يمكننا أن نصف الولايات المتحداة الأمريكية، بل واختزالها إن جاز التعبير، في شكل مثلث من ثلاثة أضلع، الضلع الأول: وهو الضلع السياسي وعاصمته واشنطن دي سي بالواجهة الشرقية الأطلنتية، وغير بعيد منه وفي الواجهة الأطلنتية الشرقية أيضا، نجد هنا الضلع المالي، وعاصمته نيويورك، وقبله بورصة وال ستريت. أما الضلع الثالث فمقره أقصى الغرب الأمريكي وضفة المحيط الهادي، بلوس أنجلس ونواته مدينة هوليود للإنتاج والصناعة السينمائية. ثلاثية متناسقة جعلت السينما خادمة للقرار السياسي وللنفوذ المالي، فالإيديولوجية أولا، ونقصد بها إيديولوجية تفوق الحلم الأمريكي، ثم الترفيه ثانيا. فالقطاع السينمائي، وهوليود تحديدا ليست مجرد مدينة للإنتاج وتصوير الأفلام وفيلات لإقامة نجوم الفن السابع، بل هي قلعة مالية وصناعية ضخمة، حيث إيرادات المدينة الإنتاجية تصل إلى 36 مليار دولار سنويا ! ويمكن القول وبدون مبالغة بأن ما حققته استوديوهات هوليود في نشر ثقافة الرجل الأبيض الأمريكي يفوق وبكثير ما حققته أساطيل العم سام . فالسينما هي القوة الثقافية الناعمة التي تمكنت من أمركة المتفرج العالمي بغض النظر عن انتماءاته الجغرافية والعقدية واللغوية. لقد أعادت ضجة إقصاء العنصر الأفرو أمريكي من تتويجات جوائز الأوسكار، ومقاطعتهم لها للموسم الثاني على التوالي، إعادة بعث سؤال علاقة السياسة بالفن؟ وعلاقة هوليود تحديدا والصناعة السينمائية بالإيديولوجية والسياسة؟ حيث بدا للعيان بأن الصناعة السينمائية الهوليودية هي مجرد امتداد لواشنطن عاصمة القرار السياسي الأمريكي ليس إلا! وبأن الفن من أجل الفن والصناعة السينمائية الترفيهية وخدمة قضايا الإنسان ومعالجة همومه الملحة اليومية والمعاشية ونشر رسائل المحبة والسلام والإخاء هي مجرد شعارات استهلاكية! تختفي أو قل تتوارى إلى الوراء، في كون القضية أكبر من مجرد فن وشعارات إنسانية بريئة وبراقة. بل تتعداها إلى صناعة سينمائية ضخمة ترصد لها عشرات المليارات من الدولارات، وتعد من أهم مقومات الاقتصاد الأمريكي وصادرات العم سام. بل هي أهم منصات إطلاق صورايخ الحلم الأمريكي في صيغته الجديدة، العولمة التي هي الوجه الآخر المقنع للأمركة. وبذلك تغدو الصناعة السينمائية لا تقل إستراتجية وأهمية من صناعة طائرات الإف 16، فقط الاختلاف على مستوى الاستعمال، فالثانية تستعمل في تدمير الأهداف العسكرية والبنيات القتالية للعدو، بينما الثانية تستهدف نشر النموذج الأمريكي وثقافة التفوق الأمريكي في كل المجالات. باعتبار حضارته وثقافته هي أرقى ما وصلت إليه الإنسانية، وبتعبير فوكوياما أحد أهم منظري البنتاغون الأمريكي، فالعم سام هو نهاية التاريخ وأقصى ما يمكن أن تصل إليه البشرية والحال أن النبش في علاقة هوليود عاصمة الصناعة السينمائية الأمريكية والعالمية، بمصادر القرار بواشنطن ومؤسسة البنتاغون تحديدا، يظهر وبجلاء بأن هوليود مجرد ملحقة من ملحقات البنتاغون، صحيح أنها لا تعمل تحت إمرته المباشرة، بيد أنها تحظى بامتيازاته، سيما على مستوى الإنتاجات السينمائية الضخمة، وما يوفره لها البنتاغون من إغراءات على شكل معدات للإنتاج من أساطيل وحاملات طائرات وغواصات وطائرات حربية ومعدات عسكرية ضخمة. كلها بمثابة الجزرة التي تقدمها واشنطن لهوليود، من أجل فرض توجهاتها، والتي لا يمكن للمستثمر الهوليودي الباحث عن الكسب والمزيد من الإيرادات إلى أن يخضع لها. فالدولار الأخضر في أمريكا ليس مجرد عملة للتداول، بل هو رمز لإله خفي وعبادة يومية. زواج المصالح المشتركة ما بين البنتاغون و هوليود مرحلة البدايات وتكوين الذات، وتبتدئ من 1896 إلى الثلاثينات من القرن العشرين، ونسميها البدايات، لأنها شهدت تحولا كبيرا من مجرد تصوير أفلام إلى إنشاء شركات وتكتلات إنتاجية سينمائية كبرى، جاعلة من السينما قطاعا صناعيا قائما بذاته، ابتداء من 1909، وهي السنة التي عرفت ظهور التروستات السينمائية الكبرى، وعلى رأسها على الإطلاق مجموعة «Motion Picture Patents Company»، ثم دخول القطاع البنكي على الخط، سواء على المستويين الاستثماري في القطاع أو القرضي لأرباب الشركات الإنتاجية. مع الإشارة إلى الأضرار الكبيرة التي أصيب بها القطاع جراء الأزمة المالية العالمية أو الكساد الكبير لأكتوبر 1929. منعطف الانتقال من السينما الصامتة إلى السينما الناطقة. هذا المنعطف كان محوريا في تاريخ السينما لأنه جمع بين الصورة والصوت، وهو ما جعل حجم الاستثمارات يعرف ارتفاعا صاروخيا، بالدخول الكبير للأبناك في القطاع، وبذلك بلغ حجم الاستثمارات في الصناعة السينمائية 500 مليون دولار. صحيح أن حجم المداخيل قد تأثر بفعل الأزمة المالية العالمية لسنة 1929، حيث سجل انخفاضا قدره 30 بالمائة ما بين 1929 و1933، لكن سرعان ما استرجع القطاع عافيته وقوته. ومع نهاية الثلاثينيات، كان قطاع الصناعة السينمائية محتكرا بالكامل من طرف ست شركات سينمائية كبرى، إنتاجا وتوزيعا، هي: Paramount التي أنشاها زيكار في 1913، وشركة MGML / 1912، وشركة FOX التي تحولت إلى شركة 20st Centry Fox في 1935، وشركة Warner التي أسسها الإخوة الأربعة في 1923، وشركة RKO التي أضحت تابعة للإمبراطورية المالية لمجموعة روكفيلير، وشركة United Artists/1929، وشركة Unicersal/ 1912، وشركة Columbia/ 1924. ويبقى الحدث الأبرز في 1933 هو ظهور NIRA، أي National Industry Recovery Act، وهي هيئة غير حكومية لتقنين الصناعة السينمائية، حيث وضعت قانونا داخليا من أجل تنظيم احتكار القطاع وفض النزاعات. صحيح أن المحكمة العليا الأمريكية لم تعترف بقانونية الهيئة في البداية، إلا أنها بدأن في اعتمادها بعد التغييرات التي طالتها في مرحلة الخمسينيات. مرحلة التنسيق الكبير من الأربعينات إلى الستينات يمكن اعتبار هذه المرحلة، التي دامت من بداية الأربعينيات إلى غاية الستينيات، أزهى مراحل التنسيق والتعاون التام بين هوليوود والبنتاغون، ففي 1942 استدعى الرئيس الأمريكي روزفلت في البيت الأبيض أبرز المخرجين السينمائيين، أمثال جون فوردوفرانك كابرا، من أجل دعم المجهود الحربي، قبيل دخول العم سام غمار الحرب العالمية الثانية، وإقناع المواطن الأمريكي بجدوى الدخول في الحرب، علما أنها تبعد عن أمريكا مئات الميال! أو تحفيزه على الانخراط في صفوف الجيش الأمريكي والمشاركة في الحرب. وقد قامت هوليوود بدور محفز ومؤثر في الرأي العام الأمريكي، بل أفرد البنتاغون لأول مرة مكتبا خاصا بمدينة الإنتاج بهوليوود من أجل تولي مسألة الربط والتنسيق، ومعها بدأت الأفلام الدعائية الممولة من طرف البنتاغون في الظهور، ولعل أشهرها: ? Why we fight، أي لماذا نحارب؟ مع سلسلات دعائية أخرى محتفية بفكرة الدفاع عن الديمقراطية، وعن الحلفاء الديمقراطيين بأوروبا الصامدين في وجه النازية الهتلرية والفاشية الموسيلينية. ولهذا الغرض، انتقل المخرج جون فورد لتغطية الحرب الدائرة في المحيط الهادي ضد اليابان! بينما اختار المخرج جورج ستيفنس تغطية تقدم الحلفاء عقب تقهقر الجيش الألماني. ثم بعد انتهاء الحرب ظهرت موجة من الأفلام الحربية المحتفية بالانتصار الأمريكي، والمشيدة بروح الجندية الأمريكية، وتفوقها وانضباطها وارتباطها بالقضايا العادلة ودفاعها عن قيم الديمقراطية والليبرالية. ويجب الإشارة إلى أن هوليود استبقت الحملة ضد النازية قبل دخول أمريكا في الحرب العالمية. ففي فيلم «الديكتاتور»، الذي تناول أحداث الحرب العالمية الثانية، أدى شارلي شابلان دورين في الفيلم، أحدهما دور الديكتاتور هتلر، والآخر دور جندي يهودي. كما لم يفوت الفيلم فرصة السخرية من هتلر وحلفائه الخرقى، الإيطالي بنيتو موسيليني والياباني فوميمارو كونويي. والحال أن هوليوود، التي يحضر فيها الرأسمال اليهودي بقوة، تمقت أشد المقت هتلر نتيجة عدائه للعنصر اليهودي. لذا لم تترك أي فرصة إلا نالت منه، سواء في الأفلام القديمة أو حتى الحديثة. وما يقال عن هتلر ينطبق بالتمام والكمال على العنصر العربي أيضا، الذي تفننت هوليوود في تشويهه وتصويره بأنه مرادف للشر والإرهاب والدمار. ومباشرة بعد خروج الولاياتالمتحدةالأمريكية منتصرة في حربها ضد هتلر وحلفائه، ظهر عدو جديد يلوح في الأفق، ألا وهو الاتحاد السوفياتي بقيادة جوزيف ستالين، حيث بدأت أطوار حرب باردة بين البلدين، انتقلت في الكثير من الأحيان إلى حرب ميدانية بالوكالة، كما حدث في الحرب الكورية أو حرب الفيتنام… وطبعا كان لهوليوود عاصمة الصناعة السينمائية وذات التأثير الواسع في الجمهور الأمريكي والعالمي، دور كبير في التعبئة للحرب الباردة والتبشير بالحروب النووية، ومعها شيطنة الأحزاب الشيوعية والاشتراكية عموما، وممارسة الاغتيال الرمزي للشخصيات الأمريكية المشتبه في ميولاتها المتعاطفة مع الشيوعية، وعلى رأسها أهم وأبرز ممثل في هوليوود شارلي شابلان، الذي توبع بتهمة الشيوعية، حتى أنه فضل الاستقرار خارج أمريكا. وهنا تجدر الإشارة إلى حدثين بارزين رفعا من قيمة الانخراط الهوليوودي في الحروب الإيديولوجية للبنتاغون: الحدث الأول: المكارثية التي سادت أمريكا نسبة للسيناتور جوزيف مكارثي، الذي كان رئيسا لإحدى اللجان الفرعية بالمجلس، واتهم عددا من موظفي الحكومة وخاصة وزارة الخارجية، وقاد إلى حبس بعضهم بتهمة أنهم شيوعيون يعملون لمصلحة الاتحاد السوفياتي. وقد تبين فيما بعد أن معظم اتهاماته كانت على غير أساس. إذ أصدر المجلس في عام 1954 قرارا بتوجيه اللوم عليه. وقد بات هذا المصطلح يستعمل للتعبير عن الإرهاب الثقافي الموجة ضد المثقفين. إذ بدأت المكارثية بقائمة من 205 أشخاص، قيل إنهم شيوعيون وجواسيس في الخارجية الأمريكية، ثم امتدت المكارثية إلى جميع قطاعات المجتمع الأمريكي، وراح ضحيتها أكثر من 200 شخص تم الزج بهم في السجون، فضلا عما يزيد عن 10 آلاف تم طردهم من وظائفهم والتنكيل بهم وفق تهم ملفقة ومن هؤلاء: مارتن لوثر كينغ، ألبرت أينشتاين، آرثر ميللر، وتشارلى تشابلن…. الحدث الثاني: ظهور جهاز التلفزيون، الذي أصبح موضة في أمريكا وغيرها، وقد عرف انتشارا واسعا، حيث انتقل عدد المنازل التي تملك جهاز تلفزيون من 147 ألف جهاز تلفزيون في عام 1947 إلى 32 مليونا في عام 1954! قفزة ضوئية بكل المقاييس. وبذلك سَهُل الوصول إلى المواطن الأمريكي والتلاعب في أفكاره، ومعه ترويض الرأي العام، بشكل لم يسبق له مثيل. لذا، ليس من المصادفة أن تكون مرحلة الخمسينيات والستينيات أبهى مراحل الإنتاج السينمائي الهوليوودي. حرب الفيتنام أو مرحلة التوتر و الطلاق أربكت الهزيمة النكراء في حرب الفيتنام والخسارة الفادحة في صفوف الجيش الأمريكي كل الحسابات السياسية، بل إن هناك عقدة مرضية اسمها هزيمة الفيتنام صارت تلازم العقل الأمريكي السياسي الممجد للقوة والانتصار. إذ قدرت الخسائر الرسمية عدد القتلى في صفوف الجيش الأمريكي ب58 ألف قتيل معظمهم من الشباب! علاوة على 153 ألف جريح إصاباتهم مختلف من العاهة المستديمة إلى الجروح الطفيفة، ناهيك عن الندوب والآثار النفسية الجسيمة. ويبدو أن هوليوود وجدت نفسها في حيرة من أمرها! فلا هي تستطيع أن تواكب البنتاغون في مغامرته الحمقاء بأدغال الفيتنام وخسائره الفادحة، ولا هي قادرة على معاكسة الرأي العام الأمريكي الرافض للحرب، وخصوصا الضريبة الثقيلة التي تكبدها. فبدا واضحا بداية انفكاك الارتباط، على الرغم من محاولات البنتاغون اليائسة في تلميع صورة الجندي الأمريكي في الفيتنام، وهنا يمكن الإشارة إلى عملين اثنين دعمهما البنتاغون إلى درجة التبني: العمل الأول: فيلم The Green Berets الذي أنتج في 1968، أي في عز الحرب، وقام بإخراجه كل من راي كيلوغ وجون واين، الذي قام أيضا بدور البطولة رفقة ديفيد جانسن، محاولا إعطاء صورة لتفوق روح الجندية الأميركية، وصورة وردية عن الحرب في الفيتنام. وهذه ليست المرة الأولى التي يشارك فيها جون واين في هذه النوعية من الأفلام، بل تعدى المشاركة إلى المساهمة في التمويل الشخصي لها. وبعد ذلك بعامين ظهر فيلم Patton في 1970 للمخرج فرانكلين ج شافنر، الذي حاول فيه تلميع وجه المؤسسة العسكرية الغارقة في أوحال حرب الفيتنام بالغوص في حفريات أمجاد الجيش الأمريكي إبان الحرب العالمية الثانية. في المقابل قدمت السينما غير المدعومة أو غير المتعاونة مع البنتاغون أفلاما برواية تختلف عن رواية النصر وتميز الجندي الأمريكي، بل رواية تتحدث عن وحل الهزيمة، وتصور الجنود القتلى الأمريكان، وهو الشيء الذي تتفاداه الأفلام المدعومة من طرف البنتاغون. ولعل أبرز مثال هو فيلم Apocalypse Now للمخرج فرانسيس فورد كوبولا الصادر في 1979، والذي تحدث عن محظور في عرف البنتاغون، ألا هو عملية إعدام ضابط أمريكي من طرف فرقة مارينز أمريكة! وغير بعيد عن هذا صور فيلم Platoon للمخرج أوليفر ستون الوجه القبيح لحرب الفيتنام، ومعاناة الجنود الأمريكان والصراعات داخل صفوف المارينز. وبذلك يعد الفيلمان من أبغض الأفلام وأمقتها بلغة البنتاغون. هذا عدا الأفلام التي ركزت على مرحلة الستينيات والمظاهرات الشبابية والطلابية المناهضة للحرب، مثل فيلم campus. لقد دامت القطيعة والتوتر بين هوليوود والبنتاغون حوالي 15 عاما، ما بين 1965 إلى حدود 1980. مرحلة المصالحة: سنوات ريغان بوصول الجمهوريين إلى الحكم في شخص رونالد ريغان، بداية الثمانينيات، عاد الدفء من جديد إلى العلاقة المضطربة بين البنتاغون وهوليوود، حيث تم طي صفحة هزيمة حرب الفيتنام المريرة، علاوة على أن الرئيس الجديد هو أحد خريجي مدينة هوليوود رفقة زوجته نانسي، فكلاهما مارسا التمثيل في هوليوود، وهو ما ساهم في إعطاء دفعة قوية للإنتاج الهوليوودي المدعوم من طرف وزارة الدفاع الأمريكية، ولعل أبرز ما ميز سينما الثمانينيات هي سلسلة أفلام رومبو للمثل سيلفستر ستالون، ومعها السلسة الثانية من أفلام روكي. وكلتاهما تفتلان في حبل البنتاغون، وتمجيد تفوق الرجل الأمريكي، سواء كان جنديا أو مصارعا، كما في حالة روكي، إضافة إلى إبراز مميزات روح القتالية العالية ونفسه الطويل، وحسه المواطناتي الكبير الذي يدفعه تجرع كل أنواع الآلام من أجل التفوق ورفع العلم الأمريكي. لقد كانت سنوات الثمانينيات مرحلة المصالحة، ومحاولة طي صفحة الفيتنام السوداء، ثم جاءت سنوات التسعينيات، التي عرفت نهاية الحرب الباردة، مما فرض البحث عن عدو جديد، وفعلا تم العثور عليه، فكان العنصر العربي، العراقي أولا في حرب الخليج 2، وسقوط بغداد، ثم بعد حادثة 11 سبتمبر، أضيف العنصر الإسلامي، في شخص أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة. وهكذا، لم تعدم هوليوود في يوم من الأيام عدوا، يتكبد ضربات جنود العم السام وتفوقه، سواء التكنولوجي أو المعنوياتي، حيث يظهر الجندي الأمريكي دائما في موقف الجندي النبيل الشهم الذي يعرض حياته للدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية، بينما كل خصومه من الأشرار والحمقى المهووسين بالعنف! هوليود الذراع الفني للبنتاغون خوض الولاياتالمتحدةالأمريكية لحربيين عالميتين، وأخرى باردة مع الاتحاد السوفياتي، علاوة على تورطها في العديد من الحروب والصراعات الإقليمية، فرض عليها أولا حل معادلة إقناع المواطن الأمريكي أي إقناع الداخل بجدوى هذه الحروب التي تبعد عن حدودها وأراضيها مئات الأميال! علاوة على جلب تعاطف الخارج وتقليص أعداء أمريكا بالعالم..كلها وغيرها مطالب ملحة فرضت على صناع القرار السياسي بواشنطن تطوير آلتهم الدعائية، والاستعانة بكل ما من شأنه أن يصل إلى المواطن والمتفرج الأمريكي ويؤثر فيه. فكانت فكرة الاستعانة بمدينة الإنتاج وعاصمة الفيلم العالمي هوليوود. ولأن هوليوود عاصمة مالية للصناعة السينمائية القائمة بذاتها، فإن خطاب البنتاغون كان خطابا براغماتيا تجاريا تحكمه لغة الدولار والأرقام بالأساس، لا مجال فيه للمشاعر والشعارات الوطنية الموجهة للاستهلاك، فقد كان عرض أو عروض البنتاغون كالتالي: مستعدون لإمدادكم بالوسائل اللوجيستية التي تطلبونها في بعض الإنتاجات الكبرى، من معدات عسكرية ضخمة وحاملات طائرات وأساطيل بحرية وطائرات حربية متطورة ومدافع وحوامات وقواعد عسكرية وجنود إن اقتضى الأمر…شريطة أن يعرض السيناريو على أنظار البنتاغون، وتوافقون على تعديلاتنا التي قد نقترحها إن اقتضت الضرورة! على أن المهم هو إظهار قوة الجيش الأمريكي وفعاليته وحروبه العادلة من أجل قيم الحرية والديمقراطية، ثم إظهار مواطنة وشجاعة أفراد الجيش، وتفانيهم في حب العم سام وإنسانيتهم…. ولأجل هذا خصص البنتاغون مكتبا متفرغا بهوليوود عاصمة الصناعة السينمائية مهمته الربط والتنسيق… والحال أنه وعلى الرغم من شعارات الحرية واللبرالية والحقوق الفردية والحلم الأمريكي، لم يكن من الممكن أن تترك القلعة الاقتصادية والثقافية، والضلع الثالث في القوة الأمريكية بعد ضلعي واشنطن/ الضلع السياسي، وضلع نيويورك/ الضلع المالي، وأحد أبرز منصات وقنوات تصدير الحلم الأمريكي، هكذا تتلاعب فيها أهواء المخرجين وكتاب السيناريو والمنتجين، وفي المقابل، فانتقال هوليوود من عاصمة للفن السابع إلى عاصمة للصناعية السينمائية فرض على رواد هوليوود وأصحاب الصناعة الفيلمية التعامل بمنطق السوق ومنطق الربح والخسارة لا منطق الفن والرسالة. ففي فيلمهما الوثائقي الاستقصائي المتميز والنابش في طبيعة العلاقة بين البنتاغون وهوليوود المعنون :»عملية هوليوود» ل إميليو باكول ومريس روني، تم تقسيم طبيعة العلاقة والتنسيق بين هوليوود والبنتاغون إلى ثلاث درجات: الدرجة الأولى: تعاون مجاملاتي، ترجم إلى مساعدة شبه تقنية عبر تزويد المخرج بصور تقنية، مثل مخطط وتصميم حقيقي لغواصة حربية….كما هو الشأن في فيلم « L'ombre d' un soupçon» المنتج في 1999، من بطولة هارسون فورد وإخراج سيدني بولاك. الدرجة الثانية: التعاون المعداتي، وذلك بتوفير عدد من المنشآت العسكرية ووضعها تحت تصرف الشركة المنتجة أثناء التصوير مثل الاستعانة ببعض الآليات مثل سيارات ومعدات ورجال الإطفاء في أفلام الكوارث والحرائق، وأبرز مثال الفيلم الضخم في «Tour Infernal « 1974 ل جون أروين ألين وكييرمان الدرجة الثالثة: التعاون الكبير، وذلك بتوفير كل المعدات اللوجيستية من معدات حربية، مثل حاملات الطائرات ومطارات وقواعد عسكرية بل وجنود على شكل كومبارسات للظهور، ولعل أبرز مثال هو فيلم « Le Jour le plus long « الصادر في 1962 والذي أرخ للانتصار الأمريكي في الحرب العالمية الثانية ونزول قوات التحالف على شواطئ النورماندي في 6 يونيو 1944، حيث كان الفيلم تمجيديا بالأساس وضم فريق إخراج ضخم كين أناكين أنذريي مارتون بيرنار ويكي، وجيرار أوزوالدوداري إف زانوك.كما عرف بطولة ألمع نجوم هوليوود: جون واين، هنري فوندا، ريشار بورتون، روبير ميتشوم، كورد جورجن جير فريب. وبتكلفة ضخمة في حينها بلغت 10 ملايين دولار. بينما قدرت مداخيل الفيلم ب 50 مليون دولار. و هكذا، فعلى المنتج أن يطلب موعدا مع مكتب الربط التابع للبنتاغون، والذي يوجد بهوليوود من أجل طلب الدعم، بمعنى أن هوليوود نفسها هي الجهة المبادرة وليس العكس! وطبعا هناك شروط قبلية تدخل في إطار الرقابة الذاتية التي يفرضها المنتج على الفيلم قبل أن يتم الاتصال أصلا بمكتب الربط التابع للبنتاغون، ومنها تجنب المواضيع الحساسة، مثل الثورة الداخلية والانتفاضة ضد السلطة، أو إعدامات الجيش بعضه بعضا، والصراعات الداخلية الطاحنة. حتى لا يتم تصنيف العمل ضمن ما يعرف ب «Shows Stoppers» أي الأعمال المروضة مسبقا من قبل البنتاغون، مع ضرورة احترام العمل لأربعة معايير. أولا: المساهمة في تطوير انطباع أفضل لدى الجمهور، للجيش ومؤسسة الدفاع عموما. ثانيا: دعم مجهودات الجيش في التعبئة واستقطاب للعناصر الشابة لتطعيم وتشبيب المؤسسة. ثالثا: مطابقة الوقائع التاريخية والأزمنة والأحداث كما دارت. مع «المصالحة التاريخية» من أجل ترك انطباع ايجابي عن المؤسسة العسكرية. رابعا: الشيء نفسه مع الأفلام الخيالية، سواء الخيال العالمي أو حتى الخيال التاريخي. بعد حصول الفيلم/ السيناريو على موافقة أولية، يتم عرض السيناريو في عدة نسخ، مع لائحة مفصلة للحاجيات المطلوبة، و تحديد مواعيد التصوير، حيث يتم عرض السيناريو المطلوب على لجنة لقراءة السيناريو تابعة للبنتاغون، ومن الواضح أن هناك أكثر من قراءة للسيناريو، القراءة الأولى التي تبنى عليها الموافقة المبدئية، والقراءة الثانية المدققة والتي عادة ما تتم فيها عدة إضافات، بل وتتابع حتى أطوار التصوير، مع استشارات أثناء التصوير أيضا. وفي بعض المرات يقوم البنتاغون بالمساهمة في تمويل الفيلم أيضا علاوة على توفير الآليات والمعدات اللوجيستية، وقد حدث في فيلم» Top Gun» الفيلم دعائي بالأساس للقوات الجوية الأمريكية وتفوقها على نظيرتها السوفياتية، حيث تدور أطوار الفيلم أثناء الحرب الباردة، كمادة دعائية جذابة للشباب الأمريكي لالتحاق بصوف الجيش. الفيلم من إخراج، توني سكوت، وبطولة ثلة من النجوم الشباب: توم كروز و فال كيلمر و كيلي ماكجلي. ثم فيلم « good Morning Vietman» 1987، من إخراج باري ليفنسون و بطولة النجم روبير وليامز، الفيلم الذي يقدم صورة مشرقة للجيش الأمريكي بالفيتنام ولمسته الإنسانية. ثم نجد من الأعمال السينمائية والتي حظيت بدورها بالدعم المالي علاوة على الدعم المعداتي اللوجيستي، فيلم « Les jardin de pierre» 1987 للمخرج فرانسيس فورد كوبولا. دخول CIA على الخط في عام 1947 دخل جهاز المخابرات المركزية الأمريكية على الخط، بقرار من الرئيس هاري ترومان، غداة الهجوم المباغت لليابان على الأسطول الأمريكي ببيرل هاربور، حيث فشل FBI في استباق الكشف عن موعد الهجوم. ومثلما فعل البنتاغون مع هوليوود، قامت CIA بالتنسيق مع مدينة الإنتاج، خاصة في الأفلام ذات الطبيعية الأمنية والمخابراتية، حيث قدم الجهاز عددا من الاستشارات لعدد من الأعمال الفنية. وإذا كان البنتاغون يعمل في واضحة النهار وبمكتب معتمد وعبر آليات ومعايير علنية، فإن جهاز المخابرات المركزية ما يزال يصر على العمل في الخفاء من دون أن تظهر بصماته في الإنتاج ! وحتى إن حدث فالظهور هو مجاملاتي، مثل أن يكتب في آخر الجنيريك و ضمن لائحة الشكر الطويلة، من قبيل شكر خاص لاسم ما باعتباره مستشارا في الجهاز أي جهاز CIA. و يبقى فيلم « La Somme de toutes les peurs « المنتج عام 2002، حدثا محوريا في تاريخ العلاقة بين جهاز المخابرات المركزية ومدنية هوليوود، حيث شارك الجهاز مشاركة نوعية في الفيلم مثله مثل البنتاغون، ومع ذلك لم تتم الإشارة إليه في الجنيريك، عكس البنتاغون. ويبدو أن قطاع السينما والأفلام تحديدا لم يعد يستهوي جهاز CIA، حيث كرس الجهاز حضوره ودعمه على مستوى الإنتاج التلفزيوني ومسلسلات المغامرات البوليسية والمخابراتية تحديدا، مثل مسلسلات : Alias,و، the Agency، و Threat Matrix…. هوليود.. عاصمة إنتاج و تصدير الحلم الأمريكي تقع مدينة هوليوود أو حي هوليوود تدقيقا بإحدى مقاطعات لوس أنجلس، في ولاية كاليفورنيا الأمريكية. متربعة على مساحة 412.6 كلم2 وبسكان بلغوا حسب إحصائيات 2000 ما قدره 436 123نسمة، وبكثافة سكانية جد مرتفعة تصل إلى 1911 ن/كلم2 . في 1880 قرر كل من هارفي أندرسون ويلوكس وزوجته المتحدرين من الكانساس الانتقال إلى مدينة لوس أنجلس وضواحيها تحديدا، حيث اشتروا أرضا أطلقوا عليها اسم هوليوود، مقتبسين الاسم من مستوطنة ألمانية تحمل الاسم نفسه بولاية أوهايو الأمريكية. ليظهر الاسم بصفة رسمية بعد تسجيله عند السلطات واعتماده في الخرائط الطبوغرافية في 1 فبراير 1887، ثم بعد تهيئة القطعة الأرضية وبيع عدد من البقع الأرضية بدأت مرحلة التجهيز ثم التعمير، حيت أنشأ كنيستين ومدرسة ومكتبة، ثم في 1900 مركزا بريديا، ثم صحيفة وفندقا وسوقين، ووصل عدد سكان المدينةالجديدة نحو 500 نسمة. وفي 1903 انتزعت هوليوود صفة بلدية، ليتم إلحاق هوليوود بلوس أنجلس في 1910 واعتبارها إحدى مقاطعاتها ما مكنها من الاستفادة من الربط بشبكات الماء والكهرباء وقنوات الصرف الصحي، ثم ربطها بخط ترامواي، حيث كانت المسافة الفاصلة بين هوليوود ولوس أنجلس 11 كلمترا، في حين كانت تستغرق الرحلة بالترامواي زهاء الساعتين قبل أن يتم تقليص المدة. وابتداء من 1910 بدأ عدد من المخرجين والمنتجين والمستثمرين في المجال السينمائي يقصدون ولاية كاليفورنيا ولوس أنجلس على وجه الخصوص، ثم بعد ذلك مدينة هوليوود لإنتاج أفلامهم وعرضها، فرارا من اللوبي/ التروست M.P.P.C والمعروف أيضا ب Edison Trust نسبة لعالم الكهرباء توماس أديسون والذي أسس رفقة عدد من المنتجين السينمائيين الآخرين هذا التكتل الاحتكاري الضخم، والذي بسط سيطرته على الصناعة السينائية في بدايتها، سيما وأنه كان الوحيد الذي ينتج أفلام خام/pellicules بحيث كان يفرض ضريبة دولارين أسبوعيا على كل دور العرض…وهو ما ولد استياء لدى شركة الإنتاج السينمائي، والتي فرت من نيويورك والشرق الأمريكي إلى هوليوود/ لوس أنجلس هربا من جشع توماس أديسون وشركائه. وبذلك بدأت النواة الأولى للعاصمة السينمائية الأمريكية والعالمية في التشكل. بل، وشهدت المدينة ولادة شركات في الصناعة السينمائية ستصبح لاحقا إمبراطوريات للإنتاج مثل شركة، Universal Studios لصاحبها كارل لميل في، وشركة Twentieth Century Fox لصاحبها ويليام فوكس 915، ثم شركة United Artists، و التي كانت تجمعا لعدد من الممثلين السينمائيين من أمثال شارلي شابلان، و دوكلاس فيربانكس، وفلورانس لورانس… والذين خاضوا تجربة الإنتاج. أكثر من ذلك تحولت مدينة هوليود إلى أسطورة حاولت عدد من الدول في القارات الخمس محاكاتها فأعطت: