يحكي البشير مصطفى السيد، القيادي في جبهة البوليساريو، أن الملك الراحل الحسن الثاني قال له في ختام جولة المفاوضات غير المعلنة، التي احتضنها القصر الملكي في الرباط دون الإعلان الرسمي عنها سنة 1988: «إنني كسبت الأرض ولكن لم أكسب بعد قلوب بعض الصحراويين»، هذا الاعتراف الواقعي من مفاوض كبير مثل الملك الحسن يعبر عن جانب مهم من النزاع في الصحراء الذي يتشكل من طرفين: الأول هو الجزائر، التي احتضنت الصحراويين وسلحتهم ومولت حركتهم، لأهداف تتصل «بعقيدة استراتيجية» كانت تحكم تفكير الكولونيل هواري بومدين وتصور له أن قوة الجزائر في ضعف جيرانها، هذه العقيدة التي تغذت من رغبة في الانتقام من خسارة حرب الرمال سنة 1963. أما الشق الثاني في النزاع، فهو تمرد عدد من الصحراويين قادهم الوالي مصطفى السيد ضد مغرب القمع وخرق حقوق الإنسان ورفض إكمال تحرير الجنوب المغربي من الاستعمار الاسباني... هكذا بدأت قصة النزاع في الصحراء: جاران، كل واحد منهما تابع لمعسكر، المغرب في النادي الرأسمالي بقيادة أمريكا، والجزائر عضو ناشط في المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي السابق، ونيران الحرب الباردة كانت تجد لها صدى بين الجارين رغم كل أواصر «النضال» التي جمعتهما إبان مقاومة الاستعمار. ولم تنفع كل مساعي الصلح والتسوية في عودة المياه إلى مجاريها، رغم أن ثلوج الحرب الباردة ذابت، ورغم أن الرباطوالجزائر صارتا، على قدم المساواة تقريبا، عضوين في النادي الأمريكي الذين يقود العالم اليوم تحت شعار الحرب على الإرهاب... انطفأت كل النيران التي أشعلت النزاع، وظل لهيبه يحرق المنطقة ويعطل قطار الاندماج المغاربي. اليوم، هناك حقائق جديدة على خارطة المنطقة، يجب أخذها بعين الاعتبار عند التفكير في مستقبل النزاع وهي: أولا: استحالة العودة إلى السلاح في الظرف الراهن، لأن الحرب المسموح بها دوليا الآن هي الحرب على الإرهاب. عبد الودود، الوكيل المعتمد لابن لادن في المغرب العربي، قلب أولويات المنطقة رأسا على عقب، والعمليات الخطيرة والجريئة التي يقوم بها في الجزائر أخطر من أي نزاع حدودي أو خلاف بين جارين. ثانيا: ما لم يؤخذ بالسلاح لا يؤخذ بالمفاوضات، هذه حقيقة استراتيجية يعرفها كل مشتغل بالسياسة. إذا كانت الجزائر وجبهة البوليساريو لم تستطيعا أن تفصلا الصحراء عن المغرب بالسلاح أيام كانت الرباط لا تتوفر على الإمكانات العسكرية بعد انقلابي الصخيرات والطائرة، حيث أعدم خيرة الضباط المغاربة، فكيف سترجع البوليساريو إلى حكاية الانفصال من منتجع مانهاست قرب نيويورك؟ ثالثا: المغرب ملزم بتطوير مشروع الحكم الذاتي وتسويقه وسط الصحراويين أولا وبين أعضاء المجتمع الدولي المهتمين بالنزاع. وتطوير المشروع يقتضي الاعتراف بالخصوصية الصحراوية أولا، وبالأخطاء التي ارتكبت في تدبير الملف ثانيا، وربط المواطن، سواء في الصحراء أو في طنجة أو الحسيمة... بعقد اجتماعي جديد قوامه الديمقراطية والتعددية والمواطنة، وليس على أساس البيعة والولاء والتعلق بالأهداب... هذا الخطاب الذي مازال خليهن ولد الرشيد يردده أو يردد صداه المنبعث من قلاع المحافظة وسط المخزن.. خطاب للقرون الوسطى وليس للقرن ال21...