تنشر «المساء» في واحتها الصيفية، صفحات من تاريخ الكرة المغربية، خاصة في الجانب المتعلق بوفيات رياضيين في ظروف لفها الغموض، وظلت جثامينهم ملفوفة بأسئلة بلا جواب، رغم أن الموت لا يقبل التأجيل. العديد من الرياضيين ماتوا في ظروف غامضة، وظلت حكايا الموت أشبه بألغاز زادتها الاجتهادات تعقيدا. ونظرا للتكتم الذي أحاط بالعديد من الحالات، فإن الزمن عجز عن كشف تفاصيل جديدة، لقضايا ماتت بدورها بالتقادم. في الوقت الذي كانت فيه جمعية «رياضة وصداقة» تستعد لتنظيم مباراة تضامنية مع نجم طنجة اللاعب الدولي السابق أحمد الزبطي الشهير بلقب الروبيو، تناقلت قصاصات الأنباء في يوم 11 يونيو من سنة 2008، نبأ وفاة الروبيو في إحدى المصحات بعد أن تمكن منه داء السرطان وأحاله إلى مجرد اسم في زوايا التعزية والمواساة في المنابر الإعلامية. حين التقى به اللاعب الدولي السابق عزيز بودربالة في مدينة طنجة، أثناء مرور قافلة القدم الذهبي بعاصمة البوغاز، لم يتمكن من تفحص ما تبقى من ملامح وجه لاعب كان بالأمس نقطة الضوء في عتمة الكرة الشمالية، والممثل المعتمد لدى المنتخبات الوطنية، حين كانت أبواب الفريق الوطني موصدة في وجه القادمين من «مغرب كروي غير نافع». نابت النظرات اليائسة للروبيو عن الكلمات في تشخيص الحال والمآل، واختزل شلال الدموع التي انسابت على خده مأساته كلما ربت بودربالة على كتفه ودعاه إلى التسلح بالإيمان في مواجهة اليأس. أجمعت كل الروايات على أن الروبيو مات «بسرطان» الإهمال والجحود، قبل أن يموت «كلينيكيا» بورم سرطاني خبيث على مستوى الجهاز التنفسي، فقد عاش في آخر حياته على إيقاع اللامبالاة، واقتنع بأن التصفيقات التي رافقته وهو على قيد الممارسة زالت بعد أن أحيل على التقاعد الكروي، لأن المسؤولين عن الكرة في عاصمة البوغاز لا يعترفون إلا باللاعب الجاهز. يقول رفيق دربه سيف الدين، العميد السابق لاتحاد طنجة ل«المساء» بنبرة حزينة، وهو يعيد ترتيب وقائع نكبة الروبيو، إن المشاكل العائلية التي طوقته في أيامه الأخيرة كانت سببا رئيسيا للوفاة، مؤكدا أن الروبيو عاش حالة من الاكتئاب في آخر أيامه، وكأنه يحصي ما تبقى له في الحياة من ساعات معدودة. طوقت حبال الأزمة المادية عنق أسرته الصغيرة التي تتكون من ثلاثة أبناء وزوجة لا معيل لهم إلا ما كانت تحمله يدا الروبيو، وأصبح مهددا بالتشرد رغم أنه مصنف في خانة الرموز الكروية بالمدينة ومنطقة الشمال. تواطأ الوضع الاجتماعي المتدهور مع الوضع الصحي فتحول الورم إلى سرطان مزدوج يخترق جسدا داهمه الهوان. حين شعر بالألم يخنق قنواته التنفسية. زار أحد أطباء المدينة وعاد بوصفة دواء سريعة وتطمينات جعلته يعتقد أنه يواجه زكاما عابرا، لكن التحليلات المجهرية كذبت رواية الطب العام، وأنهت الغموض الذي طال حالته الصحية، خاصة وأن نوعية الألم كانت مبهمة لمدة عام ونصف قبل أن تتأكد نوعية المرض. «بفضل ثلة من المحسنين وإدارة أمانديس التي كان يشتغل فيها كموظف قبل أن يحال على التقاعد النسبي، تمكن من أداء المصاريف الباهظة للاستشفاء في مصحة بالدار البيضاء، بينما أدار له المسؤولون في المدينة ظهورهم تاركين الرجل في مواجهة مصيره». ومن المفارقات الغريبة في حياة الروبيو أن تعيش أسرته نكبة مزدوجة وتقيم حفل تأبين مشترك، حيث مات الأب الروبيو قبل يوم واحد من وفاة الابن، وتحول منزل الأسرة إلى ملاذ لتعازي مشتركة، بل إن قبر الروبيو قد جاور قبر والده في مقبرة المجاهدين وكأن القدر شاء أن يجمع فضاء الفناء ما فرقته الحياة الدنيا. أثناء مراسيم الدفن وفي ليلة التأبين، تنافس المسؤولون في تقديم الوعود، وحول الموائد تعددت المقترحات وتناسلت الأحلام، رغم أن مطلب الأسرة كان يتمثل في إنقاذ أبناء وأسرة الراحل من موت ثالث، وتوفير مسكن يجمع الشتات ويقي من التشرد. أعرب الحاضرون والغائبون عن رغبتهم في إنصاف الفقيد في مماته بعد أن تعرض للنكران في حياته، بتوفير سكن لائق وتشغيل الزوجة المكلومة وتنظيم دوري سنوي يخلد ذكرى الراحل وإطلاق اسمه على أحد المرافق الرياضية في عاصمة البوغاز، لكن حين تفرق الجمع ماتت الوعود ودفنت بلا كفن ولا شاهد ولا عنوان. وكأن مدينة طنجة تحولت إلى قطة تأكل أبناءها. لم تتحرك الفرق التي حمل الروبيو ألوانها، خاصة اتحاد طنجة وحسنية أكادير والمغرب التطواني، بل إن فريقا بلجيكيا انضم إليه لمدة قصيرة، وجه برقية عزاء إلى الأسرة الحزينة وإلى الفريق الذي ارتبط به الراحل. يقول العميد السابق للاتحاد الطنجي: «عشرات الحالات التي لاقت نفس المصير في طنجة وماتت على وسادة الوعود، نظرا إلى غياب رعاية حقيقية للاعبين القدامى وإلى حضور الصراعات الجانبية بين القائمين على شأن المدينة. لقد مات الروبيو الفنان، مات وهو على خلق عظيم، لكن وفي قلبه غصة من شدة النكران الذي عانى منه بعد اعتزاله».