوزراء والبرلمانيين ورؤساء الجماعات وبرنامج الحزب وتوجهاته وخطه الفكري أو السياسي. ومع المدة يصير الحزب مجرد سلم للوصول إلى المواقع المدرة للدخل، أو بالأحرى «للريع السياسي»، خارج أي توجيه أو مراقبة من طرف الحزب لأعضائه... إن الحديث الذي واكب افتتاح المجلس الوطني، والذي بالغ في اللعب على «العواطف»، من خلال استدعاء سيرة عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة وعمر بنجلون، وأضيف إلى هذه الشجون الحديث عن 11 يناير وتزامن الذكرى... كل هذه «الاستدعاءات» للماضي تبعث على القلق من أن الثمن الذي سيقدم كمقابل لهذا السخاء في العودة إلى الماضي، هو الحاضر والمستقبل.