رشيد نيني: لم تتحمل النائبة البرلمانية السعدية السعدي، أخت السعيد السعدي صاحب خطة إدماج المرأة في التنمية، رؤية كل تلك الآلاف من النساء المغربيات يذهبن للعمل كمزارعات في الضيعات الفلاحية الإسبانية كما لو أنهن ذاهبات إلى «سوق النخاسة»، وقالت في سؤالها لوزير التشغيل بأن هؤلاء النساء يتعرضن لاستغلال بشع أثناء انتقائهن للعمل مقابل حفنة من الأوروات لا تسمن ولا تغني من جوع. أما نزهة الصقلي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، فقد شنت هجوما مضادا على الأممالمتحدة بعد التقرير المخجل الذي وضع المغرب في مؤخرة الترتيب العالمي على مستوى التنمية البشرية. وآخذت الوزيرة على الأممالمتحدة اقتصارها على ثلاثة مؤشرات هي معدل الحياة ونسبة التعليم والناتج الداخلي الخام لكل ساكن، وإهمال المؤشرات الأخرى كالحرية والديمقراطية ومساواة الحقوق بين الجنسين. وبما أن أجوبة السادة البرلمانيين والسادة الوزراء لم تشف غليلي، فأود أن أدلي بالتعقيبات التالية. أولا ما لم تقله النائبة الاتحادية السعدية السعدي هو أن زميلها في الحزب السيد أغماني وزير التشغيل، الذي لا علاقة عائلية تجمعه بالمصمم الإيطالي جوجيو أرماني، هو من أرسل تلك الآلاف من النساء المغربيات لجمع التوت في إسبانيا. ولهذا فمن غير المنطقي أن يكون أعضاء الفريق النيابي للاتحاد الاشتراكي داخل البرلمان في واد والفريق الوزاري للاتحاد الاشتراكي في واد آخر. اللهم إذا كان الفريقان متفقين على تفعيل سياسة «نتا كوي وأنا نبخ»، والتي يصطلح عليها سياسيا في أدبيات الاتحاد الاشتراكي بالمساندة النقدية للحكومة. ثانيا، هؤلاء النساء لا يشتغلن مقابل حفنة من الأوروات لا تسمن ولا تغني من جوع، بل بالعكس، ما يحصلن عليه طيلة فترة اشتغالهن في ضيعات إسبانيا ربما لا يسمن لكنه يغني من جوع. وأستطيع أن أقول للنائبة المحترمة أن النساء اللواتي يذهبن للعمل في حقول إسبانيا يتعرضن للإهانة، خصوصا عندما قبلت وزارة الشغل ولانابيك شروط الفلاحين الإسبان المهينة التي من بينها أن تتوفر المرأة المرشحة على شرط «الخيوبية وحروشية ليدين» لكي تجني التوت. لكنهن على الأقل يتلقين أجرة تعادل 400 درهم يوميا، وينزلن في مساكن تحترم آدمية البشر، وتوفر لهن إمكانية العلاج والحماية الاجتماعية. وأنصح النائبة المحترمة بمغادرة قبة البرلمان والنزول إلى الحقول خارج المدار الحضري للرباط، وسترى كيف يكون الاستغلال البشع للمرأة العاملة في حقول الملاكين المغاربة. وإذا كان هناك من وضع مخجل للمرأة يجب فضحه في البرلمان فهو استغلال النساء في العمل طيلة النهار في الفلاحة بأربعين درهما في اليوم. ناهيك عن تعرضهن لتحرشات رؤسائهن في العمل. أما في إسبانيا فقانون الشغل صارم في هذا الباب، ولا يسمح بتشغيل النساء أكثر من ثماني ساعات يوميا، وكل من اشتغل نصف ساعة زائدة يتم تعويضه عنها. إن «سوق النخاسة» الذي تتحدث عنه النائبة المحترمة هو ذلك السوق الذي لدينا داخل المغرب. حيث لا قانون شغل يحمي النساء العاملات ولا نقابات تدافع عنهن ولا تعويض محترم يرد لهن اعتبارهن. وفوق كل ذلك تأتي وزيرة التنمية الاجتماعية وتعاتب الأممالمتحدة على عدم أخذها بالاعتبار في تقريره «المجحف» بحق المغرب، النتائج الايجابية التي حققتها بلادنا في مجال الحرية والديمقراطية والمساواة. وكأن المغربي العاطل عن العمل عندما سيدخل إلى بيته وتسأله زوجته ماذا يحمل معه لأولاده سيجيبها بأنه يحمل لهم نصف كيلو من الحرية وبعض «القبطات» من المساواة. وما عليها لكي تطفئ جوعهم سوى أن تعد لهم طاجين بلحم الراس ديال الديمقراطية لكي يغمسوا فيها. المغاربة يا سعادة الوزيرة لا يؤدون فواتيرهم الثقيلة فقط بإقناع موظفي تحصيل الضرائب ومكاتب الماء والكهرباء بأنهم يعيشون في بلد حر، ولا يكفي أن يقولوا لحراس المستشفى العمومي بأنهم يعيشون في بلد ديمقراطي لكي يسمح لهم بالدخول إليه مجانا، ولا يكفي أن تتغنى المرأة لصاحب الشركة عن المساواة بين الجنسين التي يعرفها المغرب لكي يعرض عليها منصب عمل يتلاءم ومؤهلاتها. ما جدوى الحرية والديمقراطية والمساواة في بلاد فرص الحياة فيها أقل مما هي في فلسطين التي تعيش تحت الاحتلال والقصف اليومي. ما جدوى الحرية والديمقراطية والمساواة في بلاد تزداد فيها رقعة الفقر سنة بعد أخرى، ويرتفع فيها مستوى حوادث السير والبطالة والإجرام وكل الظواهر السلبية. عادة عندما تنتعش الديمقراطية والحرية والمساواة في بلاد ما يعم الرخاء الاقتصادي والاجتماعي، وتتحسن المؤشرات الايجابية وتتراجع المؤشرات السلبية. إلا في المغرب. وهذا يعني شيئا واحدا فقط، وهو أن الديمقراطية والحرية والمساواة التي يعيشها المغرب شكلية فقط ولا تمس الجوهر، أي ديمقراطية بالتيمم. ولكي تتأكد السيدة الصقلي أن تقرير الأممالمتحدة لم يظلم المغرب بتاتا، أدعوها إلى الاطلاع على محضر الاجتماع الذي عقدته السلطة المحلية في إقليمتزنيت مع ممثلي الهيئات الحزبية والنقابية ومندوبي وزارة الصحة والوقاية المدنية، للنظر في مطالب سكان سيدي إفني وقبائل آيت باعمران، استعدادا للزيارة الملكية المرتقبة للمنطقة. ولسعادة وزيرة التنمية الاجتماعية والتضامن والأسرة أن تتأمل كيف أننا في سنة 2008 وساكنة هذه المناطق لا تتوفر حتى على طبيبة توليد أو طبيب أطفال. وبمناسبة الزيارة الملكية المرتقبة، وعدت مندوبية وزارة الصحة بأنها ستقوم بالإنجازات التاريخية العظيمة التالية : بناء سور حول المستشفى، توفير سيارة إسعاف وإصلاح السيارة المعطلة، توفير جهاز سكانير وآلة لمعالجة النفايات الطبية، توفير وحدة لتخزين الدم، والالتزام بإصلاح مستودع الأموات وتوسيعه مع التفكير الجدي مستقبلا في بناء مستودع الأموات البلدي. هذه لائحة وعود كما ترون تبعث على الخجل. لأننا عندما نقرأها نفهم أن ساكنة قبائل آيت باعمران وساكنة مدينة سيدي إفني الذين قاوموا الاستعمار بشراسة، لا يتوفرون على هذه الأشياء التي يعتبر وجودها في دولة ديمقراطية وحرة تسودها المساواة، من الأشياء البديهية جدا. والمثير للاستغراب هو أن الدولة تعجز عن توفير سكانير في المستشفى الإقليمي للسكان بحجة قلة الإمكانيات، وعندما يخرج هؤلاء السكان للاحتجاج والدفاع عن حقوقهم ترميهم قوات التدخل السريع بالقنابل المسيلة للدموع. ونحن نعرف أن ثمن كل قنبلة مسيلة للدموع يكفي لشراء قنينة أكسجين للمستشفى لمساعدة مرضى الضيقة. ولو أن المستشفى الإقليمي تطوع في كل حركة احتجاجية يقوم بها سكان سيدي إفني وقبائل آيت باعمران وجمع الدماء التي تسيل من رؤوس وأطراف المحتجين بسبب عصي قوات التدخل السريع، لكانت جمعت احتياطيا من الدماء يكفيها لسنوات طويلة، ويعفي مندوب وزارة الصحة من إعطاء وعد بتوفير بنك للدماء بالمستشفى، قد لا يلتزم به في المستقبل. السيدة نزهة الصقلي تعتقد أن الخطابات السياسية الرنانة حول الحرية والمساواة والديمقراطية التي تسمع عنها في صالونات الرباط والدار البيضاء، كافية لوضع المغرب في مراتب الدول المتقدمة في تقرير الأممالمتحدة حول التنمية البشرية. والواقع أن ما يحتاجه المغاربة اليوم ليس هو معلقات وقصائد غزلية في الديمقراطية والحرية والمساواة، بل إلى شغل يعفي نساءنا ورجالنا من تسول الخبز في حقول الجيران. المغاربة يريدون رفع قدرتهم الشرائية لكي يكون بمستطاع رجل الأمن أن يشتري سيارة وبيتا، وبمستطاع مستخدمة شركة النسيج أن تخطط لعطلتها السنوية في أحد فنادق مراكش أو أكادير. المغاربة يريدون نظاما صحيا يحترم آدميتهم، وتعليما حقيقيا يعد أطفالهم للمستقبل، وعدالة بمرتشين أقل. وفي غياب هذه الأشياء، يبقى أي حديث عن الديمقراطية والحرية والمساواة مجرد كبان للماء في الرمل. إلا إذا كانت الوزيرة المحترمة تعتقد أن الشعب يمكنه أن يعيش على هذه الأوهام، مثلما كانت تفعل تلك الأم الفقيرة في عهد سيدنا عمر، التي كانت تشغل أطفالها الجوعانين بقدر من المياه مملوء بالحجارة يغلي فوق النار. فكانت كل ليلة توقد النار تحت القدر المليء بالأحجار وتجلس تحدثهم عن الحساء الشهي الذي ينتظرهم، إلى أن يغلبهم النعاس وينامون على جوعهم. إلى أن سمع ذات يوم سيدنا عمر بكاء أحد أطفالها ودخل الخيمة وحدثته المرأة الفقيرة عن قصتها، فبكى سيدنا عمر لحالها وأمر لها بمساعدة من بيت مال المسلمين. ترى من يبكي لحال هؤلاء المغاربة الجوعانين والفقراء والمرضى الذين يحاولون تلهيتهم عن ألمهم وحزنهم وجوعهم ومرضهم بقدر الديمقراطية المملوء بحجارة الحرية والمساواة والذي يطهونه كل يوم على جمر الانتظار...