تنشر «المساء» في واحتها الصيفية، صفحات من تاريخ الكرة المغربية، خاصة في الجانب المتعلق بوفيات رياضيين في ظروف لفها الغموض، وظلت جثامينهم ملفوفة بأسئلة بلا جواب، رغم أن الموت لا يقبل التأجيل. العديد من الرياضيين ماتوا في ظروف غامضة، وظلت حكايا الموت أشبه بألغاز زادتها الاجتهادات تعقيدا. ونظرا للتكتم الذي أحاط بالعديد من الحالات، فإن الزمن عجز عن كشف تفاصيل جديدة، لقضايا ماتت بدورها بالتقادم. أثناء رحلة العودة من أكادير، بعد أن واجه فريق الوداد البيضاوي نظيره رجاء أكادير، شعر مدرب الفريق عبد الحق القدميري باختناق شديد لكنه حاول التكتم وتدبير الأزمة إلى حين وصول وفد الوداد إلى الدارالبيضاء. مباشرة بعد انتهاءالمباراة التي جمعت وداد البيضاء برجاء أكادير، قرر عبد الحق القدميري العودة فورا إلى الدارالبيضاء. استغل اللاعبون طول المسافة الرابطة بين العاصمة الاقتصادية وعاصمة سوس للخلود إلى الراحة والانخراط في نوم عميق. كانت الحافلة التي تقل الفريق، وهي تابعة لشركة بيلمان الجنوب، تبتلع الكيلومترات وسط حالة صمت تارة وحالة همس تارة أخرى. في سنة 1969، كان القدميري يقود حملة إعادة بناء فريق قوي، معتمدا على تشكيلة مخضرمة يتعايش داخلها لاعبون مجربون وآخرون شباب. وكان المدرب يركز على قطع غيار شكلت النواة الصلبة للفريق الذي نال كأس العرش بعد شهرين من الواقعة التي نحن بصددها، من أمثال عبد القادر وأحرضان، الذي غاب عن النهائي وعوضه حموصة، وعبد العزيز والزغراري وعمر وعبد الحق وزهيد وغيرهم من الأسماء التي قادت الوداد، بالرغم من نكبة وفاة القدميري، إلى الظفر بكأس العرش، أول لقب ينتزعه النادي في تاريخه. مني فريق الوداد بهزيمة صغيرة في أكادير، وظل المدرب القدميري، على امتداد المسافة الفاصلة بين أكاديروالدارالبيضاء، يعيد قراءة المباراة وأطوارها وهو يوجه، بين الفينة والأخرى، لوما وعتابا إلى بعض اللاعبين. قال أحد لاعبي الوداد البيضاوي الذين شاركوا في المباراة، متحدثا عن اللحظات الأخيرة من حياة المدرب القدميري، إن حدة الأزمة التي انتابته زادت حينما اقتربت الحافلة التي تقل اللاعبين إلى مدينة الدارالبيضاء، وأضاف أن المدرب كان محاطا ببعض العناصر، خاصة اللاعب الباكيلي والمسير اسماعيل الخطابي، وظل يعاتب بعض اللاعبين الذين لم يكن أداؤهم مقنعا، بل إن اللاعب باكيلي قال للقدميري إنك أعز شخص في حياتي، فرد عليه المدرب بعفويته ستكون أعز صديق إذا تخلصت من تمسكك بالكرة ووزعتها على زملائك، وستقتلني بالغبن إذا لم تتقيد بوصيتي، عانق الباكيلي مدربه وانخرطا في الضحك، أملا في التخلص من آلام تنتابه بين الفينة والأخرى. حاول اللاعبون التخفيف من نوبة الغضب التي كانت تداهم القدميري، وظلوا يراهنون على مباريات كأس العرش من أجل إرضاء عبد الحق، ونسيان نتيجة أكادير. أجمع اللاعبون على أن الخيار الوحيد هو الظفر باللقب وطي صفحة الخلاف، وبالتالي إرضاء الجماهير الودادية. في ساعة متأخرة من الليل، توقفت الحافلة، التي كانت تقل على متنها لاعبي ومؤطري وإداريي الوداد البيضاوي، بشارع محمد الخامس غير بعيد عن مطبعة «لوبتي ماروكان»، التي تحولت إلى مقر لجريدة «لوماتان». نزل القدميري بصعوبة من الحافلة وهو يستند إلى جسد اللاعب الباكيلي والمسير الخطابي، وتوجه رفقة بقية العناصر صوب مقر الوداد الذي كان يتواجد بالمكان الحالي لفندق «شيراطون». هناك، امتطى المدرب سيارة أحد اللاعبين وتوجه على الفور إلى منزله. بعد ساعات قليلة، وصل خبر الوفاة فلم يصدق أحد أن القدميري، الذي كان يصيح في كرسي البدلاء قبل بضع ساعات فقط، قد أصبح في عداد الموتى. قال أحمد حريزي، الرئيس السابق للوداد والذي عايش تلك الفترة الزمنية، إنه لم يصدق الخبر، فقد كان الفقيد يعيش حياة طبيعية، وكان كله حماس ورغبة في قيادة الوداد نحو الألقاب.. «كان مثاليا في تعاملاته، مشبعا بالروح الاحترافية التي عاشها خلال فترة تواجده في فرنسا، وكان حريصا على أن تكون الأخلاق الحميدة ميزة أساسية للاعبين ولكل مكونات الفريق». تعذرت على القدميري مواصلة المشوار نحو نهائي كأس العرش، لكن لاعبي الوداد أقسموا على ترجمة حلم مدربهم إلى حقيقة. وفي شهر ماي، فاز الوداد بلقب كأس العرش تحت إشراف المرحوم كبور، المدرب البديل لعبد الحق.. فاز الوداد على نهضة سطات في نهائي تاريخي، وحمل اللاعبون الكأس وهم يرددون اسم الفقيد، بل إنهم أصروا، في اليوم الموالي، على التوجه إلى مقبرة الشهداء بالدارالبيضاء وهم يحملون كأس العرش ليضعوه على قبر الفقيد في مشهد مؤثر. واعتبر اللاعبون الخطوة التي أقدموا عليها اعترافا منهم بما قدمه الراحل من خدمات إلى الوداد، بل إن بعض الحاضرين بكوا بحرقة وهو يصرخون أمام القبر «انهض يا عبد الحق إنك متوج في حياتك ومماتك».