سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المصلي: حذار من اللعب بورقة الشارع والاحتجاجات «والبيجيدي» ليس حزب الهيمنة قالت إن لاشيء يمنع من وجود أمينة عامة ل»المصباح» ويصعب تنظيم المؤتمر قبل الانتخابات
في غمرة المفاوضات الماراثونية لحل ملف الأساتذة المتدربين، خرجت جميلة المصلي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، لتدعو من تسميهم ب»الطلبة المتدربين» إلى التقاط الإشارة وعدم تضييع الفرصة التي منحتها لهم الحكومة، بعدما تعهدت بتوظيفهم على دفعتين. المصلي اعتبرت، خلال استضافتها في برنامج «مناظرات المساء»، أنه من الطبيعي أن تشهد سنة 2016، على بعد أشهر من تنظيم الانتخابات التشريعية، تسخينات في محاولة للمساس بشعبية «البيجيدي»، إلا أن ذلك لا يجب أن يمس باستقرار الوطن. وتوقفت الوزيرة الإسلامية عند عدد من الملفات المرتبطة بتدبير قطاع التعليم العالي، منها ما يرتبط بتدبير المنح والمناصب المخصصة للأساتذة وتوسيع العرض الجامعي خارج محور الرباط. – توجه اليوم انتقادات للنقاش العمومي بسبب التركيز على شخصنة الصراعات. كيف تقيمين ما يروج من سجالات في الساحة العمومية؟ بداية أحييكم على الدور الذي تلعبونه، فاليوم نحن في حاجة إلى صحافة تساعد على الرفع من مستوى النقاش السياسي والفكري. صحيح أن هناك دستورا جديدا وقوانين تنظيمية وإطارا سياسيا يتجه نحو توطيد مسار الديمقراطية في بلادنا، لكن الرافعة الأساسية لهذا الرهان هو صحافة قوية ومسؤولة تفتح المجال لنقاش يرفع المستوى، وليس نقاشا يخوض أحيانا في بعض الجزئيات ويجعلها هي الأساس، ولا يساهم في بناء رأي عام وطني. فمن الأدوار الأساسية للصحافة بشتى أنواعها، الإسهام في بناء رأي عام وطني واع وفاعل إيجابي في البناء الديمقراطي. نحتاج اليوم في بلادنا إلى بناء رأي عام وطني منخرط في بناء الوطن وقضايا الأمة. واعتماد المقاربة التشاركية يحتاج إلى فاعلين أساسيين، والفاعلين الاجتماعيين مهمين في هذا المستوى، ولا يمكن أن نتوفر على هذه الفئة إذا لم يكن الإعلام يعمل على إبراز هذه القضايا ويسمح بمجالات للنقاش وتطوير الآراء. – هل النخب السياسية التي نتوفر عليها اليوم في مستوى هذه الرهانات؟ أكيد أن النخب السياسية لديها دور في هذا المستوى. وأكيد أن النخب، خاصة المنتخبة والمسؤولة، يتعين أن تكون في مستوى الأدوار المنوطة بها. – يُحسب لبنكيران أنه أعاد المغاربة إلى متابعة الشأن السياسي بوعي، لكن ألم يساهم هذا النموذج في جعل الفعل السياسي أداة للفرجة وليس لتدبير الشأن العام؟ تعلمون أن الأستاذ عبد الإله بنكيران تحول بإجماع الخصوم والمتعاطفين على حد سواء، إلى ظاهرة سياسية فريدة، تستحق أن تدرس. وأعتقد أن التاريخ المغربي سيذكر هذه الشخصية، كما ذكر شخصيات أخرى بتميزها. طبعا الأستاذ بنكيران نجح في كثير من القضايا، منها مصالحة المواطن مع السياسة ومتابعة شؤونها بشكل ربما غير مسبوق. فخطابه السياسي قد يظهر أنه بسيط، لكنه عميق جدا ومؤسس له. قد يظهر أنه يقدم خطابه في حلة بسيطة جدا حتى تستوعبها كل فئات المجتمع. كما أنه أعاد منسوب الثقة للمواطنين في المؤسسات والمنتخبين و المسؤولين وهو شيء مهم للغاية، يمكن أن يكون هناك اختلاف مع الأستاذ بنكيران في بعض الآراء، لكن ثقة المواطنين في مصداقيته وصدقه هي مسألة مؤكدة. – في الوقت الذي تم رفع شعار تخليق العمل السياسي، نلاحظ من خلال التشكيلة الحكومية وجود نوع من الإرضاء للأحزاب المشاركة فيها. ألم تؤثر هذه الهندسة في عملكم؟ صراحة لست مثفقة مع هذا المنطق. لقد كان هناك نقاش في بداية التجربة، واليوم ينبغي أن تُناقش وتقيم الحكومة من خلال حصيلتها ونتائجها وليس بعدد أعضائها. هذا الأمر ليس فيه أي عيب، بل يوجد في أغلب الدول المتقدمة حيث تتم إعادة الغربلة والهندسة. غير أن النقاش الحقيقي يجب أن يرتبط بحصيلة هذه الحكومة. ما هي حصيلة الحكومة في قطاع التعليم العالي؟ حقق قطاع التعليم العالي إنجازات كبيرة ومهمة، ويمكن التأكيد بكل تواضع بأنها إنجازات غير مسبوقة انطلاقا من البرنامج الحكومي الذي يمثل تعاقدا بين الحكومة والبرلمان، أي تعاقدا مع المواطنين. حاولت الوزارة أن تجسد هذا التعاقد على شكل مخطط عمل بين 2013-2016، واستطعنا اليوم، بفضل الله، أن نحقق حوالي 80 في المائة مما كان مسطرا على مستوى هذا المخطط. هذه حكومة منبثقة من صناديق الاقتراع، وهو ما يجعلها تحمل عبئا اجتماعيا كبيرا ويجب أن تكون حصيلتها في هذا المجال مرتفعة. فئة الطلبة من الفئات الأساسية التي نشتغل على ملفاتها، فاليوم تعرف الجامعة المغربية تزايدا مطردا في عدد الطلبة الذين وصل عددهم في هذا الموسم الجامعي إلى حوالي 800 ألف طالب. في مقابل هذا الارتفاع، هناك اهتمام غير مسبوق بالمجال الاجتماعي، ومنه التغطية الصحية لفائدة الطلبة. هذا المشروع اعتبره الكثيرون مجرد عنوان أو كلام يصعب تنزيله، واليوم استطاعت الحكومة أن تنزله على أرض الواقع في ظرف قياسي. فقد تمت المصادقة عليه في المجلس الحكومي ل14 ماي 2015، وفي أقل من سنة تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان بالإجماع. لكن أهم شيء هو أنه خلال شهر غشت الماضي صدر المرسوم والقرارات الوزارية التي تمثل حوالي عشرة نصوص، ووجدنا أنفسنا في شهر شتنبر أمام اكتمال الترسانة التشريعية الخاصة بهذا النظام. بعد ذلك انتقلنا إلى عملية التدبير مع الشركاء من وزارة الصحة والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي والوكالة الوطنية للتأمين الصحي والجامعات بغية تسريع تنفيذ البرنامج. ورغم أنه نظام مكتمل إلا أننا انطلقنا في عملية تجريبية، وتم إشراك الجامعات لننطلق في عملية التسجيل القبلي للطلبة. وأشير هنا إلى أن الطلبة لا يؤدون أي واجبات للاستفادة من هذا النظام. – ألا يعود اهتمامكم بالطلبة إلى خلفيات انتخابية، خاصة أن هذه الفئة لم تكن في قلب اهتمام السياسيين؟ بكل صراحة لم نشتغل على هذا الموضوع بخلفية انتخابية، بل بخلفية المسؤولية. فنحن لم ندخل في الموضوع حسابات سياسية، ولا أحد يسأل هؤلاء الطلبة إن كانوا مسجلين في اللوائح الانتخابية أم لا، بل نتعامل معهم كمواطنين وفئة لديها صعوبات اجتماعية ومن واجبنا كمسؤولين في الحكومة العمل على رفعها، سواء في مجال التغطية الصحية أو المنح. المنحة في المغرب لم تتغير قيمتها منذ سبعينيات القرن الماضي، ومع هذه الحكومة تحركت في قيمتها المالية وأعداد المستفيدين منها. فهناك اليوم 330 ألف مستفيد، بينما في سنة 2012 لم يكن العدد يتجاوز 182 ألف مستفيد، وهو ما يشكل ارتفاعا بحوالي 50 في المائة. هذا مع العلم بأن الزيادة همت، كذلك، ولأول مرة منذ عقود مبلغ المنحة في مختلف مستوياتها. فاليوم 80 في المائة من عدد طالبي المنح يستفيدون منها، على اعتبار أنه لا يمكن تمكين الجميع من المنحة. في قانون مالية 2016 خصصت الحكومة حوالي 2 مليار درهم للمنح، في حين أنه خلال سنة 2012 لم تكن الميزانية تتجاوز حوالي 700 مليون درهم. نحن في العدالة والتنمية نشتغل دون البحث عن ربح انتخابي، بل نشتغل في الحكومة من باب تحمل المسؤولية والالتزام بالمواطنة. فعندما نكون في موقع المسؤولية لابد أن نشتغل لمصلحة كل الفئات لأن هذا هو الغرض الذي انتخبنا من أجله. فالمواطن المغربي وضع ثقته في حزب العدالة والتنمية كي يشتغل مع كل الفئات، وعندما تكون وزيرا فإنك تكون مسؤولا عن الجميع وليس فقط عن الذين صوتوا لصالحك، ويجب أن تحقق للمواطنين كل الفرص الممكنة لتحسين حياتهم. أضف إلى ذلك تحسين قيمة وعدد منح التميز، ففي السابق كانت قيمتها محددة في 2250 درهما واليوم تصل إلى 3000 درهم، وانتقل عددها من 200 إلى 300. وبالتالي هناك تطور كمي ونوعي، وهو ما يجب أن نعتز به كمغاربة وليس كعدالة وتنمية. فنحن نستثمر في الرأسمال البشري لمستقبل بلادنا. – الرأسمال البشري يرتبط أيضا بأساتذة التعليم العالي، فمنذ مدة أحجمت الجامعة عن التوظيف، واليوم نرى مناصب يصل عددها إلى 1000 منصب، غير أن الملاحظ هو خرجات وزير التعليم العالي، لحسن الداودي، بشأن أدوار بعض التخصصات الجامعية، وعلى رأسها العلوم الإنسانية والآداب. كيف تفسرين الأمر؟ أولا، يجب التوضيح بأن كلام السيد الوزير لحسن الداودي تم إخراجه عن سياقه، بل إن البعض، سامحهم الله، حرفوا كلامه بعكس ما كان يقصده، والحال أن هناك توجها ليس فقط على المستوى الحكومي ولكن أيضا على المستوى العالمي، يجعلنا لا نتصور قيام حضارة إنسانية بدون الاهتمام بمختلف مجالات المعرفة. هذه المجالات لا تنحصر فقط في العلوم البحثة أو الحقة، ولكن بالعلوم ككل التي تشمل العلوم الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية. فلا يمكن أن نتصور مجتمعا متوازنا بدون كل هذه العلوم، فكيف نتصور مجتمعا يضم فقط الأطباء والتقنيين والمهندسين؟ أكيد أننا نحتاج إلى من ينتج النظريات والأفكار ومن يقود المجتمع، غير أن مجموعة من المجتمعات المتقدمة انتبهت إلى هذا الموضوع وحاولت أن تعالج الاختلالات بتشجيع العلوم الإنسانية وإعطائها قيمتها. فهذه قناعة حقيقية لدي، ليس لأن مجال تخصصي هو العلوم الإنسانية والقانونية، بل لإيماني العميق بهذا الأمر. فالمجتمعات والحضارات لا تبنى ولا تؤسس فقط بالعلوم التقنية وبالعلوم الحقة، لكن يجب أن يكون هناك تكامل معرفي بين مختلف العلوم. – أي مبادرات تم اتخاذها لتشجيع الباحثين في الجامعة المغربية؟ نسجل، اليوم، تزايدا ملحوظا في أعداد الطلبة المسجلين في سلك الدكتوراه، يوازيها ارتفاع واضح في نسبة المناقشة سنة بعد أخرى، حيث وصلنا خلال الموسم الجامعي 2014-2015 إلى 1600 مناقشة، في حين لم يكن الرقم يتجاوز 1000 في أحسن الأحوال. وبالمناسبة، فقد قررنا بتعاون مع وزارة الثقافة أن نعلن في المعرض الدولي للكتاب والنشر في دورته الثانية والعشرين، عن مبادرة للعمل على طبع البحوث الجامعية في مستوى الدكتوراه، التي تحصل على ميزة مشرف جدا، مع توصية بالطبع. ويحمل هذا الموضوع في دلالته العديد من الرسائل، فهو تشجيع لهؤلاء الباحثين وتحفيز لكل الباحثين المجدين وتثمين للبحث العلمي، فالباحث لا يكفي أن يناقش البحث، بل أن يجعله في متناول جمهور القراء. – ماذا عن المناصب المخصصة لقطاع التعليم العالي؟ يمثل هذا الملف واحدا من النماذج التي تعكس المجهودات غير المسبوقة التي بذلت في هذا القطاع، فبعد نقاش طويل داخل الحكومة تم التوصل إلى أسلوب جديد لرفع عدد أساتذة التعليم العالي بطريقة غير مكلفة لميزانية الدولة. اليوم، نعتمد على ثلاثة مصادر بالنسبة للأساتذة، من خلال إحداث مناصب جديدة خصص لها قانون المالية لهذه السنة 500 منصب. كما تم تخصيص 530 منصبا في ما يخص التحويل عن طريق مباراة كاملة الأركان، وهي آلية تمكن من الاستفادة من الطاقات التي تزخر بها الإدارة العمومية من حاملي شهادة الدكتوراه، كما أنها غير مكلفة بالنسبة للدولة. هذا إضافة إلى 300 منصب مخصصة للطلبة المسجلين في السنة الثانية من الدكتوراه في إطار تعاقد مع وزارة المالية، وهؤلاء الطلبة يساعدون الأساتذة مقابل تعويض يصل إلى 5000 درهم سنويا لمدة ثلاث سنوات. – ألا تؤثر هذه الآلية على باقي الإدارات العمومية والجماعات المحلية التي سيأتي منها الدكاترة؟ هناك ضمانات لعدم السقوط في هذه الإشكالية. أولا، نحن نشترط ترخيص الإدارة التي يشتغل فيها الموظف الراغب في اجتياز المباراة، وهناك شكايات في هذا الجانب. طبعا هذه ضمانة وضعناها لاحترام إرادة الإدارة الأصلية للموظف. كما أن هناك أساتذة يحافظون على وضعهم الإطار، ويشتغلون بشكل مؤقت مع الكلية في إطار مجال تخصصهم، سواء بشكل تطوعي أو بمقابل. – في كثير من الأحيان يتم الحديث عن مستوى الطلبة والتلاميذ، لكن ماذا عن مستوى أساتذتنا في التعليم العالي، الذين يُتهم بعضهم بالتقصير؟ يجب ألا أن نعمم. فالجامعة المغربية تزخر بكفاءات من الأساتذة والأستاذات يحق لنا أن نفخر بهم، إذ أننا نحضر معهم في تتويجات دولية ووطنية، وأصبح هناك تقليد على مستوى الجامعة يهم تنظيم يوم للبحث العلمي، وشخصيا أحرص على حضور هذا النشاط. طبعا هذا الاحتفال يكون مناسبة للأساتذة الذين حصلوا على تتويج وطني أو دولي أو حصلوا على براءة الاختراع لتكريمهم والاعتراف بمجهوداتهم. فثقافة الاعتراف بهؤلاء الأساتذة والباحثين تحمل مجموعة من الدلالات، لأنها توضح أن الساحة الجامعية المغربية فيها كفاءات ينبغي أن نفخر بها ونعتز بها. لكن بطبيعة الحال في أي منظومة هناك استثناءات قد تسيء أحيانا، وهنا يكون دور الرؤساء وعمداء ومدراء المؤسسات الجامعية واللجان العلمية والشعب في تحصين الجامعة العمومية من بعض أوجه القصور. غير أنه بشكل عام فالجامعة المغربية استعادت ثقتها، وأقول هذا الأمر كمغربية وليس فقط كوزيرة مسؤولة. وما يعكس ذلك هو الإقبال على الجامعات ذات الاستقطاب المحدود. وهذا لا يمنع من وجود بعض الملاحظات هنا وهناك ودورنا هو السعي إلى تحسين وتجويد المنظومة. وأود أن أذكر في هذا السياق، بأن هذه الحكومة هي التي أخرجت إلى الوجود هيئة كان من المفترض أن تحدث منذ سنة 2000، تاريخ صدور القانون الإطار المنظم للتعليم العالي، وهي وكالة تقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي. اليوم، نتوفر على هيئة ستناط بها مهام ضرورية لتقييم منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، في اتجاه الارتقاء المطرد في مستوى جودته. – في هذا الإطار، طرحت مسألة إعادة النظر في آليات الولوج إلى المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود من خلال إلغاء آلية المباراة. هل من تفاصيل حول هذا التوجه؟ من الأوراش الكبيرة المفتوحة داخل الوزارة الاشتغال على بناء تصور جديد للولوج إلى المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود. فبعد تقييم التجربة، تبين أن هناك مجموعة من النقائص في منظومة الولوج. اليوم، نشتغل على الموضوع، إذ يوجد البعد التقني وأيضا البعد الاجتماعي، على اعتبار أن هذا القرار يمس الأسر المغربية، وهناك أيضا البعد الثقافي لأن المواطنين تعودوا على نظام معين، وثقافة التغيير تحتاج إلى مصاحبة وتوضيح. نحن اليوم نشتغل على تغيير هذا النظام، الذي نحاول أن يكون جاهزا خلال الموسم المقبل. – يقال شعبيا إن بعض المهن مخصصة لفئات اجتماعية دون أخرى، فهل ستصبح مؤسسات الولوج المحدود، ومنها كليات الطب، مفتوحة في وجه جميع المغاربة حتى لا تبقى حكرا على بعض الفئات؟ بذلت الحكومة مجهودا كبيرا لتقريب المؤسسات التعليمية العليا من الطلبة. فمثلا، بالنسبة لكليات الطب، تم العمل على تقريبها من عموم فئات الطلبة، حتى لا تبقى متمركزة في الرباطوالبيضاء، إذ سيتم افتتاح كلية للطب والصيدلة في الموسم الجامعي المقبل بمدينة أكادير التي زرتها مؤخرا. كما أن كلية الطب والصيدلة بطنجة ستفتح أبوابها في نفس الموسم، وهناك كلية مماثلة في بني ملال في طريقها إلى التأسيس. إنشاء هذه الكليات الجديدة في ولاية حكومية واحدة هو أمر غير مسبوق، وخلفية ذلك هو توفير كلية الطب في كل جهة من جهات المملكة، واليوم هناك المستشفى الجامعي بالعيون الذي سيبنى في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية. وهذا يعني أن طلبة المناطق البعيدة سيتمكنون من متابعة دراستهم بها. – هل من المعقول أن يتم تجميع عشرات المؤسسات في مدينة العرفان في الرباط، في حين لا نجد مؤسسة واحدة في مناطق أخرى؟ خلال هذه الولاية الحكومية تم بناء وفتح عدة مؤسسات جامعية جديدة، وهو إنجاز كبير بالنظر إلى الكلفة المادية لهذه المشاريع، فضلا عن أن أي كلية للطب، مثلا، تستلزم وجود مستشفى جامعي بجانبها حتى يقوم الطلبة بالتداريب. هناك أيضا الاشتغال على أقطاب تقنية، ليس بالضرورة في الرباط، بل أيضا في الراشيدية والدار البيضاء وغيرها. فقد زرت مؤخرا رفقة السيد وزير التعليم العالي ورش بناء المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالداخلة، وستكون هذه المؤسسة جاهزة ابتداء من شهر ماي المقبل. إلى جانب مؤسسة أخرى هي المدرسة العليا للتكنولوجيا. وبالتالي هناك وعي بضرورة توسيع مجال المؤسسات الجامعية خارج محور الرباط، لتكون لدينا معاهد في فكيك وطانطان وغيرها من المناطق البعيدة، على اعتبار أنه لا يمكن أن نتصور جهوية متقدمة بدون مؤسسات جامعية قوية تضمن على الأقل التكوين للطلبة المتحدرين من تلك المناطق. الرأسمال البشري الذي تصنعه الجامعة هو المؤهل لتنمية وتطوير الجهة، وعندما يقع التفاعل بين الجامعة والجهة فلن يساهم ذلك إلا في تنمية حقيقية، تعتبر الجامعة قلبها النابض في إطار شراكة إستراتيجية. واعتبارا للاستقلالية التي تتمتع بها الجامعة، فإن مسؤوليها مؤهلون لاقتراح وتنفيذ مشاريع تراعي حاجيات الجهة التي توجد على ترابها، بتنسيق تام مع مجالس الجهات ومجالس الجماعات الترابية الأخرى. – هذا الموضوع يحيلنا على دور المؤسسات الاستشارية. ما تقييمك لعلاقة حكومة بنكيران بهذه المؤسسات؟ تشتغل هذه الحكومة في إطار دستوري، وتحترم جميع المؤسسات الوطنية والدستورية، وعلى هذه الأخيرة أن تشتغل في إطار الصلاحيات التي يخولها لها الدستور والقوانين. بعض هذه المؤسسات طور قوانينه وأصبح منسجما مع دستور 2011، وبعضها الآخر لم يقم بذلك بعد. فخطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله في افتتاح الولاية التشريعية لهذه السنة أكد على أن المؤسسات الدستورية يجب أن تكون قوانينها محينة وتتلاءم مع الدستور. طبعا الأمر سيتطلب بعض الوقت لكن لدينا سقف زمني يمتد إلى نهاية هذه الولاية. فكما أن الحكومة ملزمة بإعداد جميع القوانين التنظيمية التي ينص عليها الدستور وإحالتها على البرلمان ليقول كلمته فيها، فهذه المجالس لابد أن تشتغل أيضا على تحيين قوانينها. – أليس هناك تنازعا في الصلاحيات بين هذه المؤسسات والحكومة، وهو الأمر الذي لاحظناه عند مناقشة مشروع القانون الخاص بالهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة؟ لا أرى أي مظهر من مظاهر التنازع الذي تتحدث عنه، ومع ذلك فالنقاش أمر طبيعي، لكن ما نحتكم إليه جميعا في نهاية المطاف هو القانون الذي صدر. فرغم أن الآراء قد تكون مختلفة، فنحن نحتكم إلى قاعدة قانونية تنسجم مع الإطار الدستوري والمرحلة التي تمر منها بلادنا، دون أن يمنع ذلك من وجود قراءات أخرى مستقبلا. ما أريد أن أؤكده هو أن علاقة الحكومة مع المؤسسات الدستورية قائمة على التعاون والتكامل، وتعرفون أن الدستور حدد هذا المبدأ العام المرتبط بالتعاون. ففي المجال الذي أشتغل فيه، فالعلاقة مع المجلس الأعلى للتعليم تقوم على التعاون، قد تكون لدينا ملاحظات على بعض الآراء، غير أننا نأخذ ما نراه مناسبا، لأن الأمر في نهاية المطاف يتعلق بآراء استشارية، والرأي الأخير في مجال التشريع يكون للبرلمان. – ماذا عن ملف الأساتذة المتدربين، حيث بدا أن الحكومة تعاملت بليونة مع الطلبة الأطباء، في حين أن بنكيران أقسم ألا يتراجع عن المرسومين؟ بما أنكم أثرتم موضوع الطلبة المتدربين، على اعتبار أنهم لا يصبحون أساتذة إلا عندما يتخرجون ويتوفرون على مناصب مالية، فلا وجه لمقارنة الملف مع حالات أخرى على اعتبار أن هناك مرسومين واضحين صدرا في الجريدة الرسمية، ينصان على فصل التكوين عن التوظيف ومراجعة قيمة المنحة. تعاملت الحكومة مع الموضوع بمرونة كبيرة، وتم فتح الحوار مع الطلبة المعنيين في عدة جولات. الحوار اليوم يوجد في مرحلة حاسمة، والسيد رئيس الحكومة يطالبهم بالعودة إلى مقاعد الدراسة، وأتمنى أن يفهموا هذه الرسالة. ففصل التوظيف عن التكوين هو قرار استراتيجي تم اتخاذه لمصلحة عموم الشباب حاملي الشهادات ولا يمكن بمنطق العقل السليم أن تؤاخذ هذه الحكومة لكونها وفرت فرصا إضافية مهمة للتكوين، ولم تنحصر مبادرتها في سقف 7000 متدرب المنصوص على مناصبهم في قانون المالية. – هناك من يتهمكم باللجوء بشكل كبير إلى المراسيم عوض مشاريع القوانين… مجال القانون محدد حصرا في الدستور، الأمر هنا يدخل ضمن الصلاحيات التنظيمية للحكومة. هؤلاء أبناؤنا، نجحوا في مباريات الولوج للمراكز الجهوية، وهذا التكوين سيكون مدخلا للتوظيف. الحكومة من خلال الحوار الذي أجرته مع ممثلي الطلبة المتدربين منحتهم حلولا، عليهم أن يلتقطوا الإشارة حتى لا تضيع هذه الفرصة. طبعا رئيس الحكومة يعمل على تدبير الموضوع بحكمة وإن كانت هناك ضغوط للمرور إلى مرحلة أخرى لمعالجة الأمر. فهو يحاول أن يجد حلا يتناسب مع المصلحة العليا للوطن، التي يجب مراعاتها، وأي حل يمكن أن يكون متفاوضا بشأنه إلا أنه لا يمكن التراجع عن المرسومين. ما أتمناه هو أن يعود الطلبة إلى مقاعدهم، خاصة أن بعضهم بدأ في العودة إلى أقسامهم ولم تبق نسبة المقاطعة 100 في المائة. – هل هناك أياد تحرض هذه الفئات، خاصة أن عبد الإله بنكيران تحدث عن هذا الأمر في اجتماع مع اللجنة الوطنية للبيجيدي؟ قد تكون هناك أطراف ما، وهذا الأمر واضح. السنة الأولى من عمر هذه الحكومة تعرفون كيف مرت، حيث كانت هناك تسخينات كبيرة جدا، وهو الأمر الذي نتوقعه أيضا خلال سنة 2016. فهذه سنة انتخابية، ومن الطبيعي أن يبحث كل طرف عن موقع معين ويحاول المساس بشعبية العدالة والتنمية والنجاح الذي حققه الحزب في 4 شتنبر الماضي. غير أنني أعتقد بأن الأمر لا يجب أن يمس باستقرار الوطن، لأن اللعب بورقة استقرار الوطن وتحريك الشارع والاحتجاجات مغامرة غير محسوبة العواقب، يجب الحذر منها. فالأمر لا يرتبط بالعدالة والتنمية بل بالبلاد، أما «البيجيدي» فهو حزب من الأحزاب. – ربما البعض يتخوف من أن «يلتهم» العدالة والتنمية باقي الأحزاب… ليطمئن الجميع.. «البيجيدي» لن يلتهم أحدا. نحن حزب وطني يعرف حجمه ويجتهد لمصلحة وطنه، نؤمن ونطبق ثقافة التوافق والتعاون مع الغير، وهذا أمر يمكن أن يلمسه أي مراقب في تدبير علاقتنا مع حلفائنا في الحكومة. – هل «البيجيدي» طبع بشكل كامل مع الحياة السياسية، وانتهى خوف بعض الأطراف من هذا الحزب، بالشكل الذي كان يهدده بالحل سنة 2003؟ العدالة والتنمية حزب سياسي يشتغل في إطار القوانين. تجربته الحكومية أبانت أنه حزب يحترم حلفاءه، ويحاول ما أمكن ألا يشتغل بمنطق عددي، وهو الأمر الذي يؤكده تواجده في الحكومة، لسنا حريصين على الهيمنة، بل جئنا بروح جديدة للعمل السياسي والإدارة المغربية. حتى على مستوى التعيينات نبحث دائما عن الكفاءات، وليست لدينا عقدة الانتماء والعمل على وضع معايير على مقاس المنتمين للحزب. فإذا كان المسؤول مناسبا للمنصب يتم وضع الثقة فيه حتى لو كان منتميا للمعارضة، وهي روح جديدة في الإدارة المغربية. ومن أهم الإضافات التي جاء بها العدالة والتنمية هي التغلب على النزعة الحزبية، فأحيانا تولد النزعات الحزبية الرغبة لدى أعضاء بعض التنظيمات السياسية للاستحواذ على جميع المواقع دون غيرهم. طبعا لدينا فريق برلماني يشتغل بقوة وحماس ونضالية، وهو المعطى المطلوب في جميع الأحزاب السياسية. – خرج صلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، أخيرا، بتصريحات نارية تجاه العدالة والتنمية. ما هي قراءتك لهذه التصريحات؟ الحقيقة، اليوم، هي أن الحكومة التي أنا عضو فيها تعمل بشكل طبيعي ومتناسق، ولا يمكن لأي تصريح عابر أن يمس بهذا الأمر. هذه حكومة مكونة من أحزاب تشتغل في إطار من الاحترام التام، والسيد رئيس الحكومة حريص كل الحرص في اللقاءات التي تجمع مكونات الحكومة والأغلبية، على أن يقوم كل طرف بواجبه في إطار من الانسجام والتآلف. فهذه الحكومة يهمها، أولا، إنجاز الأوراش التي تم التعاقد فيها مع المواطنين في إطار البرنامج الحكومي، وتنزيل القوانين التنظيمية. ومادمت أتحدث عن الجانب التشريعي، أشير إلى أن الحكومة نجحت في هذا الورش الصعب جدا، وما بقي من القوانين التنظيمية ستتم المصادقة عليه قبل متم الولاية التشريعية. – ونحن نتحدث عن التشكيلة الحكومية، يطرح سؤال حول النخب النسائية في المغرب. هل العقل السياسي المغربي نضج بشكل يجعلنا نرى رئيسة للحكومة غدا؟ أعتقد أنه وقع تحول كبير وإيجابي ليس فقط في مشاركة النساء، بل في حجم تمثيليتهن. والمتتبع لموقع المرأة المغربية في المشهد السياسي والمناصب العليا سيجد أن هناك تحولا كبيرا، فاليوم رغم غياب أي إجراء قانوني لرفع نسبة تمثيلية النساء في التعيينات العليا إلا أن عددهن يرتفع بشكل تدريجي. وقد تمكنا من بلوغ نسبة 12 في المائة من النساء على مستوى المناصب العليا يتم اختيارهن بدون كوطا أو أي إجراء آخر. كما أن الضمير الجمعي أصبح مستوعبا أكبر لمشاركة النساء، ولم يعد هناك تحفظ تجاه وجود امرأة كرئيسة لمجلس بلدي أو والية أو غيرها من المناصب. حضور المرأة في الحكومة يعطي هذه الصورة الإيجابية، إلى جانب حضورها في البرلمان. فلأول مرة في تاريخ المغرب نجد، مثلا، على مستوى مكتب مجلس النواب حوالي 4 نساء من أصل 13 عضوا. وبالتالي فالتحول الحاصل والتغير موجود، ولم يعد من المستبعد في يوم من الأيام أن تكون هناك أمينات عامات في أحزاب قوية حتى يصرن رئيسات للحكومة. – هل يمكن أن نجد أمينة عامة للبيجيدي؟ كل شيء ممكن. فلا شيء يمنع ذلك، شريطة أن تصل إلى هذا المنصب عن طريق المساطر والقوانين. فالقانون الداخلي للعدالة والتنمية لا يمنع ترشح النساء لمنصب أمينة عامة أو أي موقع آخر، غير أنها يجب أن تصل إلى هذا المنصب عن طريق التصويت. مسألة الكوطا لما وُضعت كآلية دولية لرفع تمثيلية النساء، تم وضعها بهدف فلسفي تدريجي ومرحلي لتغيير العقليات وسد الفجوة الموجودة بين تمثيلية النساء والرجال، غير أن الذي وقع هو أنها أصبحت في بعض البلدان آلية فريدة ودائمة. فالكوطا آلية من الآليات ولا ينبغي التعويل عليها كثيرا، وفي المستقبل لابد من التفكير في آليات أخرى، لتصبح مشاركة النساء أمرا طبيعيا. – مادمنا قد تحدثنا عن الأمانة العامة، هل يمكن أن تقربينا من النقاش الداخلي للحزب حول الأمين العام المقبل والمؤتمر؟ هذه السنة استثنائية، ولم يسبق أن كانت هناك انتخابات جماعية وبرلمانية وأيضا مؤتمرنا الحزبي. الآن مرت الانتخابات الجماعية بسلام، وهمنا اليوم هو تكوين المنتخبين، على اعتبار أنهم يجب أن يكونوا في مستوى المسؤولية التي حملها لهم المواطن. وهناك استحقاق آخر يرتبط بالانتخابات التشريعية ونحن حزب يترأس الحكومة، وبالتالي فهناك مسؤولية إنهاء الالتزامات المدرجة ضمن البرنامج الحكومي، وهو التزام كبير يأخذ منا وقتا كبيرا. أما الاستحقاق الثالث، المتعلق بمؤتمر الحزب، فالتوجه الموجود هو أننا سنرفع الأمر إلى المجلس الوطني في إطار دورة استثنائية، وهو الذي سيقرر إن كنا سنعقد المؤتمر رغم كل هذه الإكراهات، وإن كنت أعتبر هذا الأمر صعبا. أنتم تعرفون بأن مؤتمراتنا ليست صورية، فلا يمكن أن نأتي في الصباح ونقرر، بل إن انتخاباتنا وديمقراطيتنا حقيقية ومضنية، وهو ما يستدعي مجهودا كبيرا على المستويين التنظيمي والسياسي. أعتقد أن الإعداد للمؤتمر بالشكل المطلوب والمناسب، كحزب يحترم القواعد والديمقراطية، سيجعل من الصعب الجمع بينه وبين الانتخابات التشريعية، والمجلس الوطني سيقدر كل هذه الأمور.