لم يكن يخطر ببال محمد البالغ من العمر 62 سنة أن زيارته لأقرب مصلحة للأمن الوطني من أجل إنجاز وثيقة إدارية ستنتهي باعتقاله تنفيذا لمذكرة بحث صادرة في حقه بتهمة إصدار شيك بدون رصيد يعود تاريخها إلى سنة 2001. لكن المفاجأة في قصة اعتقال هذا المسن هي الوعكة الصحية التي ألمت به داخل زنزانة ولاية أمن فاس، والتي انتهت بوفاته في قسم المستعجلات بالمستشفى الجامعي الحسن الثاني بعدما لم يتمكن طاقمه من إنقاذ حياته بسبب أزمة قلبية حادة. وتدخلت إدارة الأمن الوطني في هذه الحالة بإصدار تقرير حول ملابسات هذه الوفاة، وذلك لوضع حد، فيما يبدو، لأي «إشاعة» من شأنها أن تفتح المجال لاتهامات عادة ما توجه في مثل هذه الحالات إلى رجال الأمن. ويقول التقرير الأمني الذي يستعرض حالة هذا المسن إن محمد قصد الدائرة الثانية للشرطة بفاس يوم 12 يناير الجاري لإنجاز شهادة إقامة، لكنه، وبعد إخضاع هويته لعملية تنقيط كما جرت العادة، اتضح أنه يشكل موضوع أبحاث على الصعيد الوطني بموجب برقية لولاية أمن فاس من أجل إصدار شيك بدون رصيد. وقام رجال الأمن بإحالته على فرقة الأبحاث المكلفة بقضايا إصدار شيكات بدون رصيد في نفس اليوم. وأمر النائب المداوم لدى المحكمة الابتدائية بفاس بالإبقاء على المبحوث عنه تحت الحراسة النظرية، لفائدة البحث والتقديم. ولكن المفاجأة هي أن المعتقل تعرض لوعكة صحية داخل الزنزانة، مما تطلب إحضار سيارة إسعاف نقلته إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الجامعي، وحاول طاقم طبي أن يقدم له الإسعاف، دون جدوى. وفارق المعتقل الحياة بعد ساعتين من وضعه بالمستشفى. وأشعرت ولاية الأمن بالخبر، كما أطلع به كل من النائب الأول للوكيل العام لدى محكمة الاستئناف ووكيل الملك لدى ابتدائية فاس. ودفع الخبر إلى تكليف نائبين مداومين بكل من محكمة الاستئناف والمحكمة الابتدائية بالانتقال إلى الزنزانة التي احتفظ فيها بهذا المسن. وعمدا إلى الاستماع إلى معتقلين آخرين (2) وضعا بدورهما تحت الحراسة النظرية بتهمة إصدار شيكات بدون رصيد. ونفيا في تصريحات دونت في محاضر رسمية أن يكون الهالك قد تعرض لأي نوع من أنواع العنف سواء من طرفهما أو من قبل غيرهما. وقالا إنه كان في حالة طبيعية قبل أن يتعرض لحالة إغماء، وأخبرا المكلفين بحراسة الزنزانة، وعمد الشرطيان إلى إخراجه قصد التهوية، وأخبرا المسؤولين بالوضع، قبل أن ينقل إلى المستشفى. وأكد تقرير طبي أعد بناء على تشريح الجثة نفس مضامين هذه التصريحات.