تنشر «المساء» في واحتها الصيفية، صفحات من تاريخ الكرة المغربية، خاصة في الجانب المتعلق بوفيات رياضيين في ظروف لفها الغموض، وظلت جثامينهم ملفوفة بأسئلة بلا جواب، رغم أن الموت لا يقبل التأجيل. العديد من الرياضيين ماتوا في ظروف غامضة، وظلت حكايا الموت أشبه بألغاز زادتها الاجتهادات تعقيدا. ونظرا للتكتم الذي أحاط بالعديد من الحالات، فإن الزمن عجز عن كشف تفاصيل جديدة، لقضايا ماتت بدورها بالتقادم. في الساعات الأخيرة من حياة عبد اللطيف بكار، قرر اللاعب السابق للرجاء البيضاوي مصالحة الذات والأقرباء، فقد عقد جلسة صلح مع شقيقه الأكبر سي محمد بمقهى قرب حديقة مردوخ بوسط الدارالبيضاء، ودعا عسيلة والد زكرياء عبوب إلى جلسة مصالحة من أجل تذويب خلاف عائلي، كما لبى دعوة المحامي العلوي وابنه إلى تناول وجبة عشاء من أجل فض خلافات عالقة في دار إسبانيا، قبل أن يداهمه فعل إرهابي غاشم حول الفضاء إلى بركة دم. قبل أن يتوجه بكار إلى قدره النهائي، التقى بشقيقه الأكبر الذي يعيش في المهجر، واتفقا على تذويب خلافات قديمة بحضور ادريس ماهر والصحافي محمد أبو السهل. يقول ماهر ل«المساء»، إن بكار كان في قمة أناقته وكأنه في يوم زفاف، وكان يصر على تذويب خلافاته مع محيطه، بل إنه جالس شقيقه لدقائق من أجل إنهاء مخلفات نزاع قديم، «وقبل أن يغادر المقهى عانق بالأحضان الصحافي أبو السهل وشكره على المقال الذي كتبه حول وفاة زميله لاعب الرجاء الأسبق عبد الرزاق الدغاي». بدا بكار مستعجلا وكأنه على موعد مع القدر، كان يتحدث في هاتفه المحمول وكأنه يرتب مواعيد أخرى مع أشخاص كانوا في انتظاره في مكان آخر. يقول عسيلة ل«المساء»: «لا زلت أتذكر تفاصيل تلك الأمسية المشؤومة وكأنها حصلت بالأمس، لقد كان الراحل بكار يريد أن ينهي نزاعا بيني وبين زوجتي، وكان من المقرر أن نتناول وجبة عشاء بمطعم الدنفيل بالدارالبيضاء رفقة ابني زكرياء عبوب، توجهنا إلى المطعم المذكور في الموعد المتفق عليه لكنه لم يحضر، وحين اتصلت به هاتفيا أكد لي أنه يتواجد في مطعم دار إسبانيا، وأنه سيلتحق بنا بعد نصف ساعة فقط، لأنه تلقى دعوة طارئة من المحامي العلوي وابنه الذي يلعب في الفئات الصغرى للرجاء وموظفين بعمالة الفداء، وحين تأخر عاودت الاتصال به لكنني سمعت دوي انفجار في الهاتف، وبعد لحظات أكد لنا صاحب المطعم حدوث انفجار في دار إسبانيا فتوجهت على الفور إلى عين المكان». مات بكار من شدة الانفجار، حيث أكد التشريح الأولي للجثة أن الإصابة كانت على مستوى طبلة الأذن، ولم يتمزق جسد الفقيد أو يتحول إلى أشلاء كما حصل للعديد من الضحايا الذين داهمهم الموت على حين غرة. ارتبطت مجموعة من الغرائب بوفاة عبد اللطيف بكار، فقد انتهى مقامه في الحياة الدنيا في الذكرى الخمسينية لميلاده، مات بعد أن خصص يوم الجمعة بالكامل لتوديع كل من التقاه وكأنه تلقى إشعارا بالرحيل، بل إنه ظل يتحدث بكثير من الأسى عن رفيق عمره اللاعب السابق للرجاء عبد الرزاق الدغاي، الذي مات قبل شهرين وترك فراغا رهيبا في نفسه ووجدانه. وتشاء الصدف أن يرصد مبلغ 70 ألف درهم من الريع المالي المخصص لبكار والمقدر ب470 ألف درهم، لفائدة زوجة رفيق دربه عبد الرزاق، وذلك لاقتناء شقة في شارع المقاومة أنهت معاناتها مع الإيجار. ترك الراحل أسرة صغيرة تتكون من ثلاثة أفراد (زوجة وابنان)، دون أن يمكنها من سكن قار، حيث كان يستأجر بيتا في حي حكم بالدارالبيضاء، تكفي أجرته كمدرب للفئات الصغرى للرجاء، بالكاد، لأداء سومته الكرائية، ناهيك عن مصاريف الزوجة وزكرياء وفاطمة الزهراء. قامت جمعية قدماء لاعبي الرجاء البيضاوي وجمعية «رياضة وصداقة» وجمعية «نجوم المنتخب الوطني» بتنظيم حفل تأبين مشترك، تخللته مباراة استعراضية، شارك فيها نجوم كرة القدم من مختلف الأجيال والجنسيات والديانات أيضا، تكريسا من الجهة المنظمة لمبدأ التسامح كسلاح ضد الإرهاب الذي ضرب الدارالبيضاء يوم الجمعة 16 ماي 2003. يتذكر الحاج قيس الذي عايش عائلة بكار في أصعب الظروف في تصريح ل«المساء»: «علاقتي ببكار بدأت سنة 1965 حين التحقنا معا ببراعم الرجاء البيضاوي إلى أن وافاه الأجل المحتوم، بل إننا لعبنا سويا في أكثر من فئة عمرية وتدرجنا عبر مختلف المراحل، وهو ما مكنني من التعرف على أدق تفاصيل حياته، لقد كان نموذجا في الإيثار حيث كان يساعد الآخرين لتظل أسرته تحت ضغط أعباء الحياة، كان يبحث عن ألبسة من المحسنين ليوزعها في الأعياد على اللاعبين الفقراء، كان يعيش وكأنه سيموت غدا». ومن المفارقات التي ارتبطت بمقتل بكار، أن نادي الوداد البيضاوي قرر تخصيص 10 في المائة من مداخيل ديربي سنة 2003 لفائدة عائلتي بكار والمهدي، وهما من لاعبي الوداد وماتا في فترة متقاربة. اتصلت إدارة الوداد بالحاج قيس وطالبته بنسخة من البطاقة الوطنية لمريم، أرملة بكار، من أجل تسجيل اسمها على شيك الدعم، لكن مرت على وفاة عبد اللطيف ست سنوات ولازالت أسرة الراحل تنتظر نصيبها من المبادرة الإنسانية التي ضاعت في زحمة الانشغال بالنتائج الآنية. بعد ثلاث سنوات، تلقت أرملة بكار شيكا بالتعويضات المخصصة من الحكومة لضحايا أحداث 16 ماي، في حفل أشرف عليه وزير التشغيل والتكوين المهني مصطفى المنصوري، بمقر ولاية الدارالبيضاء الكبرى. وقد شملت هذه العملية11 شخصا ممن استنفدت ملفاتهم جميع المراحل، وتمت تصفية مستحقاتهم من تعويضات يومية عن فترة العجز المؤقت عن العمل والإيراد العمري الذي سيستفيدون منه مدى الحياة، بينما لازال ريع المباراة التكريمية في طي الكتمان.