بالرغم من أنها المرة الثانية التي تتجه فيها حدة الى اسبانيا كعاملة موسمية في حقول التوت الارضي (الفراولة) فانها لا تعرف من هذا البلد الاوروبي الجميل سوى ضيعاته الفلاحية وما اختطفه بصرها عبر نافذة الحافلة من الميناء الى الضيعة أو منها الى الميناء في طريق عودتها الى المغرب بعد انتهاء مدة عقدها. وتقول حدة درويش (41 عاما) وهي فلاحة أمية من ضواحي مدينة سلا المجاورة للرباط "من الضيعة الى المغرب ومن المغرب الى الضيعة لا أعرف اية مدينة اسبانية. "" "اذا أردنا الفسحة لا أحد يمنعنا من ذلك لكن يجب أن نخسر ما نجمعه من المال." وتضيف "ذهبنا لجمع المال وليس للفسحة." وحدة هي المعيلة لاسرتها المكونة من زوج عاطل وولدين قاصرين. وتتابع "زوجي عاطل وليس هناك من يعيلني وأبنائي لذلك وجدت هذه الفرصة الذهبية لاشتغل في اسبانيا لاتمكن من بناء بيت ولو من القصدير." وتضيف "في المغرب اشتغلت في ضيعات فلاحية ب 30 درهما (2.72 يورو) في اليوم من الساعة السابعة صباحا الى السادسة مساء مع التوقف من الثانية عشرة الى الثانية قصد تناول الغذاء." وتقول انها تتقاضى في اسبانيا نحو 35 يورو يوميا تنفق منها مصاريف الاكل والغاز للطهي بمشاركة عاملات أخريات في حين مصاريف العلاج مؤمنة. وتقول وهي متحمسة لبداية موسم جديد لهجرة المغربيات نحو الحقول الاسبانية من أجل جني التوت الارضي في منطقة ويلبا بالاندلس جنوب البلاد انها تشتغل "من الساعة السابعة صباحا الى الثانية بعد الظهر لملء 30 صندوقا من التوت الارضي كمعدل لكن رب العمل كان فرحا بي اذ كنت أصل الى 36 صندوقا في اليوم وهو ما جعله يستدعيني للمرة الثانية." وأصبح أرباب الضيعات الفلاحية الاسبانية يطلبن النساء المغربيات للعمل في حقول التوت حيث يرجع المسؤولون الاسبان ارتفاع الطلب على عامل القرب "والثقة المتزايدة في العاملات المغربيات" بينما يرجعه عدد من الحقوقيين الى رخص اليد العاملة المغربية و"سهولة استغلالها" والفقر والبطالة في المغرب. وتقول احصائيات رسمية ان عدد الطلبات على النساء المغربيات للعمل في الحقول الاسبانية ارتفع من 1722 في عام 2006 الى 10717 في عام 2007 الى 12598 في عام 2008 ليصل عدد الطلبات هذا العام الى نحو 16 ألف عاملة. وتشرف الوكالة الوطنية لانعاش التشغيل والكفاءات (مؤسسة عمومية) على عملية اختيار العاملات وتسجيلهن. ويبدأ تسجيل النساء المغربيات للتوجه الى اسبانيا لجني التوت في أواخر الشتاء ليشرعن في مزاولة عملهن مع بداية الربيع وينتهين مع بداية أو أواسط فصل الصيف. وفي الغالب تكون مدة العقد ثلاثة أشهر قابلة للتجديد حسب "كفاءة" العاملة. ويقول كمال عبدالحفيظ مدير الوكالة الوطنية لتشغيل الكفاءات لرويترز "أظن أن حصيلة تنسيقنا مع الاسبان ايجابية وهذا راجع الى الثقة التي يضعها فينا الاسبان والى عملنا الاحترافي." ويقول حقوقيون ان اختيار هؤلاء النساء يقوم على "معايير وممارسات تشبه تلك التي كانت سائدة في سوق النخاسة في القرون الوسطى." وقالت خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الانسان المستقلة لرويترز "الاختيار في الغالب يقع على النساء المتزوجات أو الارامل.. بأطفال حتى يضمن عودتهن وألا يلجأن الى الهجرة غير الشرعية." وأضافت "يقع الاختيار على النساء غير الطويلات جدا حتى يسهل تحميلهن لصناديق جني المحصول دون عناء بالاضافة الى انهن يبقين محرومات من أبنائهن طوال مدة العقد التي قد تصل الى ستة أشهر دون أن يكن لهن الحق في اصطحاب أبنائهن." وتقول ان هذه العقود "فيها مساس بحرية تجول الاشخاص ومساس بحرية التجمع العائلي عكس ما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية." وقالت انهن يتعرضن "للمهانة والاستغلال والتحرش الجنسي." وعلق كمال عبد الحفيظ "هذا مجرد كلام لا أساس له من الصحة.. هذه الدول تحترم القانون وحقوق الانسان واذا وقعت حالات فهي معزولة ويبقى كل انسان حرا في تصرفاته." ومن جهته يقول الفريدو راموس مورينو الكاتب العام لقسم العمل والهجرة في السفارة الاسبانية بالرباط "العاملات المغربيات الموسميات لهن نفس الحقوق المتوفرة لاي عامل اسباني.. التغطية الاجتماعية والصحة الحقوق النقابية مضمونة." واضاف لرويترز "سبب الاقبال على العاملات المغربيات أنهن غير متعبات ولا يتشاجرن كثيرا بالرغم من حصول حوادث بسيطة وعادية." وقال ان عامل القرب الجغرافي هو المحدد أساسا لاختيار العاملات المغربيات مؤكدا على "ظروف العمل الجيدة". والى جانب حدة يقف عدد من النساء أغلبهن فلاحات وأخريات يبدو من شكلهن أنهن حضريات وشابات أغلبهن أرامل بأطفال أو متزوجات من رجال عاطلين أو فقراء جدا لكن قساوة الظروف العائلية والحاجة الى العمل ولو في ضفة أخرى جمعتهن في ذلك الصباح في صف طويل أمام باب الوكالة الوطنية لانعاش التشغيل والكفاءات المعروفة التي يطلق عليها اختصارا "أنابيك". وتقول فاطمة الزيتوني وهي ارملة شابة انها ذهبت مرتين وتنتظر حظها هذه الدورة أيضا لتعيل أبناءها الثلاثة. واضافت "سأتوجه للمرة الثالثة الى اسبانيا هذه فرصة حتى وان كان الاجر الذي نتقاضاه قليلا نسبيا مع ساعات العمل لكن ليس أمامنا حل اخر." وتقول النساء انهن يتقاضين نحو 35 يورو في اليوم يأخذن منها مصاريف الاكل ويتشاركن بالنسبة لمصاريف غاز الطبخ. ويحاولن ان يوفرن على الاقل ما بين 25 الى 30 يورو في اليوم ليرسلنها الى أهاليهن أو يعدن بها مع تحملهن مصاريف العودة الى المغرب. ويعتبر راموس مورينو أن "القطاع الفلاحي في اسبانيا سواء بالنسبة للعمال الاجانب أو الاسبان لا يمكنه أن يعطي أجورا اكثر من ذلك." وأضاف "لذلك العمال الاسبان يفضلون قطاعات أخرى كالبناء التي تعطي أجورا أعلى." وقال "حتى المرأة الاسبانية ان اشتغلت في جني التوت الاسباني ستتقاضى أجرا مماثلا ليس هناك فرق." ويضيف "العمل في الضيعات الفلاحية المغربية هو الذي يعتبر ضربا من الاستعباد بالنظر الى حجم ساعات العمل والاجر الذي يتقاضاه العمال." ويتكدس بحسب شهادة عاملات ست نساء في غرفة حجمها أقل من المتوسط مع استعمال ممر طويل كمطبخ يحتوي على ثلاجة وغاز يعبئنه حسب الحاجة والة تصبين مع حرمانهن من التلفزة التي تعوضها ثرثرتهن وغناؤهن ورقصهن وأحيانا أخرى شجارهن. لكنهن يتحدثن بحماس ولهفة للعودة للعمل في هذه الضيعات أو كما تقول حدة "حتى ولو كانت الظروف قاسية هناك ونشتاق الى أولادنا فهي تبقى أفضل من الفقر وانتظار لا شيء."