هناك العديد من الشخصيات التي ساهمت في صنع التاريخ المغربي، سلبا أو إيجابا، توارت إلى الخلف ولم تستعذب يوما لعبة الأضواء، ولأن التاريخ لا تصنعه الشخصيات «الشهيرة» فقط، فإن الكثير من المعلومات ضاعت في أتون الصراع السياسي والحسابات الشخصية. عبد الكبير العلوي الإسماعيلي، صاحب دار نشر منشورات «الزمن» الشهيرة، واحد من هاته الشخصيات، التي كان لها دور حاسم في قضية الصحراء في الكثير من المحطات، وإذا كان يرفض صفة «عميل المخابرات المغربية»، فإنه يؤكد أنه تعاون معها في الكثير من اللحظات الحساسة. على كرسي الاعتراف، يحكي العلوي الإسماعيلي أسرارا غاية في الحساسية عن قضية الصحراء ودور إدريس البصري وعلاقاته المتشعبة مع النظام الليبي، كما يتوقف عند لقاءاته بالملك الراحل الحسن الثاني، ويشرح كيف أخبره في إحدى الجلسات الخاصة أنه يتوفر على معلومات تؤكد قرب القيام بمحاولة انقلابية جديدة بالمغرب. – لماذا لم يزر القذافي المغرب، هناك من قال إنه تعرض لضغوط قوية من لدن الجزار، ما صحة هذه المعلومة؟ بعد أيام من تواجدي بفندق «سوفيتيل» بالرباط، أحسست ذات يوم أني الزبون الوحيد بالفندق. لكن ذات صباح وأنا أغادر غرفتي وقعت عيناي على شاب أسمر ونحيف، واقف عند باب جناح مقابل لغرفتي. في بهو الفندق اتضح كل شيء، إذ رأيت السفير الليبي لدى المملكة المغربية السيد بلقاسم الزوي وسط مجموعة من الإخوة الليبيين، وعلمت أن الشاب الأسمر كان واقفا إلى جانب جناح السيد أحمد قداف الدم. كان السيد بلقاسم الزوي ودودا، متفتحا، لا يهرب من النقاش، يستمع جيدا إلى مخاطبيه، يكون متسامحا حين يتعلق الأمر بشخصه وصارما عندما يتعلق الأمر بعمله. وحسب ما كنت أشاهد، عامله المغاربة أحسن معاملة… بل وكان ملك المغرب يعامله معاملة تكاد تكون استثنائية… بل وربما كان لجلالته تأثير على مسيرته الدبلوماسية، بعد انتهاء مهامه في المغرب، علما أنه كان يحظى بمكانة خاصة في محيط العقيد… نحن إذن عند عتبة لقاء الإخوة الأعداء. – لم تجبني عن سؤالي بعد؟ لا أعرف بالتدقيق، لكن دعني أطرح الأسئلة التالية: هل تعني زيارة القذافي إلى الخليج، ثم إلى المغرب، تحولا مدروسا مراعيا لمعطيات الواقع الليبي نفسه ولمعطيات محيطه العربي الإفريقي ثم المتوسطي؟ – هل أدخل العقيد في حساباته رؤية البيت الأبيض الريغانية المكملة لقبضة السيدة الحديدية تاتشر؟ وهل راعى ما يعتمل داخل البطن السوفياتي؟ يجب افتراض شيء واحد فقط، وهو إحساس القيادة الليبية بحدة الاختناق. ولهذا فهو قادم إلى المغرب، بحثا عن مخرج من مستنقع تشاد الذي يعيش حربا أهلية منذ عام 1965، مع استراحات متقطعة تحمل بذور انفجارات متجددة، كلما امتلك طرف ما وسائل تحرك يراها ناجعة. والسبب في ذلك أن فرنسا، الدولة المستعمرة، اعترفت عام 1960 باستقلال تشاد مقسم إلى جزأين، جزء نافع وهو الجنوب، وجزء غير نافع وهو الشمال بأغلبية مسلمة، مما دفع الرئيس الليبي معمر القذافي إلى الدفع بقيام وحدة بين الجارين، الجماهيرية العربية الليبية وتشاد، كانت لها عواقب وخيمة تعرض لها لقاء القمة التي تمت في مراكش بين الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الفرنسي ميتران، في يناير عام 1983، والتي ساهمت في صياغة موقف فرنسي يدعو إلى وساطة دولية لتحديد مصير منطقة أوزو… هذا المصير الذي لعبت فيه المخابرات الإسرائيلية والأمريكية أدوارا جد سلبية ضد ليبيا، التي فقدت فيها آلاف الجنود وكميات هائلة من الأسلحة. – هل كان القذافي يبحث عن وساطة مغربية في الملف التشادي؟ أخمن ذلك، لأن العقيد كان يعرف قدرات الحسن التفاوضية، وقد خبره في الكثير من القمم العربية، ولذلك كان يرى فيه الحل الأنسب لحل المشكلة.