لم يكن حفل تأبين والد اللاعب الدولي السابق عبد المجيد سحيتة مساء الخميس الماضي، مجرد «عشاء ميت» بكل ما يحمله من طقوس روحانية، بل كان أقرب إلى مناظرة وطنية لكرة القدم. في تلك الأمسية التي امتدت إلى منتصف الليل فضل الحاضرون تشريح جثة الكرة، تحدثوا عن هذه الملعونة التي تملك القدرة على تحويل مجرى حفل تأبين دامع إلى ندوة وطنية، تنوعت محاورها بتنوع المتدخلين الذين ارتدوا لباس المآثم واحتفظوا بقلوب الملاعب. تنبعث من إحدى الموائد أصوات مجموعة من مدربي الفئات الصغرى للوداد وهي محملة بالقلق، يبكون همومهم بدموع متحجرة، فلا يجدون إلا العزاء الذي تقاسموه مع الفقيد، طالب أحدهم بمعاملة تراعي ماتبقى من رصيد كروي واقترح بعضهم تمكين قدماء الوداد من نظام التغطية الصحية كي لاينتهي بهم المطاف في تشكيلة المعوزين. كان سحيتة يتلقى التعازي بقلب مكلوم لكن حديث الموائد سرعان ما يجذبه لينخرط في نقاش كروي يبعث المواجع ويحبط الهمم، أحد منخرطي الوداد اخترق الهمس المسموع وتساءل عن سر نكبات الوداد وطالب المرتلين برفع أكف الضراعة إلى الله كي يحفظ النادي من كل مكروه، بينما تساءل أحد الحاضرين بمجرد أن التقت عيناه بعضو من عصبة الدارالبيضاء عن سر تأخير انطلاقة بطولة الفتيان، فأحاله المسؤول على مقولة «كاين غير الموت». حول محيط إحدى الموائد جلس بعض قدماء الاتحاد البيضاوي يستمتعون بماضي «الطاس» لسان حالهم يدعو للم الشمل وإنهاء الشتات وحال لسانهم مصاب بالتمزق والالتهاب، وحين يداهمهم ألم الحاضر يهربون نحو جاذبية الماضي، حين كان نومير وبؤسا والغزواني ينافسون الرجاء والوداد على احتلال قلوب البيضاويين. ولأن حفل التأبين يقام في عمق حي البرنوصي فإن عائلة سحيتة حجزت موائد للرشاد، كانت فرصة للحديث عن الصفقات والمطالبة برفع الحصار عن المنخرطين الذين كادوا أن يحملوا لافتات الاحتجاج إلى قاعة التأبين لو قدر للرئيس أن ينضم للمعزين. قدم رئيس مقاطعة سيدي مومن شروحات حول الملعب الكبير، وهو ينزع بقايا الخوف العالق بأذهان من شكك في بناء مركب كبير في حي صغير، وقاد حديث الكرة الحاضرين لموضوع الشغب وانتقدت مجموعة من المداخلات قانون المنخرط الذي يجعل سلطة المال أكبر من سلطة الرجال. التهم الحاضرون المواضيع الرياضية الساخنة بنهم قبل أن يشرعوا في غاراتهم على الأطباق، حينها شعر الواعظ الجالس خلف الميكروفون أن نوعية الحضور لاتملك حاسة الإصغاء، وأن كلام الكرة ابتلع خشوع المناسبة، التمس فاصلا وأرسل بنبرة جادة وتقاسيم صارمة تحذيره لمعشر الرياضيين داعيا إلى وقف اللغو ومنبها من مغبة الانسياق وراء كرة مثيرة للفتن. قليلون أولئك الذين تحدثوا عن مزايا الفقيد، عن حبه الجارف للوداد عن رحلة العذاب التي قطعها بين المصحات والملاعب، عن الألم الذي لم يمنعه كلما استفاق من غيبوبته من السؤال عن أحوال الوداد قبل أن يسأل الممرضين عن وضعيته. في ليلة التأبين أصر الحاضرون على تأبين الكرة بدل تأبين الفقيد، دخلوا المكان وهم يتمتمون بكلمات عزاء وغادروه وفي أذهانهم توصيات ميتة.